اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

الرد على الشبهات حول التقوى وقانون الجذب: رؤية شرعية وتربوية

في ظل الانتشار الواسع لأفكار التنمية الذاتية و"مدارس الوعي" و"مدربي الطاقة"، ظهرت العديد من المفاهيم المغلوطة حول قضايا دينية أساسية، مثل معنى التقوى،

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

في ظل الانتشار الواسع لأفكار التنمية الذاتية و"مدارس الوعي" و"مدربي الطاقة"، ظهرت العديد من المفاهيم المغلوطة حول قضايا دينية أساسية، مثل معنى التقوى، ودور العبادات، وفكرة "قانون الجذب" وخلق الوفرة. في هذا المقال، سنعرض أبرز هذه الشبهات، ونوضح الردود العلمية والشرعية عليها، مع التركيز على أهمية الفهم الصحيح للدين، حتى لا يقع أبناؤنا وبناتنا فريسة لهذه التيارات الفكرية.

أولاً: حقيقة التقوى بين المفهوم القرآني والتحريف المعاصر

الشبهة المطروحة

يروج بعض مدربي الوعي والطاقة لفكرة أن "التقوى" لا تعني كثرة الصلاة أو الصيام، بل تقتصر فقط على حسن التعامل مع الناس، مثل الإنفاق وكظم الغيظ والعفو عن الآخرين. ويستدلون بآيات من القرآن بعد اقتطاعها من سياقها، ليصوروا أن التقوى مجرد معاملات اجتماعية، ويغفلون عمداً جانب العبادات والارتباط بالله ورسوله.

الرد الشرعي والعلمي

القرآن الكريم عندما تحدث عن التقوى، لم يحصرها في جانب واحد. بل جاء تعريفها شاملاً للإيمان بالله، وإقامة الصلاة، والإنفاق، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس، والاستغفار بعد الوقوع في الذنب، وعدم الإصرار على المعصية. يقول الله تعالى في سورة البقرة:

"الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون" (البقرة: 1-5)

هنا نجد أن التقوى تشمل:

  • الإيمان بالغيب
  • إقامة الصلاة
  • الإنفاق
  • الإيمان بالرسل والكتب
  • اليقين بالآخرة

ولا تقتصر فقط على المعاملات مع الناس.

من أخطر أساليب التضليل اقتطاع النصوص من سياقها. فمثلاً، من يستشهد بقوله تعالى:

"وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس..." (آل عمران: 133-134)

ويغفل ما قبلها وما بعدها، يتعمد إخفاء حقيقة أن التقوى في القرآن مرتبطة أولاً بالإيمان بالله واتباع الرسول، ثم تأتي بعدها المعاملات.

التقوى لا تتحقق إلا بمعرفة الله وحدوده، والالتزام بأوامره ونواهيه، كما جاء في الكتاب والسنة. من ينكر السنة أو يهمشها، أو يقتصر على "المعاملات" فقط، يبتعد عن المنهج القرآني الصحيح. فالنبي ﷺ قال:

"اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن." (رواه الترمذي)

لاحظ هنا الجمع بين حق الله (التقوى) وحق الناس (حسن الخلق).

هناك من يروج لفكرة أن "المهم أن تتعامل مع الناس بلطف، ولا داعي للعبادات"، وهذا تضليل خطير. فالدين الإسلامي دين متكامل، يجمع بين العبادات والمعاملات. لا يجوز فصل أحدهما عن الآخر، ولا اختزال التقوى في جانب واحد.

ثانياً: قانون الجذب وخلق الوفرة – رؤية نقدية

الشبهة المطروحة

يردد بعض مدربي الطاقة والوعي فكرة أن "الوفرة" طاقة خلقها الله في الكون، وأن الإنسان لا يخلق الوفرة، بل يخلق "واقعه" من خلال اختياراته واهتماماته. ويزعمون أن الإنسان يستطيع أن يعيش في وفرة من الأفكار الإيجابية أو السلبية، وأن عليه فقط أن "يختار" ما يناسبه.

التفكيك والتحليل

في البداية، يحاول هؤلاء إقناع المتلقي أن "الوفرة" أمر بيد الله، وأن الله هو الخالق، ثم يمررون فكرة أن الإنسان "يخلق واقعه"، أي أنه هو الذي يتحكم في مصيره بشكل مطلق، متجاهلين الإيمان بالقدر والتوكل على الله.

يتم التأسيس لفكرة أن "الطاقة" موجودة في الكون بشكل مسلم به، وأن على الإنسان فقط أن يتفاعل معها أو يختار منها ما يناسب "نسخته الحالية"، في إشارة إلى أفكار التناسخ والنسخ الروحية، وهي أفكار دخيلة على العقيدة الإسلامية.

هذه الفلسفات تروج لفكرة أن الإنسان هو المتحكم الوحيد في مصيره، وأنه لا حاجة للتوكل على الله أو الاستعانة به، وهو ما يتعارض مع صريح العقيدة الإسلامية التي تؤكد على الإيمان بالقدر، وأن كل شيء بيد الله سبحانه وتعالى.

ثالثاً: جذور هذه الشبهات وخطورتها

1. التشابه مع دعوات الأمم السابقة

هذه الأساليب ليست جديدة، بل هي امتداد لطرق الشيطان في إغواء البشر عبر التاريخ، كما فعل مع آدم وحواء عندما أغراهم بـ"شجرة الخلد" و"ملك لا يبلى". فدائماً ما يدخل الشيطان وأعوانه من باب "الجوع الروحي" والرغبة في السعادة والوفرة، ليصرف الناس عن أوامر الله وشرعه.

2. عداوة الرسل وتحريف الدين

كل دعوات الباطل عبر التاريخ تبدأ بتحريف الدين، أو اقتطاع النصوص، أو التشكيك في مصادر التشريع (القرآن والسنة)، ثم الترويج لدين جديد تحت مسميات براقة مثل "الطاقة" أو "الوعي" أو "قانون الجذب".

3. خطر تمييع الدين

من أخطر نتائج هذه الشبهات أنها تؤدي إلى تمييع الدين، وإنكار السنة، وتقديم دين جديد "مخفف" لا علاقة له بالإسلام الصحيح، بل يروج لأفكار دخيلة تحت غطاء ديني مزيف.

الخلاصة والتوصيات التربوية

  • التقوى في الإسلام منهج متكامل يجمع بين الإيمان، والعبادة، وحسن التعامل مع الناس.
  • العقيدة الإسلامية ترفض أي فلسفات تروج لفكرة أن الإنسان يخلق واقعه أو يتحكم في مصيره بشكل مطلق.
  • الرد على الشبهات يحتاج إلى علم شرعي راسخ، وفهم دقيق للنصوص، وعدم الانخداع بالخطاب المزخرف أو العبارات الملتوية.
  • دور الأسرة والمعلم توعية الأبناء والبنات بهذه الشبهات، وتحصينهم بالعلم الشرعي، وتدريبهم على التفكير النقدي وقراءة النصوص في سياقها الكامل.
  • الحذر من دعاة الطاقة والوعي الذين يروجون لأفكار دخيلة تحت غطاء ديني أو علمي، وضرورة الرجوع للعلماء الثقات والمصادر الموثوقة.

ختاماً، فإن حماية أبنائنا من هذه الشبهات مسؤولية مشتركة، تبدأ من الأسرة، وتستمر في المدرسة والمجتمع. ولن يتحقق ذلك إلا بالفهم الصحيح للدين، والوعي بخطورة هذه الأفكار، والتمسك بالكتاب والسنة بفهم سليم متكامل.

بقلم: فريق التحرير التعليمي

https://www.youtube.com/watch?v=dqPDb0kispc

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك