اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

الكابالا: الجذور الفلسفية وأثرها على مفاهيم الطاقة والوعي

تُعد الكابالا (القبّالة) من أكثر الطوائف اليهودية إثارة للجدل والتأثير في تاريخ الفكر الروحي والفلسفي. لم تقتصر أفكار الكابالا على المجتمع اليهودي فقط

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
7 دقائق

تُعد الكابالا (القبّالة) من أكثر الطوائف اليهودية إثارة للجدل والتأثير في تاريخ الفكر الروحي والفلسفي. لم تقتصر أفكار الكابالا على المجتمع اليهودي فقط، بل امتدت لتؤثر في عقائد وممارسات روحية حول العالم، خاصة في موضوعات الطاقة، الوعي، وفلسفات الاتحاد مع الكون والإله. في هذا المقال، نستعرض بإيجاز تاريخ الكابالا، أفكارها الأساسية، وكيفية انتشارها وتأثيرها على مدارس الوعي والطاقة المعاصرة.

الكابالا: النشأة والجذور الفلسفية

الكابالا هي طائفة صوفية يهودية نشأت في العصور الوسطى، وركزت على محاولة فهم العلاقة بين الإنسان والإله والكون. يعتقد أتباع الكابالا أن الإنسان يسعى للاتحاد مع الكون، وفي النهاية مع الإله، من خلال معرفة ذاته وتفعيل طاقاته الروحية.

تأثرت الكابالا بالفلسفات القديمة، خاصة الفلسفة الهرمسية التي ظهرت في مصر القديمة. يُقال إن هناك سبعة مبادئ هرمسية أساسية للخلق والكون، منها: العقل، الاهتزاز، القطبية، الثنائية، والإيقاع. هذه المبادئ ربطها الكاباليون بمراكز الطاقة في الإنسان (الشاكرات)، واعتبروا أن تفعيل هذه المراكز هو طريق الاتحاد مع الإله وتحقيق الوعي الأعلى.

الكابالا والهندوسية: تشابه وتأثير

من المثير للاهتمام أن هناك تشابهاً كبيراً بين عقائد الكابالا وبعض الفلسفات الهندوسية، خاصة فيما يتعلق بمفاهيم الطاقة والشاكرات والاتحاد مع الكون. يُقال إن الكاباليين اليهود، خاصة في عهد إمبراطورية موريا التي حكمت الهند قديماً، كان لهم دور في إدخال هذه الأفكار الفلسفية إلى الهند، مما أثر في تطور الهندوسية بالشكل الذي نعرفه اليوم.

فلسفة الوعي في الكابالا

يركز الكاباليون على فكرة الوعي بمستوياته المختلفة:

  • الوعي الدنيوي: وهو الوعي المرتبط بالحياة اليومية والعقل.
  • الوعي الروحي: وهو مرحلة أعلى يصل فيها الإنسان إلى الاتحاد مع الإله، ويُعتبر نفسه إلهاً يمشي على الأرض.

يعتقد أتباع الكابالا أن الإنسان يمر بمراحل من الوعي حتى يصل إلى "اليقظة" ثم "الوعي الروحاني"، حيث يصبح الإنسان في حالة اتحاد مع الإله، ويستطيع من خلال ذلك التحكم في قوانين الكون وجذب ما يريد (كما في قانون الجذب المنتشر في العصر الحديث).

مفهوم الإله في الكابالا

تقدم الكابالا تصوراً معقداً للإله، حيث يُقال إن له وجهين: وجه إيجابي (خير) ووجه سلبي (شر)، ويُطلق على الوجه السلبي "سترا أخرا". يُعتبر إبليس في الكابالا هو الوجه الآخر للإله، أي أنه إله للشر، بينما الإله الخالق هو إله للخير. ويُعتقد أن الإنسان يمكن أن يكون "سترا أخرى" إذا تصرف بسلبية، أو يكون وجهاً إيجابياً إذا تحكم في نفسه وارتقى روحياً.

الطقوس والممارسات الروحية

تدعو الكابالا إلى مجموعة من الطقوس والممارسات الروحية مثل التأمل، اليوغا، وتفعيل الشاكرات، بهدف السيطرة على الذات والابتعاد عن الجانب السلبي للإله (سترا أخرا) والاقتراب من الجانب الإيجابي. كما يؤمنون بأن كل البشر "إلوهيم" (آلهة على الأرض)، وأن الإنسان يحمل صفات الإله في ذاته.

السحر والأسرار الرقمية

الكابالا معروفة أيضاً بممارساتها السحرية، مثل سحر الأرقام (حساب الجمل)، سحر الاختصارات، وسحر التنكيس (عكس النصوص الدينية)، حيث يُعتقد أن للأرقام والحروف أسراراً خفية يمكن استخدامها في التأثير على الواقع. كثير من الدجالين والسحرة يستخدمون هذه الأساليب حتى اليوم.

كتب الكابالا وأثرها

من أهم كتب الكابالا "الزوهار"، الذي يُعتبر المرجع الأساسي لأفكارهم، ويحتوي على شروحات معقدة حول الترقي الروحي ودرجات الوعي (125 درجة للترقي الروحي). كما ظهر كتاب "سفر البديره" الذي يشرح نظرية الخلق عبر الحروف العبرية، ويؤكد أن الله خلق الكون باللغة العبرية.

شجرة الحياة وفلسفة الانبثاق

تشرح الكابالا نظرية "شجرة الحياة"، حيث يُعتقد أن الإنسان والكون كانا داخل الإله، ثم انفجر الإله (حسب تعبيرهم) ونتج عنه آدم القديم، الذي يحمل صورة الإله. كل عضو في الإنسان يُعتبر تجلياً من تجليات الإله، ويُنظر للإنسان كبلورة نورانية مقدسة، هدفها العودة إلى الأصل الإلهي عبر الترقي الروحي.

أثر الكابالا على مدارس الوعي والطاقة الحديثة

الكثير من مفاهيم التنمية البشرية، مدارس الطاقة، وقوانين الجذب المنتشرة اليوم ترجع في أصولها إلى فلسفات الكابالا. حتى بعض الممارسات الروحية المنتشرة في العصر الجديد (New Age) مثل الإسقاط النجمي، العلاج بالطاقة، وتفعيل الشاكرات، كلها مستمدة بشكل أو بآخر من تعاليم الكابالا.

من المهم التنبيه إلى أن هذه الفلسفات قد دخلت إلى المجتمعات الإسلامية وغيرها عبر قنوات التنمية البشرية والطاقة، وغالباً ما يتم تقديمها بطريقة تبدو علمية أو روحية، لكنها في جوهرها تحمل مفاهيم فلسفية ودينية مخالفة للعقائد السماوية.

الكابالا والصوفية

هناك تشابه كبير بين الكابالا وبعض طرق التصوف الغالي (وليس التصوف الإسلامي المعتدل)، خاصة فيما يتعلق بفكرة الفيض الرباني، وحدة الوجود، والاتحاد مع الإله. كثير من مصطلحات التصوف الغالي مثل "الفيض الرباني"، "العارفين بالله"، وحتى بعض طقوس الحضرة، لها جذور في التصوف اليهودي الكابالي.

الخيمياء والسيمياء

الخيمياء (Alchemy) والسيمياء من العلوم الهرمسية التي تأثرت بها الكابالا، حيث كان الهدف الظاهري تحويل المعادن إلى ذهب، لكن الهدف الباطني هو تحويل الإنسان من حالة دنيوية إلى حالة إلهية. هذه الفلسفة انتقلت إلى المدارس البابلية والسومرية، ثم إلى الكابالا، وأثرت في مفاهيم الطاقة والوعي الحديثة.

الخلاصة

الكابالا ليست مجرد طائفة دينية يهودية، بل هي منظومة فلسفية وروحية معقدة أثرت في العديد من المعتقدات والممارسات الروحية حول العالم. كثير من الأفكار المنتشرة اليوم حول الطاقة، الشاكرات، الوعي، وقانون الجذب، لها جذور في تعاليم الكابالا، وليس في الهندوسية كما يظن البعض.

من المهم للباحثين والمهتمين بمجال الوعي والطاقة أن يكونوا على دراية بجذور هذه الأفكار، وأن يميزوا بين الممارسات الروحية الحقيقية والممارسات التي تحمل في طياتها أفكاراً فلسفية ودينية دخيلة قد تتعارض مع العقائد السماوية.

ملاحظة: هذا المقال يهدف إلى التوعية والفهم، وليس إلى الدعوة أو الترويج لأي معتقد أو ممارسة. المعرفة الحقيقية تبدأ بالبحث والتدقيق في مصادر الأفكار والممارسات التي نتبناها في حياتنا.

https://www.youtube.com/watch?v=OczuVcRReNA

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك