اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

الكارما: المفهوم، الجذور، والفرق بينه وبين العقيدة الإسلامية

في السنوات الأخيرة، انتشر مصطلح "الكارما" بين الشباب العربي والمسلم، وأصبح كثيرون يرددونه في أحاديثهم اليومية، بل ويدمجونه ضمن مفاهيم التنمية الذاتية

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

مقدمة

في السنوات الأخيرة، انتشر مصطلح "الكارما" بين الشباب العربي والمسلم، وأصبح كثيرون يرددونه في أحاديثهم اليومية، بل ويدمجونه ضمن مفاهيم التنمية الذاتية والطاقة. فما هي الكارما؟ وما أصلها؟ وهل لها مكان في العقيدة الإسلامية أم أن هناك خلطاً خطيراً بين المفاهيم؟

في هذا المقال، سنستعرض جذور مفهوم الكارما في الديانات الشرقية، ونوضح كيف انتقل إلى مجتمعاتنا، وما هي مخاطره الفكرية والاجتماعية، مع مقارنته بمبادئ الإسلام.

ما هي الكارما؟

الكارما كلمة سنسكريتية تعني "العمل المستمر" أو "الفعل المتكرر". في الفلسفة الهندوسية والبوذية، الكارما ليست مجرد نتيجة لفعل، بل هي قانون كوني يحدد مصير الإنسان في حياته الحالية وحياته القادمة، بناءً على أفعاله ونواياه. أي أن كل ما يفعله الإنسان من خير أو شر، سيعود عليه في حياته أو في ولادة جديدة.

الكارما وتناسخ الأرواح

من المفاهيم الأساسية المرتبطة بالكارما في الديانات الشرقية هو "تناسخ الأرواح" أو "الولادة الجديدة". فالهندوسية والبوذية (مع بعض الاختلافات) تؤمن بأن الروح لا تموت، بل تنتقل من جسد إلى آخر، وتحدد نوعية الحياة الجديدة بناءً على الكارما المتراكمة في الحياة السابقة. فمثلاً، إذا كانت كارمة الإنسان جيدة، قد يولد في طبقة اجتماعية أعلى أو في حياة مريحة، وإذا كانت سيئة، قد يولد في طبقة أدنى أو حتى في صورة حيوان أو حشرة.

أصل المفهوم: من زهرة اللوتس إلى قوانين الكون

يرتبط مفهوم الكارما في جذوره بفلسفات الشرق الأقصى، خاصة الهندوسية. وترمز زهرة اللوتس في هذه الفلسفات إلى النقاء والولادة الجديدة، وهي مرتبطة بفكرة الكارما وتناسخ الأرواح.

كما أن قوانين الكون السبعة (الهرمسية)، والتي انتقلت من الشرق إلى الغرب، أسست لفكرة أن لكل فعل نتيجة، وأن الإنسان يصنع مصيره بيده، دون تدخل من قوة إلهية عليا. هذا المفهوم انتقل لاحقاً إلى ما يسمى بحركة "العصر الجديد" التي صدّرت هذه الأفكار إلى العالم العربي والإسلامي.

الكارما والطاقة: من أين جاءت فكرة "الطاقة الإيجابية والسلبية"؟

من الكارما نشأت مفاهيم مثل "الطاقة الإيجابية" و"الطاقة السلبية". في الثقافة الهندوسية، يُعتقد أن الأفعال الجيدة تولّد طاقة إيجابية، والأفعال السيئة تولّد طاقة سلبية، وهذه الطاقات تؤثر على حياة الإنسان ومصيره. ومع انتشار هذه المفاهيم عبر التنمية البشرية و"مدربي الطاقة"، أصبحنا نسمع عبارات مثل: "لا تعطيني طاقة سلبية"، أو "خليك إيجابي"، وكأن الطاقة أصبحت عملة يتبادلها الناس!

هل الكارما موجودة في الإسلام؟

هنا يكمن الخلط الكبير. كثيرون يعتقدون أن الكارما تعني ببساطة "الجزاء من جنس العمل"، أو "كما تدين تدان"، ويستدلون بآيات مثل: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره}، أو {فمن يعمل مثقال ذرة شراً يره}.

لكن الحقيقة أن الكارما، كعقيدة، تختلف جذرياً عن مفهوم الجزاء في الإسلام:

  • في الإسلام: الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء. الإنسان يُحاسب على أفعاله في الدنيا، لكن الجزاء الحقيقي يكون في الآخرة، وهناك توبة ومغفرة ورحمة من الله.
  • في الكارما: لا وجود لمفهوم التوبة أو المغفرة، ولا حساب بعد الموت، بل هناك تناسخ للأرواح، والإنسان يُعاقب أو يُجازى في حياته الجديدة بناءً على أفعاله السابقة.

إذن، الكارما ليست جزءاً من العقيدة الإسلامية، بل هي عقيدة وثنية تتعارض مع التوحيد والإيمان بالبعث والحساب والجنة والنار.

الأثر الاجتماعي والفكري للكارما

لقد أدى انتشار مفهوم الكارما إلى عدة مشاكل اجتماعية ونفسية، منها:

  • العزلة الاجتماعية: أصبح بعض الناس يتجنبون الآخرين خوفاً من "الطاقة السلبية"، ويفضلون العزلة، مما يؤثر على العلاقات الأسرية والاجتماعية.
  • النرجسية والتكبر: يظن البعض أنهم أفضل من غيرهم بسبب "كارمتهم" الجيدة، فيتعاملون بتعالٍ مع الآخرين.
  • التقسيم الطبقي: في الهندوسية، الكارما أدت إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات (البراهما، الكشاترية، الشودر، إلخ)، وكل طبقة ترى نفسها أرقى من الأخرى.
  • اليأس من رحمة الله: الإيمان بالكارما قد يؤدي إلى الإحباط والشعور بأن الإنسان محكوم عليه بسبب أخطاء سابقة لا يمكن إصلاحها، وبالتالي يفقد الأمل في التوبة والمغفرة.
  • الانحراف العقدي: من يؤمن بالكارما كما هي في أصلها، ينكر البعث والحساب والجنة والنار، ويقع في خطر الإلحاد أو الشرك.

الكارما واليوغا والطاقة: بوابة للسحر والشعوذة؟

من خلال ممارسات مثل اليوغا، التأمل، فتح الشاكرات، وغيرها من طقوس الطاقة، يدخل الإنسان تدريجياً في مفاهيم الكارما، ويبدأ في تبني طقوس غريبة قد تصل إلى استحضار الأرواح أو التعامل مع الشياطين – دون أن يشعر بذلك في البداية. وقد روت بعض المتحدثات في النقاش تجارب شخصية مرعبة مع هذه الممارسات، وكيف أثرت على حياتهن النفسية والاجتماعية.

موقف الطب النفسي والعلم الحديث

أكد الأطباء النفسيون المشاركون في النقاش أن مفاهيم مثل "العقل الباطن" أو "الطاقة الكونية" أو "العين الثالثة" ليست سوى علوم زائفة لا أساس لها من الصحة العلمية. العلاج النفسي الحقيقي يعتمد على أسس علمية مثبتة، ولا علاقة له بهذه المفاهيم المستوردة من الفلسفات الشرقية.

كيف نحمي أنفسنا وأبناءنا من هذه المفاهيم؟

  • العودة إلى مصادر الدين الصحيحة: علينا أن نرجع إلى القرآن والسنة ونفهمهما كما فهمهما الصحابة والتابعون، دون تأويلات دخيلة.
  • الوعي بالمصادر: أي فكرة أو ممارسة تحمل أسماء غريبة (كارما، شاكرات، طاقة كونية...) يجب التحقق من أصلها قبل تبنيها.
  • الانشغال بما ينفع: الفراغ هو بوابة الانحراف، فليكن لنا أهداف واضحة في الحياة، ونسعى لتطوير أنفسنا بالعلم والعمل الصالح.
  • عدم حضور أو متابعة بثوث أو دورات تروج لهذه المفاهيم: فهي تُدخل الشكوك في العقيدة وتفتح أبواباً للفتنة.
  • التبليغ عن الممارسات المخالفة: في بعض الدول هناك جهات رسمية يمكن إبلاغها عن الدورات أو المدربين الذين يروجون لهذه الأفكار.

الخلاصة

الكارما ليست مجرد مثل شعبي أو قانون أخلاقي، بل هي عقيدة وثنية متكاملة تتعارض مع الإسلام في أصوله. انتشارها في مجتمعاتنا خطر على العقيدة، وعلى الصحة النفسية والاجتماعية للأفراد. واجبنا أن نعي جذور هذه المفاهيم، ونحصّن أنفسنا وأبناءنا بالعلم الصحيح والدين القويم، وألا ننخدع ببريق الشعارات المستوردة.

فلنعد إلى ديننا، ولنثق أن الخير والشر كله بيد الله، وأن باب التوبة مفتوح، وأن الجزاء الحقيقي في الآخرة، لا في دورة حياة أخرى ولا في طاقة غامضة.

اللهم احفظ لنا ديننا، واهدنا إلى الصراط المستقيم، وبارك لنا في علمنا وأعمالنا.

ملاحظة: هذا المقال مستند إلى نقاشات وتجارب واقعية، وآراء مختصين في الشريعة والطب النفسي. إذا كان لديك تجربة أو سؤال حول هذا الموضوع، لا تتردد في مشاركتنا في التعليقات.

https://www.youtube.com/watch?v=JWQgomFwe0Q

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك