الحذر من بيع الوهم: تجربتي مع دورات الطاقة والتنمية البشرية
في عالم اليوم، أصبح البحث عن تطوير الذات وتحقيق النجاح الشخصي والمادي هدفًا يسعى إليه الكثيرون. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت موجة من المدر
في عالم اليوم، أصبح البحث عن تطوير الذات وتحقيق النجاح الشخصي والمادي هدفًا يسعى إليه الكثيرون. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت موجة من المدربين والدورات التي تعد الناس بالثراء، السعادة، وتحقيق الأحلام عبر مفاهيم مثل "الطاقة"، "موازنة الذكورة والأنوثة"، و"قوانين الجذب". لكن هل كل ما يُقدَّم لنا حقيقي وذو فائدة؟ أم أن هناك من يستغل حاجتنا للتغيير ويبيع لنا الوهم؟
في هذا المقال، أشارككم تجربتي الشخصية مع هذه الدورات، وكيف اكتشفت حقيقتها بعد فترة من البحث والتجربة.
بداية الحكاية: البحث عن تطوير المشروع
كنت أمتلك مركزًا صغيرًا لتقديم الدروس، وكنت أسعى لتطوير مشروعي وتنظيم وقتي بشكل أفضل. كأي شخص طموح، لجأت إلى الإنترنت بحثًا عن نصائح في الإدارة والتسويق وتطوير الذات. لكنني لاحظت أن معظم المحتوى المجاني يروّج لدورات مدفوعة، بعضها بأسعار خيالية تصل إلى مئات أو حتى آلاف الدولارات.
كنت حريصة على أموالي، فقد تعبت في جمعها وأردت استثمارها بحكمة. لم أكن مستعدة لدفع مبالغ كبيرة مقابل وعود غير واضحة أو نصائح عامة يمكن إيجادها مجانًا.
خدعة الطاقة والثراء السريع
خلال بحثي، صادفت العديد من المدربات اللواتي يقدمن دورات حول "موازنة طاقة الذكورة والأنوثة" أو "قوانين الجذب" ويعدن النساء بالثراء وتحقيق النجاح السريع. لاحظت أن بعضهن لم يكن لديهن أي مشاريع حقيقية أو تجارة واضحة، بل كان مصدر دخلهن الوحيد هو بيع الدورات نفسها.
إحدى المدربات كانت تدعي أنها أصبحت ثرية واشترت منزلاً جديدًا بفضل هذه الدورات، بينما في الحقيقة كانت تعيش حياة عادية ولم يكن لديها أي مشروع ملموس. كانت تجمع المال من النساء اللواتي يصدقن وعودها ويشترين دوراتها الواحدة تلو الأخرى.
بيع الوهم واستغلال الحاجات النفسية
أدركت مع الوقت أن معظم هذه الدورات لا تقدم حلولاً حقيقية للمشاكل، بل تبيع للناس "إحاطة بالموضوع" أو جرعة مؤقتة من الأمل والسعادة، دون معالجة جذرية للمشكلة. كما يعتمد بعض المدربين على استغلال المشاكل المنتشرة في المجتمع، فيسوقون لدوراتهم على أنها الحل السحري.
عندما يواجه الشخص مشكلة، يبحث عن أي بصيص أمل أو طريق مختصر للحل، وهنا يجد هؤلاء المدربون فرصتهم. يروجون لفكرة أن "الكون سيرسل لك المال" أو أن "التأمل سيجلب لك الرزق"، ويطلبون مقابلاً مادياً كبيراً مقابل حضور ورشة أو دورة لا تتعدى كونها كلاماً عاماً أو تمارين نفسية بسيطة.
العلم والمنطق في مواجهة الخرافة
من خلال متابعتي لبعض الأطباء والمتخصصين، فهمت أن بعض المشاعر الإيجابية التي يشعر بها الإنسان بعد التأمل أو جلسات الطاقة ناتجة عن إفراز هرمونات السعادة في الجسم، مثل الدوبامين، وهو أمر طبيعي ولا علاقة له بقوى خارقة أو طاقات خفية.
أما الحديث عن موازنة طاقة الذكورة والأنوثة، فهو في الأصل يرتبط بالهرمونات الطبيعية الموجودة في أجسامنا، والتي تختلف نسبها بين الرجال والنساء بشكل علمي مثبت. لا يحتاج الإنسان لدورات أو طقوس غامضة لتحقيق التوازن، بل يكفيه الحفاظ على نمط حياة صحي.
استغلال السوشيال ميديا والتأثير على العقول
وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أرضًا خصبة لانتشار هذه الأفكار، حيث يستغل البعض رغبة النساء في الجمال، الشهرة، والثراء، ويقنعونهن بأن العائق الوحيد هو "معتقداتهن" أو "طاقتهن السلبية". وفي كل مرة، يكون الحل هو شراء دورة جديدة أو حضور ورشة إضافية.
حتى في مجال "طاقة المكان" أو "الفانكشوي"، يُطلب من الناس تغيير ديكورات منازلهم أو إعادة بناء أجزاء منها بحجة جلب الطاقة الإيجابية، وهو أمر غير واقعي ويكلف أموالاً طائلة دون أي فائدة حقيقية.
الهدف الحقيقي: المال والسيطرة
من خلال تجربتي وملاحظتي، وجدت أن الهدف الأساسي لهؤلاء المدربين هو جمع أكبر قدر ممكن من المال، وجذب أكبر عدد من المتابعين، حتى لو كان ذلك على حساب عقول وميزانيات الناس. في النهاية، يخسر الشخص ماله ووقته دون أن يحصل على حل حقيقي لمشكلته، وأحيانًا قد يتأثر دينه أو قناعاته بسبب الأفكار الدخيلة المرتبطة بديانات أو فلسفات غريبة.
نصيحتي لكل باحث عن تطوير الذات
- لا تبحث عن حلول سحرية أو طرق مختصرة للنجاح، فكل إنجاز يحتاج إلى عمل وجهد وصبر.
- تحقق من خلفية المدرب أو المدربة، واسأل عن مشاريعهم الحقيقية وإنجازاتهم الفعلية.
- لا تدفع أموالك بسهولة، خاصة إذا كان المقابل وعودًا عامة أو كلامًا غير مدعوم بأدلة واقعية.
- اعتمد على العلم والمنطق، وابتعد عن الخرافات والأفكار غير المثبتة علميًا.
- حافظ على دينك وقيمك، ولا تسمح لأي أحد أن يؤثر على قناعاتك أو يستغل حاجتك للتغيير.
في النهاية، تطوير الذات رحلة شخصية تتطلب وعيًا، تعلّمًا مستمرًا، وجهدًا حقيقيًا. لا تدع أحدًا يبيعك الوهم أو يستغل حاجتك، فالحلول الحقيقية تبدأ من داخلك، ومن عملك الجاد وإصرارك على التغيير.
بقلم: سيدة جزائرية باحثة عن الحقيقة والتغيير الإيجابي
https://www.youtube.com/watch?v=4VpKf9rM7yA