اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

الكون في العقائد الهندوسية: رحلة عبر المفاهيم والأساطير

منذ بداية الخليقة، شغلت فكرة البحث عن إله يعبده الإنسان عقول البشر على مر العصور. لم يكن هذا البحث مقتصرًا على عقيدة دون أخرى، بل هو جزء من الفطرة الإ

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

منذ بداية الخليقة، شغلت فكرة البحث عن إله يعبده الإنسان عقول البشر على مر العصور. لم يكن هذا البحث مقتصرًا على عقيدة دون أخرى، بل هو جزء من الفطرة الإنسانية التي تدل الإنسان على وجود خالق لهذا الكون. وعلى الرغم من أن بعض الأقوام انحرفت بوصلتها وعبدت غير الله، إلا أن هذا الميل الفطري ظل حاضرًا في كل المجتمعات البشرية.

في هذا المقال، سنستعرض كيف نظر الإنسان عبر التاريخ إلى الكون، مع التركيز على العقائد الهندوسية، وكيف تطورت مفاهيم الكون والإله في هذه الديانة، وما علاقتها بممارسات التأمل والطاقة المنتشرة اليوم.

البحث عن الإله: من الفطرة إلى الانحراف

منذ القدم، بحث الإنسان عن قوة عظمى يلجأ إليها في أوقات الشدة والمرض والمصائب. اتجه بعضهم لعبادة النجوم والكواكب والمجرات، بينما صنع آخرون الأصنام أو عبدوا الشمس والقمر. ومنهم من ادعى الألوهية لنفسه. أما الموحدون، فقد ظلوا على إيمانهم بخالق واحد.

هذا الميل الفطري نحو البحث عن الإله، حتى وإن انحرف، يدل على أن فكرة الإلحاد ومفهوم الصدفة في الخلق تتعارض مع الفطرة الإنسانية السليمة. فحتى من عبدوا غير الله، كانوا يبحثون عن خالق، ولكنهم ضلوا الطريق.

الكون في العقيدة الهندوسية: من الفضاء إلى الإله

عند الحديث عن "الكون" في المفهوم الهندوسي، يظن البعض أنه مجرد الفضاء الواسع، الكواكب، والنجوم. لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير. فالهندوسية القديمة لم تكن تعني بالكون الفضاء المادي فحسب، بل اعتبرته قوة روحية وإلهًا يُعبد، له طقوسه وصلواته وقرابينه.

مصادر العقيدة الهندوسية

عند الرجوع إلى أقدم النصوص الهندوسية مثل "الفيدات" و"الأوبنشاد"، نجد أن الكون يُقدَّس ويُعتبر مصدر التشريع والحياة والقوة والرحمة والأسرار. أُطلق عليه أسماء متعددة مثل "براهمان" و"براهما"، واعتُبر هو الكل، وجوهر الأشياء، والمصدر المطلق لكل شيء.

في الفيدات، يُذكر أن براهمان هو المادة الأولى غير القابلة للتجزؤ، وهو في الوقت ذاته إرادة وعقل وحب، وجوهر كل الكائنات. يُوصف بأنه ليس ذكرًا ولا أنثى، بل هو الإله الشامل الذي لا تدركه الحواس، ولا يولد ولا يموت.

تطور مفهوم الكون في الهندوسية

مع مرور الزمن، تطورت العقيدة الهندوسية، وظهرت مدارس جديدة مثل "البراهمية"، التي رأت أن "إندرا" (إله المطر والرعد) ليس المؤهل ليكون المصدر الأعلى، فظهر مفهوم "براهمان" كمصدر أسمى للكون.

ترافق ذلك مع ظهور "الثالوث المقدس" أو "التريمورتي"، وهو اتحاد ثلاثة آلهة رئيسية: براهما (الخالق)، فشنو (الحافظ)، وشيفا (المدمر والمعيد). اعتُبر هؤلاء الثلاثة تجليات مختلفة للإله الواحد براهمان، وأصبحوا محور العبادة والطقوس الهندوسية.

التأمل والطاقة: من الفلسفة إلى الممارسة

مع ترسيخ فكرة الكون كإله، ظهرت ممارسات التأمل واليوغا كطرق للتقرب إلى هذا الإله. لم تعد اليوغا مجرد رياضة، بل أصبحت طقسًا دينيًا يهدف إلى الاتحاد مع براهمان، عبر جلسات التأمل الطويلة، وترديد "المانترا" (وأشهرها "أوم")، والتي يُعتقد أنها تفتح قنوات الطاقة وتحقق الاتحاد مع الإله.

هذه الممارسات انتقلت لاحقًا إلى بعض مدارس البوذية، مع اختلافات في الفهم، لكنها احتفظت بجوهر الفكرة: أن الكون مصدر للطاقة والحياة، وأن الإنسان يمكنه عبر التأمل أن يتصل بهذا المصدر ويحصل على القوة والمعرفة والسكينة.

وحدة الوجود وفلسفة الكارما

من المفاهيم الأساسية في الهندوسية أيضًا فكرة "وحدة الوجود"، أي أن كل شيء في الكون متصل ببعضه البعض، وأن الروح البشرية (أتمان) جزء من الروح الكونية (براهمان). بناءً على ذلك، ظهرت فلسفة الكارما وتناسخ الأرواح، حيث يُعتقد أن الروح تعود للحياة مرارًا حتى تحقق الاتحاد الكامل مع براهمان.

نقد المفهوم من منظور إسلامي

من وجهة النظر الإسلامية، يُعتبر هذا التصور للكون والاتحاد مع الإله انحرافًا عن الفطرة والتوحيد. فالمسلم يؤمن أن الله وحده هو الخالق المدبر، وأن الكون مخلوق من مخلوقات الله، وليس إلهًا يُعبد أو مصدرًا للطاقة الروحية.

كما أن ممارسات التأمل واليوغا، حين تُمارس كطقوس دينية أو وسيلة لاستمداد الطاقة من الكون، تُعد من الممارسات التي تخالف العقيدة الإسلامية. وقد انتشرت هذه الأفكار في المجتمعات الإسلامية تحت مسميات مثل "الطاقة الكونية" و"قانون الجذب" و"تحسين الكارما"، وهي في أصلها امتداد للمعتقدات الوثنية الهندوسية.

كيف تسللت هذه المفاهيم إلى المجتمعات الحديثة؟

مع انتشار التنمية البشرية وتطوير الذات، دخلت العديد من هذه المفاهيم إلى الدورات والبرامج التدريبية، مثل البرمجة اللغوية العصبية، والتوكيدات، والطاقة الكونية، وطاقة الألوان وغيرها. كثير من هذه الدورات تروج لفكرة أن الكون يستجيب لتردداتك وأفكارك، وأنك تستطيع جذب الخير أو الشر من خلال التواصل مع "المصدر" أو "الكون".

لكن عند التمحيص، نجد أن هذه الأفكار ليست سوى إعادة إنتاج للفلسفات الوثنية القديمة، وقد تم تغليفها بقوالب عصرية لجذب الناس، حتى أصبحت جزءًا من ثقافة التنمية الذاتية في بعض المجتمعات.

خلاصة ونصائح للمسلمين

  • الكون في الهندوسية ليس مجرد الفضاء أو الكواكب، بل هو إله يُعبد (براهمان) وله ثالوث مقدس (براهما، فشنو، شيفا).
  • ممارسات التأمل واليوغا في أصلها طقوس دينية تهدف للاتحاد مع الإله، وليست مجرد رياضة أو استرخاء.
  • انتقال مفاهيم الطاقة الكونية وقانون الجذب إلى المجتمعات الإسلامية هو امتداد لمعتقدات وثنية، ويجب الحذر منها.
  • العلم الحقيقي هو ما جاء به الوحي، وما وافق العقل السليم والتجربة العلمية الموثوقة.
  • على المسلم أن يحمي عقيدته من الأفكار الدخيلة، وألا ينخدع بالشعارات البراقة التي تخالف التوحيد.

رسالة ختامية

الحياة الطيبة والسعادة الحقيقية لا تأتي من الاتحاد مع الكون أو استمداد الطاقة من الكواكب والنجوم، بل من الإيمان بالله وحده، والتوكل عليه، واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم. فالله سبحانه وتعالى هو المدبر، وهو القادر على تحقيق الخير لعباده، وليس الكون المخلوق.

فلنحذر من الانجراف وراء هذه الأفكار والممارسات، ولنعلم أبناءنا ونحمي مجتمعاتنا من الوقوع في الشرك والخرافة، ولنتمسك بنعمة الإسلام والتوحيد، فهي النور الذي يهدي القلوب والعقول.

المراجع:

  • الفيدات الهندوسية (ريج فيدا، ياجور فيدا، الأوبنشاد)
  • مصادر إسلامية في التوحيد والعقيدة
  • تجارب واقعية لممارسين سابقين لعلوم الطاقة والتأمل

هل لديك تساؤلات حول هذه المفاهيم أو تجارب شخصية؟ شاركنا رأيك في التعليقات!

https://www.youtube.com/watch?v=9gTJgZkGVbU

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك