المشاعر وعلم النفس في منهج "العصر الجديد": كيف يتم اختراق الوعي الديني والاجتماعي؟
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الدورات والبرامج التي تدّعي تحسين المشاعر وتطوير الذات من خلال ما يُسمى "علم الطاقة" أو "الوعي" أو "العلاج بالمشا
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الدورات والبرامج التي تدّعي تحسين المشاعر وتطوير الذات من خلال ما يُسمى "علم الطاقة" أو "الوعي" أو "العلاج بالمشاعر". هذه الممارسات، التي تبدو للوهلة الأولى بريئة أو حتى مفيدة، تحمل في طياتها فلسفات عميقة ومفاهيم دخيلة على مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، وتستند إلى ما يُعرف بـ"العصر الجديد" (New Age) – وهو تيار فكري روحي عالمي له أهداف تتجاوز بكثير التنمية الذاتية السطحية.
في هذا المقال، سنكشف كيف يتم توظيف المشاعر وعلم النفس في مشروع العصر الجديد لاختراق العقيدة الدينية، وتفكيك القيم، وإعادة تشكيل الوعي الجمعي، مع تسليط الضوء على الأدوات والأساليب المستخدمة، وخطورة الانسياق وراءها دون وعي.
ما هو مشروع العصر الجديد؟
العصر الجديد ليس مجرد موضة أو مجموعة دورات تطوير ذاتي، بل هو منظومة فكرية وروحية عالمية، تقف وراءها منظمات وتحالفات قوية، تضم شخصيات متنفذة من مجالات الاقتصاد، الإعلام، الصحة، السياسة، والدين. يجمعهم جميعًا هدف إعادة تشكيل وعي الإنسان، ليؤمن بأن "الإنسان هو الإله"، وأن القوة الحقيقية تكمن في داخله، وليس في خالقه سبحانه وتعالى.
هذه الفلسفة ليست جديدة، بل تعود جذورها إلى آلاف السنين، وكانت حكرًا على المعابد والطقوس السرية، لكنها اليوم أصبحت تُقدّم بشكل عصري، عبر كتب، دورات، مشاهير، قنوات إعلامية، ومؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي.
لماذا التركيز على المشاعر وعلم النفس؟
وجد منظّرو العصر الجديد أن المشاعر هي البوابة الأسهل والأقوى لاختراق الإنسان من الداخل. فالمشاعر جزء طبيعي من تكوين الإنسان، وتؤثر في قراراته وسلوكياته. ولكن، بدل التعامل معها كحالات إنسانية طبيعية، تم إعادة تعريفها وتوظيفها كأداة سحرية وروحية، تُستخدم لبرمجة العقول وتفكيك العقائد.
تم استغلال جزء مظلم من علم النفس، يُسمى "علم النفس الروحي" أو "علم النفس الطاقي"، وهو علم غير معترف به أكاديميًا، ويستمد جذوره من الفلسفات الباطنية والهرموسية والغنوصية القديمة. من خلال هذا العلم، يُروّج لفكرة أن المشاعر هي التي تخلق الواقع، وأنها تبث ذبذبات في الكون تجذب الأحداث، وأن الإنسان يستطيع عبر التحكم بمشاعره أن يغيّر قدره ويحقق رغباته.
كيف يتم اختراق الوعي عبر المشاعر؟
- إعادة تعريف المشاعر:
- في الأصل، المشاعر هي حالات إنسانية طبيعية (حزن، فرح، غضب، رضا...) خلقها الله في الإنسان. لكن في العصر الجديد، تم تحويلها إلى "ذبذبات كونية" تُبث عبر "شبكة الأثير"، وتؤثر في الواقع مباشرة.
- تم تصنيف المشاعر إلى "طاقات إيجابية" و"طاقات سلبية"، وربطها بفلسفات وثنية مثل "اليين واليانج" البوذية.
- دمج المشاعر مع مفاهيم الطاقة:
- يُقال للممارسين إن المشاعر تُخزن في الجسد، وتسبب انسدادات في "مسارات الطاقة" أو "الشاكرات"، وأن التحرر منها يتطلب جلسات تنظيف طاقي، تأمل، يوغا، أو حتى رقص طقوسي.
- تُستخدم أسماء رنانة لدورات مثل: "تحرير المشاعر العالقة"، "الطب الشعوري"، "جلسات الريكي"، "التحرر العاطفي"، وغيرها.
- إلغاء مفهوم القضاء والقدر:
- عبر ترسيخ فكرة أن المشاعر تجذب الأحداث، يُدفع الإنسان تدريجيًا إلى رفض الإيمان بالقضاء والقدر، ويُقنع بأن مصيره بيده وحده، وأنه ليس بحاجة لإله خارج ذاته.
- استبدال العبادات واللجوء إلى الله بممارسات وثنية:
- في حالات الحزن أو الغضب، يُطلب من الممارس اللجوء إلى "التطهير الطاقي" بدل الدعاء أو الصلاة أو الاستغفار، مما يؤدي إلى الابتعاد التدريجي عن الدين.
- قطع العلاقات الأسرية والاجتماعية:
- يُروّج لفكرة "العدوى الذبذبية"، وأن على الإنسان الابتعاد عن أصحاب "الطاقات السلبية" (الذين غالبًا ما يكونون الأهل أو الأقرباء)، مما يؤدي إلى العزلة وقطع الأرحام.
- زرع الشعور بالذنب وتحميل المسؤولية للممارس:
- إذا لم تتحقق النتائج المرجوة من الدورات، يُقال للممارس: "أنت السبب"، "ذبذباتك منخفضة"، "لم تفتح قلبك بما فيه الكفاية"، مما يدخله في دوامة من جلد الذات والبحث المستمر عن الحلول في نفس الدائرة المغلقة.
أخطار هذه الممارسات على الفرد والمجتمع
- تفكيك الحصانة الدينية والعقلية: يتم انتزاع الإيمان بالقضاء والقدر، والاعتماد على الله، واستبداله بالاعتماد على الذات والكون.
- الاضطرابات النفسية والاجتماعية: كثير من الممارسين يدخلون في حالات اكتئاب، عزلة، اضطرابات هوية، وانفصال عن الواقع.
- إفساد العلاقات الأسرية: تشجيع الأفراد على قطع الأرحام بحجة "الحفاظ على الطاقة"، وتحميل الأهل مسؤولية كل معاناة.
- الاستغلال المالي والعاطفي: تُباع الدورات والجلسات بأسعار باهظة، ويُستغل ضعف الناس وحاجتهم للعلاج أو التغيير.
- الانفتاح على ممارسات شركية وسحرية: مثل استدعاء "الأرواح المرشدة" أو "الملاك الحارس"، وهي في حقيقتها استعانة بالشياطين.
كيف نحمي أنفسنا وأبناءنا؟
- الوعي بالمفاهيم والمصطلحات: يجب أن نكون على دراية بأن كثيرًا من المصطلحات الجديدة (الطاقة، الذبذبات، الشاكرات، التحرر الطاقي...) تحمل معاني فلسفية خطيرة.
- الرجوع للعلم التجريبي والدين: لا نقبل أي ممارسة إلا إذا كانت مبنية على علم تجريبي موثوق، أو منضبطة بضوابط الشريعة.
- تعزيز الحصانة الدينية: بالتمسك بالتوحيد، والعبادات، والأذكار، وعدم الانسياق وراء كل جديد دون تمحيص.
- التواصل الأسري والاجتماعي: الحفاظ على العلاقات الأسرية، وعدم تصديق دعاوى "الطاقة السلبية" التي تدعو لقطع الأرحام.
- الاستشارة من أهل العلم: في حال التعرض لأي مشكلة نفسية أو اجتماعية، نلجأ للمتخصصين الموثوقين، ونحذر من مدربي الطاقة والوعي غير المؤهلين.
خلاصة
إن مشروع العصر الجديد مشروع ضخم وعميق، يستهدف الوعي والعقيدة والقيم من خلال بوابة المشاعر وعلم النفس. علينا أن نكون واعين، وأن نحذر من الانسياق وراء الدعاوى البراقة التي تخفي وراءها فلسفات باطنية خطيرة. تمسكوا بدينكم، وكونوا حذرين من كل ما يمس عقيدتكم أو يزرع الشك في قلوبكم، فالحصانة الحقيقية في الإيمان الصادق والعلم الصحيح.
دمتم بخير، ونسأل الله لنا ولكم الثبات والسلامة.
https://www.youtube.com/watch?v=BvmLb4TXc2M