اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

القوانين الكونية: الجذور، الانحرافات، وخطورة المفاهيم الزائفة

في عصر تتداخل فيه الأفكار والمفاهيم، وتنتشر فيه مصطلحات مثل "قوانين الكون"، "الطاقات الكونية"، "قانون الجذب"، و"التنمية الذاتية"، أصبح من الضروري التو

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
5 دقائق

مقدمة

في عصر تتداخل فيه الأفكار والمفاهيم، وتنتشر فيه مصطلحات مثل "قوانين الكون"، "الطاقات الكونية"، "قانون الجذب"، و"التنمية الذاتية"، أصبح من الضروري التوقف والتأمل في أصل هذه المفاهيم، وفحص حقيقتها، ومدى توافقها مع ديننا وعقلنا وتجربتنا الإنسانية. في هذا المقال، سنستعرض بشكل علمي وموضوعي جذور القوانين الكونية، ونحلل أخطارها الفكرية والنفسية، ونوضح كيف تسللت إلى مجتمعاتنا تحت غطاء العلم أو التنمية الذاتية.

ما المقصود بالقوانين الكونية؟

يشير مصطلح "القوانين الكونية" أو "القوانين الهرمسية" إلى مجموعة من المبادئ الفلسفية القديمة التي يقال إنها تحكم الكون والحياة والإنسان. وتُنسب هذه القوانين غالبًا إلى شخصية أسطورية تُدعى "هرمس"، والتي يزعم البعض أنها هي نفسها النبي إدريس عليه السلام، رغم عدم وجود دليل شرعي أو تاريخي على ذلك.

تتكون هذه القوانين عادة من سبعة مبادئ رئيسية، منها: قانون العقلانية، قانون المطابقة (كما في الأعلى كذلك في الأسفل)، قانون الاهتزاز، قانون القطبية، قانون الإيقاع، قانون السبب والنتيجة، وقانون النوع الجنسي أو الجندرة. وتدّعي هذه القوانين أن كل ما يحدث في الكون يخضع لها، وأن الإنسان إذا فهمها واستطاع تطبيقها، فإنه يحقق السعادة والنجاح والثراء، بل ويصبح "سيد مصيره".

الجذور الفلسفية والدينية للقوانين الكونية

عند البحث في أصل هذه القوانين، نجد أنها مستمدة من فلسفات وثنية شرقية وغربية، مثل الهندوسية والبوذية والغنوصية، وليست من تعاليم الأنبياء أو الكتب السماوية. فمثلاً، فكرة "الوعي المطلق" أو "الكون العاقل" مأخوذة من فلسفة براهمان الهندوسية، حيث يُعتبر الكون إلهاً أو مصدراً لكل شيء، ويُعتقد أن الإنسان يمكن أن يتحد مع هذا "المطلق" ويصبح إلهاً بنفسه.

أما قانون "كما في الأعلى كذلك في الأسفل"، فهو يعكس فكرة وحدة الوجود، وهي فكرة غنوصية هندوسية، ترى أن كل شيء في الكون متطابق، وأن الإنسان يحمل في داخله نسخة مصغرة من الكون.

الانحرافات العقدية والفكرية

تكمن خطورة هذه القوانين في عدة نقاط:

  • إلغاء مفهوم القدر والمشيئة الإلهية: حيث تدّعي أن الإنسان هو من يخلق واقعه، وأن أفكاره ومشاعره هي التي تجذب الأحداث إليه، وتلغي بذلك الإيمان بالقضاء والقدر، وتحوّل الكون إلى "إله" يُطلب منه الرزق والنجاح بدلاً من الله سبحانه وتعالى.
  • تقديس الكون وإعطائه صفات الألوهية: يُصوَّر الكون على أنه يسمع ويرى ويستجيب ويعطي ويمنع، وتُقدَّم له القرابين والطقوس، ويُطلب منه مباشرة دون الله، وهذا شرك صريح يتعارض مع التوحيد.
  • الخلط بين العلم والشعوذة: تُلبَّس هذه المفاهيم بلباس العلم، وتُستخدم مصطلحات فيزيائية ونفسية لتسويقها، بينما هي في حقيقتها فلسفات روحية باطنية لا تستند إلى أي دليل علمي تجريبي.
  • ترويج العزلة والانعزالية: كثير من ممارسي هذه القوانين ينتهون إلى العزلة عن المجتمع والأسرة، ويشعرون بالفوقية على الآخرين، ويظنون أنهم يملكون "أسرار الكون" دون غيرهم.

أدوات ترويج القوانين الكونية

لم تتوقف خطورة هذه المفاهيم عند حدود التنظير، بل دخلت إلى حياتنا اليومية عبر أدوات متنوعة، منها:

  • اليوغا والتأملات الشرقية: والتي هي في أصلها طقوس دينية وثنية، تهدف إلى الاتحاد بالكون أو "الوعي المطلق"، وليست مجرد تمارين رياضية.
  • التوكيدات الإيجابية، وقانون الجذب، وقانون الوفرة: حيث يُطلب من الإنسان أن يكرر عبارات معينة أو يتخيل أهدافه حتى تتحقق، ويُقال له إن الكون سيستجيب لطاقة أفكاره.
  • مدارس الطاقة والتنمية الذاتية: والتي أصبحت سوقاً رائجاً في العالم العربي، وتُقدَّم فيها دورات باهظة الثمن، وتُمنح فيها شهادات وهمية، دون أي أساس علمي أو شرعي.
  • خلط المصطلحات الدينية بالوثنية: مثل ربط أسماء الله الحسنى بالطاقة، أو استخدام آيات قرآنية لتبرير مفاهيم وثنية.

شهادات وتجارب واقعية

كثير ممن دخلوا في هذه الدوائر شهدوا بأنهم تعرضوا لأضرار نفسية وروحية، مثل القلق، والاكتئاب، والوساوس، وحتى الهلاوس السمعية والبصرية. وقد أكد أطباء نفسيون أن ممارسات مثل التأملات الطويلة، وإفراغ العقل، قد تؤدي إلى اضطرابات عقلية خطيرة، خاصة عند الأشخاص ذوي القابلية.

كما أن كثيراً من المدربين والمعالجين السابقين في هذه المجالات، بعد أن تابوا وتركوا هذه الممارسات، أقروا بأنهم كانوا يروجون لأفكار باطلة، وأنهم خدعوا أنفسهم والناس، وأنهم كانوا يظنون أنهم يقدمون علماً أو تنمية، بينما الحقيقة أنهم كانوا يروجون لانحرافات عقدية خطيرة.

كيف نميز بين العلم الحقيقي والعلم الزائف؟

العلم الحقيقي يقوم على التجربة، والبرهان، ويخضع للنقد والتصحيح، ولا يدّعي معرفة الغيب أو التحكم في المصائر. أما العلم الزائف فيعتمد على الغموض، والمصطلحات الرنانة، والوعود الكاذبة، ولا يقدم دليلاً تجريبياً واحداً على صحة ادعاءاته.

في ديننا، نحن مأمورون بالتفكر في خلق الله، لا بعبادة الكون، ولا بإسناد صفات الألوهية إلى غير الله. كما أن العلوم التجريبية الحقيقية (كالطب، والهندسة، والفيزياء) لا تتعارض مع الدين، بل هي من نعم الله علينا.

نصائح عملية للوقاية من هذه الأفكار

  • التمسك بالعلم الشرعي الصحيح، وسؤال أهل العلم الموثوقين عند الشبهات.
  • التحري عن مصادر أي علم أو ممارسة جديدة قبل الدخول فيها.
  • الابتعاد عن الدورات والممارسات التي تخلط الدين بالفلسفات الشرقية أو الباطنية.
  • عدم الانبهار بالمصطلحات الرنانة أو الشهادات الوهمية.
  • الرجوع إلى القرآن والسنة في فهم حقيقة الكون والإنسان والحياة.
  • الانتباه إلى أن كثيراً من هذه الممارسات قد تؤدي إلى أمراض نفسية أو روحية خطيرة.

الخلاصة

القوانين الكونية ليست علماً ولا ديناً، بل هي خليط من الفلسفات الوثنية، والشعوذة، والتدليس العلمي، وقد أُلبست لباس التنمية الذاتية والعلم الحديث لتروج في مجتمعاتنا. وظيفتها الحقيقية هي إبعاد الإنسان عن التوحيد الخالص، وإدخاله في دوامة من الوهم والضياع النفسي والفكري.

ديننا الإسلامي كافٍ ووافٍ، وكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فيهما الكفاية لمن أراد السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة. فلنحذر على أنفسنا وأبنائنا من هذه الأفكار، ولنكن دعاة للحق، متسلحين بالعلم، وواعين بمداخل الانحراف.

اللهم ثبتنا على الحق، واهدنا صراطك المستقيم، واحفظ عقولنا وقلوبنا من كل ضلال وزيغ.

للمزيد من التوعية حول هذه المواضيع، تابعوا حسابات المختصين في العلم الشرعي والنفسي، ولا تترددوا في طرح أسئلتكم واستفساراتكم على أهل العلم الموثوقين.

https://www.youtube.com/watch?v=CxdNtfmaCh0

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك