الكينونات بين الحقيقة والوهم: كشف خرافات مدارس الطاقة والتنمية البشرية
في السنوات الأخيرة، انتشرت في العالم العربي موجة من المفاهيم الغامضة والمصطلحات المستوردة، خاصة في مجالات الطاقة والتنمية البشرية، ومن أبرزها مصطلح "ا
في السنوات الأخيرة، انتشرت في العالم العربي موجة من المفاهيم الغامضة والمصطلحات المستوردة، خاصة في مجالات الطاقة والتنمية البشرية، ومن أبرزها مصطلح "الكينونات". أصبح هذا المفهوم يُسوَّق على أنه علم روحي أو وسيلة للارتقاء بالوعي، وتُقدَّم الكينونات كأرواح مرشدة أو ملائكة أو حتى طاقات كونية تساعد الإنسان على تحقيق السعادة والسلام الداخلي. لكن ما حقيقة الكينونات؟ وما مدى خطورة هذه المفاهيم على العقيدة والصحة النفسية والاجتماعية؟
في هذا المقال، سنستعرض بشكل علمي وشرعي وواقعي حقيقة الكينونات، ونكشف كيف يتم التلاعب بعقول الشباب والفتيات، ونستعرض شهادات وتجارب حية لمن وقعوا ضحية هذه الخرافات، مع تقديم نصائح عملية للحماية من هذه الموجة الفكرية الخطيرة.
ما هي الكينونات؟ وكيف يتم تسويقها؟
تُعرَّف الكينونات في مدارس الطاقة والتنمية البشرية على أنها "أرواح مرشدة"، أو "طاقات كونية"، أو "ملائكة حارسة"، أو حتى "كائنات نورانية" تتواصل مع الإنسان وتساعده في حياته. ويُروَّج لها بأنها كيانات لطيفة، كيوت، محبة، تمنح الحنان، وتُلهم الأفكار الإيجابية، وتحقق الأمنيات. بل وصل الأمر إلى أن بعض المدربين يزعمون أن بإمكانهم توزيع هذه الكينونات كجوائز للمشتركين في الدورات، أو حتى تأجيرها عبر مواقع إلكترونية متخصصة!
في المقابل، يتم تحذير المتدربين من "الكينونات الشريرة" أو "الأرواح التائهة"، ويُقال لهم إن أي مشاكل أو طاقة سلبية في حياتهم سببها هذه الكينونات، وأن الحل هو رفع مستوى الوعي أو ممارسة طقوس معينة لجذب الكينونات الطيبة.
الجذور الفلسفية والدينية لفكرة الكينونات
عند البحث عن أصل هذه المفاهيم، نجد أنها مستمدة من فلسفات شرقية بوذية وهندوسية وغنوصية، وليست لها أي أساس في العقيدة الإسلامية أو حتى في العلم التجريبي. ففي الفلسفة البوذية مثلاً، يُعتقد أن الأرواح بعد الموت تتحول إلى كينونات تتجول في الكون، وأنها تمتلك أسرار الغيب والماضي والمستقبل، ويمكن التواصل معها عبر طقوس روحية وتأملات خاصة.
أما في مدارس الطاقة الحديثة (كالريكي، والثيتا، والخيمياء)، فقد تم دمج هذه الأفكار مع مصطلحات علمية زائفة مثل "الجسد الأثيري"، و"الهالة"، و"الشاكرات"، و"قوانين الجذب"، ليبدو الأمر وكأنه علم أو طب بديل، بينما هو في الحقيقة خليط من الخرافات والشعوذة.
كيف يتم استدراج الضحايا؟
يبدأ الاستدراج غالباً من خلال دورات أو جلسات تأمل أو علاج بالطاقة، حيث يُطلب من المشاركين ممارسة تمارين معينة، أو ترديد تعاويذ (مانترا)، أو استخدام رموز وأحجار وأرقام خاصة. ثم يُقال لهم إنهم إذا شعروا بوجود كينونات أو رأوا علامات (مثل الريش، أو أرقام متكررة، أو أحلام غريبة)، فهذا دليل على أن الكينونات بدأت تتواصل معهم.
وتتكرر عبارات مثل: "لا تخبر أحداً بما تراه"، "هذه أسرار لا يفهمها إلا المستبصرون"، "مدربك فقط هو من يستطيع تفسير ما يحدث لك"، "كلما ارتفع وعيك زادت الكينونات الطيبة حولك"، "إذا شعرت بأذى فهذا انعكاس لطاقة سلبية داخلك"، وغيرها من العبارات التي تهدف إلى عزل الضحية عن محيطه، وربطه نفسياً وفكرياً بالمدرب أو المجموعة.
شهادات وتجارب واقعية: ضحايا الكينونات يروون قصصهم
في جلسة حوارية مطولة، شارك العديد من الشباب والفتيات تجاربهم مع دورات الطاقة والكينونات. إحدى المشاركات روت كيف بدأت علاقتها بزميلة في العمل كانت تخبرها بأحداث مستقبلية وتعرف عنها أشياء لم تخبر بها أحداً، حتى أصبحت مدمنة على سماع توقعاتها، ثم تطور الأمر إلى متابعة قنوات التاروت، والشعور بالخوف والقلق الدائم، ومحاولات لإقناعها باستحضار "جن مسلم" لخدمتها، حتى أدركت أنها وقعت ضحية لساحرة، فابتعدت عنها وعادت للقرآن والصلاة.
مشارك آخر حكى عن تجربته مع "الاسقاط النجمي"، وكيف تم إقناعه أن هذه التجربة ستساعده على حل مشاكله النفسية، لكنه كان يشعر برعب شديد وأحلام مزعجة وآلام جسدية، حتى عاد إلى ذكر الله والتزم بالأذكار فزالت عنه تلك الأعراض.
وتكررت القصص حول ظهور الريش في أماكن غريبة، أو سماع أصوات أو رؤية أشياء غير طبيعية، وكلها كانت تُفسَّر على أنها رسائل من الكينونات أو الملائكة، بينما هي في الحقيقة أوهام أو تلاعب من الشياطين أو حتى خداع نفسي.
حقيقة الكينونات من منظور شرعي وعلمي
من الناحية الشرعية، لا يوجد في الإسلام ما يسمى كينونات أو أرواح مرشدة تتواصل مع الإنسان أو تساعده في حياته، بل هذا من صميم الشركيات والدجل، وقد حذر النبي ﷺ من الكهانة والعرافة وادعاء علم الغيب. قال النبي ﷺ عن الكهان: "ليسوا بشيء"، وقال: "تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة".
أما من الناحية العلمية، فلا يوجد أي دليل علمي على وجود "جسد أثيري" أو "هالة طاقية" أو "كينونات" أو "طاقة كونية" كما يُروَّج في هذه الدورات. كل ما في الأمر هو استغلال لحاجة الإنسان للغيب، ورغبته في الشعور بالتميز أو السيطرة على حياته، فيتم بيعه الوهم تحت مسمى العلم أو الروحانية.
خطورة الكينونات على العقيدة والصحة النفسية والاجتماعية
- انحراف عقدي: يؤدي الإيمان بهذه المفاهيم إلى الشرك بالله، والاعتماد على غير الله في جلب النفع ودفع الضرر، وفتح باب الاستعانة بالشياطين.
- أمراض نفسية: كثير من الضحايا يعانون من القلق، الوسواس، العزلة، الاكتئاب، فقدان الثقة بالنفس، والشعور بالذنب أو الخوف الدائم.
- تفكك أسري واجتماعي: بعض المشاركين في الدورات ينعزلون عن أسرهم، أو يقطعون صلاتهم الاجتماعية، أو يتعرضون للاستغلال المالي والعاطفي.
- تدمير الصحة الجسدية: بعض الطقوس قد تؤدي إلى أضرار صحية، مثل الامتناع عن العلاج الطبي، أو ممارسة تمارين خطيرة، أو استخدام أعشاب وأحجار مجهولة المصدر.
كيف تحمي نفسك وأهلك من هذه الخرافات؟
- التمسك بالعقيدة الصحيحة: العودة إلى القرآن والسنة، وفهم التوحيد، والابتعاد عن كل ما فيه شرك أو بدعة أو استعانة بغير الله.
- التسلح بالعلم: لا تقبل أي معلومة إلا من مصادر موثوقة، ولا تنخدع بالمصطلحات العلمية المزيفة أو التجارب الشخصية غير المثبتة.
- التحصين بالأذكار: المحافظة على أذكار الصباح والمساء، وقراءة سورة البقرة، والالتزام بالصلاة والدعاء.
- الانفتاح مع الأبناء: تكلم مع أبنائك وبناتك عن هذه المفاهيم، واشرح لهم مخاطرها، وكن قريباً منهم حتى لا يبحثوا عن الأمان في أماكن مشبوهة.
- الإبلاغ عن الدجالين: إذا علمت بوجود أشخاص يروجون لهذه الأفكار في محيطك، بلغ الجهات المختصة أو حذر من حولك.
- عدم الخوف من الشياطين: الشيطان ضعيف أمام المؤمن القوي بالله، ولا يستطيع أن يضر أحداً إلا بإذن الله.
- الاستعانة بالمتخصصين: إذا كنت تعاني من أعراض نفسية أو روحية، راجع طبيباً أو شيخاً موثوقاً، ولا تلجأ إلى الدجالين أو مدربي الطاقة.
كلمة أخيرة
إن موجة الكينونات والطاقة والوعي الزائف ليست إلا موجة من موجات الغزو الفكري والعقدي الذي يستهدف المجتمعات الإسلامية، خاصة الشباب والفتيات. وهي ليست علماً ولا طباً ولا روحانية حقيقية، بل هي خليط من الخرافات والشعوذة والشرك بالله، وتؤدي في النهاية إلى تدمير الدين والنفس والأسرة والمجتمع.
فلنكن جميعاً على وعي ويقظة، ولنحذر أبناءنا وبناتنا، ولنتمسك بديننا وعقيدتنا، ونعلم أن السعادة والنجاح الحقيقي لا يأتي إلا من عند الله، وبالعمل الصالح، والاعتماد على الأسباب المشروعة، وليس عبر الأوهام والتعاويذ والطقوس الغريبة.
حفظ الله الجميع من كل شر، ووفقنا للثبات على الحق والهدى.
المصادر:
- القرآن الكريم والسنة النبوية
- تجارب واقعية من جلسات الحوار
- آراء علماء الشريعة والمتخصصين في علم النفس والاجتماع
للمزيد من المعلومات أو الدعم، يمكنك التواصل مع الجهات الشرعية أو المتخصصين في بلدك، ولا تتردد في طلب المساعدة إذا شعرت أنك أو أحد من حولك وقع في فخ هذه الخرافات.
بقلم: فريق التوعية الشرعية والاجتماعية
شارك المقال مع من تحب، فربما تنقذ به نفساً من الضياع.
https://www.youtube.com/watch?v=nzxS27ioi8c