المدرسة النورانية: الجذور، المعتقدات، وخطر الغنوصية الباطنية
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين بعض الأوساط مفاهيم وممارسات روحية غامضة تُقدَّم في ثوب "إسلامي" أو "تطوير ذاتي"، بينما هي في حقيقتها امتداد لمدارس غنوص
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين بعض الأوساط مفاهيم وممارسات روحية غامضة تُقدَّم في ثوب "إسلامي" أو "تطوير ذاتي"، بينما هي في حقيقتها امتداد لمدارس غنوصية باطنية قديمة، مثل المدرسة النورانية في التصوف. هذا المقال يستعرض نشأة المدرسة النورانية، تطورها، وأبرز معتقداتها، مع كشف أوجه التشابه المذهل بينها وبين مدارس الطاقة الشرقية والهندية، محذرًا من مخاطرها على العقيدة الإسلامية.
ما هي المدرسة النورانية؟
المدرسة النورانية هي تيار باطني نشأ داخل بعض طرق التصوف، يُقدِّم نفسه على أنه طريق للذكر والارتقاء الروحي، لكنه في الحقيقة يحمل في طياته الكثير من الانحرافات العقدية والسلوكية. نشأت هذه المدرسة في بلاد فارس، ثم انتقلت إلى فلسطين، وتأثرت بها جماعات من أهل السنة خاصة في شمال إفريقيا بعد انهيار الخلافة الإسلامية في الأندلس، ثم انتشرت لاحقًا في مناطق أخرى مثل الهند وشرق آسيا.
لماذا تُعتبر من أخطر المدارس؟
تكمن خطورة المدرسة النورانية في أمرين:
- ضرب صلب العقيدة الإسلامية: إذ تعتمد على أفكار وممارسات تخرج أحيانًا عن دائرة الإسلام، مثل الاستعانة بالجن، وتأويل النصوص الشرعية وفق الأهواء، والاعتماد على المنامات والرؤى كمصدر للتشريع.
- التغلغل في مجتمعات المسلمين: فهي ليست غريبة عن المجتمع، بل تقدم نفسها في ثوب تطوير الذات أو الذكر والروحانية، مما يجعل كثيرًا من الناس يقعون في شباكها دون وعي.
الجذور الفكرية: كيف تشكلت المدرسة النورانية؟
تأثرت المدرسة النورانية بعدة مصادر باطنية وفلسفية، منها:
- الفلسفة الهندوسية: مثل فكرة الشاكرات، التأمل، والعزلات الروحية.
- الكابالا اليهودية والتلمود البابلي: خصوصًا في علم الأرقام وحساب الجمل، حيث يُزعم زورًا أن سيدنا علي بن أبي طالب هو واضع حساب الجمل، بينما هو مأخوذ من شجرة الحياة اليهودية.
- الغنوصية القديمة: وهي فلسفة تقوم على فكرة الخلود، وخلط الحقائق الدينية بالخرافات والرموز السرية.
- المدارس الفرعونية واليونانية: مثل تقسيم الروح إلى مراتب، والاعتماد على العناصر الأربعة، وغيرها من الرموز.
أبرز معتقدات المدرسة النورانية
1. الاعتماد على المنامات والرؤى
تجعل المدرسة النورانية من الأحلام والرؤى مصدرًا للتشريع، بل وتُقدِّمها أحيانًا على النصوص الشرعية الصحيحة، فيُقال: "حدثني قلبي عن ربي"، أو "جاءني سيدي في المنام وقال لي افعل كذا".
2. تحكيم العقل على النقل
يتم ترسيخ فكرة أن العقل مقدم على النص، فيُرفض الحديث أو الآية إذا تعارض مع الرؤى أو التأويلات الباطنية.
3. الدرجات الروحية
تقسم الروح إلى خمس مراتب، مستوحاة من الفلسفات الشرقية: الروح المتلقية، النقية، المتوازنة، السامية، والحاوية (روح القطب)، وكل مرتبة لها طقوسها وأسرارها.
4. الاستعانة بالجن وخدام السور
تُقدَّم فكرة أن لكل سورة أو آية خادم من الجن، وأن هناك ملوكًا سبعة من الجن العلويين يُستعان بهم في قضاء الحوائج، وهو انحراف خطير عن التوحيد.
5. الطقوس والقرابين
تشمل الطقوس استخدام البخور، العزائم، الأوفاق، الأحجار الكريمة، وحتى تقديم القرابين (أحيانًا على شكل صدقات)، وكل ذلك بزعم التقرب إلى الله.
6. تقطيع القرآن واستعماله في السحر
يتم تقطيع الآيات ودمجها بطرق غير شرعية، واستخدامها في طلاسم وأحزاب، مما يُخرجها عن مقاصدها الشرعية.
7. تشابه مذهل مع مدارس الطاقة الشرقية
كل ما يوجد في مدارس الطاقة (الشاكرات، اليوغا، طاقة الكون، الكارما، الخلوات، الأحجار الكريمة، الخيال والتخاطر...) له مقابل في المدرسة النورانية تحت مسميات إسلامية مزيفة (المقامات، اللطائف، طاقة القرآن، الفتح القلبي...).
شجرة الأنوار وشجرة الحياة: التطابق مع الكابالا
من أخطر ما يميز المدرسة النورانية هو وجود "شجرة الأنوار"، وهي نسخة طبق الأصل من شجرة الحياة في الكابالا اليهودية. كل فرع فيها يمثل مرتبة أو ملكًا من الملائكة أو الجن، مع رموز وألوان وأرقام متطابقة مع الرموز الكابالية والهندية.
كيف يتم استدراج الناس؟
- تزيين الباطل: يُقدَّم الذكر والعبادات في صورة تطوير ذاتي أو تقرب إلى الله، بينما هي في حقيقتها طقوس سحرية أو شركية.
- تعطيل النية: تُحوَّل العبادات إلى تمائم وقربان للجن أو الشياطين، مع تغييب النية الخالصة لله.
- تقديم المجربات والمنامات: يُشرَّع للناس عبر الأحلام أو تجارب شخصية، دون أي ضابط شرعي.
الزهريين والقرابين: خرافات أم حقائق؟
انتشرت خرافة "الزهريين" (أشخاص يُزعم أن لهم صفات جسدية أو روحية خاصة)، ويُطلب منهم أو يُستغلون في طقوس فتح الكنوز أو التواصل مع الجن. هذه المعتقدات مأخوذة من السحر اليهودي والهندي، ولا أصل لها في الإسلام، بل هي باب من أبواب الشرك والبدع.
خطر مدربي الطاقة والمشعوذين الجدد
اليوم نرى من يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي يفسر القرآن أو يتحدث عن أسماء الله الحسنى أو يروج لمدارس الطاقة والتأمل باسم الإسلام، وهم في الحقيقة يخلطون بين الباطل والحق، ويستغلون جهل الناس وضعفهم الروحي.
كيف نحمي أنفسنا وأبناءنا؟
- الرجوع للكتاب والسنة بفهم السلف الصالح: لا تأخذ دينك إلا من مصادر موثوقة معروفة بالعلم والورع.
- عدم الانخداع بالمظاهر: ليس كل من تكلم باسم الدين أو لبس ثوب الصلاح هو على حق.
- الحذر من الدورات والبرامج الغامضة: خاصة التي تروج للطاقة، الشاكرات، أو الأحزاب والأوراد غير المأثورة.
- توعية الأبناء: بخطورة هذه الأفكار، وعدم الانجرار وراء كل جديد أو غريب.
خلاصة
المدرسة النورانية ليست سوى امتداد لمدارس الغنوصية الباطنية القديمة، وقد دخلت إلى المجتمعات الإسلامية عبر التصوف المنحرف، ثم أعيد إنتاجها اليوم في ثوب "تطوير الذات" أو "الطاقة الروحية". التشابه بينها وبين الفلسفات الهندية واليهودية ليس صدفة، بل هو تطابق في الأفكار والرموز والطقوس.
إن أخطر ما في الأمر هو تحويل العبادات الإسلامية إلى طقوس شركية أو سحرية، وتعطيل النية الخالصة لله، واستبدال الوحي بالمنامات والتجارب الشخصية. لذا، يجب الحذر والتمسك بالمنهج الصحيح، وعدم الانخداع بكل ما يُروَّج باسم الدين أو الروحانية.
تذكروا:
"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"
(حديث صحيح)
اللهم ثبتنا على الحق، واحفظ لنا ديننا وأبناءنا من كل فتنة وضلال.
للمزيد من التوعية حول هذه القضايا، تابعوا المصادر الموثوقة في العلم الشرعي، ولا تترددوا في طرح أسئلتكم على العلماء الربانيين.
https://www.youtube.com/watch?v=QYCfFhfHqP0