اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

السعي بين المفهوم الإسلامي والمفاهيم الحديثة: رؤية تربوية متكاملة

في عصرنا الحديث، انتشرت العديد من المفاهيم المرتبطة بالطاقة والتنمية البشرية وقوانين الجذب، وأصبح الكثيرون يتحدثون عن "قانون السعي" و"قانون الجذب" وغي

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
7 دقائق

في عصرنا الحديث، انتشرت العديد من المفاهيم المرتبطة بالطاقة والتنمية البشرية وقوانين الجذب، وأصبح الكثيرون يتحدثون عن "قانون السعي" و"قانون الجذب" وغيرها من المصطلحات التي يُروَّج لها على أنها مفاتيح النجاح والسعادة. لكن، ما هو السعي في حقيقته؟ وما الفرق بين المفهوم الإسلامي للسعي وهذه المفاهيم المستحدثة؟ وكيف يمكن للمسلم أن يحقق الفلاح والرفعة والسعادة الحقيقية من خلال السعي المشروع؟

في هذا المقال، سنسلط الضوء على مفهوم السعي كما جاء في القرآن والسنة، ونوضح الفروق الجوهرية بينه وبين ما يُروَّج له في بعض الدوائر الحديثة، مع بيان أهمية تصحيح النية وتعلق القلب بالله عز وجل.

السعي في القرآن والسنة: عبادة وسبب للفلاح

السعي في اللغة هو بذل الجهد والتحرك نحو تحقيق هدف معين، أما في الشريعة الإسلامية فهو مفهوم واسع يشمل كل حركة أو عمل يقوم به الإنسان ابتغاء مرضاة الله، سواء كان هذا العمل دنيوياً أو أخروياً.

قال الله تعالى في سورة النجم:

"وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ"

هذه الآية تؤكد أن الإنسان لا يُحاسب إلا على سعيه، وأن كل جهد يبذله سيُعرض عليه يوم القيامة، فيُجزى عليه خيراً أو شراً بحسب نيته وعمله.

كما جاء في سورة الإنسان:

"إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا"

أي أن الله يشكر لعباده سعيهم ويجازيهم عليه.

وفي الحديث النبوي الشريف:

"إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها"

(رواه أحمد وغيره).

هذا الحديث يحث على العمل والسعي حتى في أحلك الظروف، ويغرس في النفس قيمة المبادرة وعدم التواكل.

الفرق بين السعي والتواكل

من الأخطاء الشائعة أن يظن البعض أن التوكل على الله يعني ترك العمل أو الاكتفاء بالدعاء دون بذل الأسباب. الإسلام يوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل القلبي على الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي:

"اعقلها وتوكل"

أي اربط الناقة وخذ بالأسباب، ثم توكل على الله.

السعي المطلوب هو أن يبذل الإنسان جهده فيما يقدر عليه، ويعلق قلبه بالله، ويدعوه، ويستشير، ويستخير، ثم يرضى بما يقضي الله له، سواء تحقق مراده أم لم يتحقق.

قانون الجذب وقانون السعي: رؤية نقدية

انتشرت في السنوات الأخيرة مفاهيم مثل "قانون الجذب" الذي يقوم على فكرة أن الإنسان يجذب إليه ما يريده بمجرد التفكير فيه وإرسال رسائل للكون، دون الحاجة للسعي أو بذل الجهد الحقيقي. وقد تم تطوير هذه الفكرة إلى ما يسمى "قانون السعي"، حيث يُطلب من الإنسان أن يطلق النية ويتحرك، مع الاعتقاد الجازم بأن ما يسعى إليه سيتحقق حتماً.

هذه المفاهيم تحمل في طياتها مغالطات شرعية وعقلية، منها:

  • إلغاء دور القضاء والقدر:

فليس كل ما يسعى إليه الإنسان يتحقق بالضرورة، بل الأمر كله بيد الله، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

  • تعظيم الذات والاعتماد على النفس:

حيث يُغرس في النفس أن الإنسان هو من يصنع قدره ويحقق كل ما يريد، متجاهلين أن التوفيق بيد الله وحده.

  • تفسير النصوص الشرعية خارج سياقها:

كثيراً ما يُستشهد بآيات وأحاديث لتأييد هذه المفاهيم، مع إخراجها عن معناها الحقيقي، مثل تفسير قوله تعالى:

"وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"

على أن كل سعي في الدنيا سيؤتي ثماره حتماً في الدنيا، بينما تفسيرها الصحيح أنها تتعلق بجزاء الإنسان على عمله يوم القيامة.

السعي والدعاء: علاقة تكاملية

الدعاء في الإسلام نوع من أنواع السعي، بل هو من أعظم الأسباب التي يتقرب بها العبد إلى الله. لكن استجابة الدعاء ليست مرتبطة بتحقق المطلوب دائماً في الدنيا، فقد يُستجاب الدعاء كما طلب العبد، وقد يُدخر له في الآخرة، أو يُصرف عنه من السوء مثلها.

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها"

(رواه أحمد).

السعي في الدنيا والآخرة: التوازن المنشود

الإسلام لا يطلب من الإنسان أن يعيش للدنيا فقط، ولا أن يهملها تماماً لأجل الآخرة، بل يأمره أن يسعى في دنياه بما يرضي الله، ويجعل نيته خالصة لله في كل عمل، حتى في طلب الرزق أو الزواج أو التعلم.

قال تعالى:

"وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا"

(القصص: 77)

وكلما صحَّت النية، ووافق العملُ السنة، كان السعي مشكوراً عند الله، وارتفع قدر الإنسان في الدنيا والآخرة.

كيف يكون السعي مشكوراً؟

  • تصحيح النية:

أن يكون العمل خالصاً لله، لا رياء فيه ولا سمعة.

  • اتباع السنة:

أن يكون العمل موافقاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، بعيداً عن البدع والمخالفات.

  • بذل الجهد المشروع:

أن يسعى الإنسان بما يستطيع، دون تقصير أو تواكل.

  • الرضا بقضاء الله:

أن يرضى الإنسان بنتيجة سعيه، سواء تحققت أمانيه أم لم تتحقق، ويوقن أن الخير فيما اختاره الله له.

  • عدم الانشغال بالدنيا فقط:

بل يحرص على أن يكون له نصيب من العمل للآخرة، ولا يجعل الدنيا أكبر همه.

خلاصة تربوية

السعي في المفهوم الإسلامي عبادة عظيمة، وسبب للفلاح في الدنيا والآخرة، لكن بشرط أن يكون خالصاً لله، موافقاً للشرع، متوازناً بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله، مع الرضا بقضائه وقدره.

أما المفاهيم الحديثة التي تروج للاعتماد المطلق على الذات أو على "الكون" أو على مجرد التفكير الإيجابي دون بذل الأسباب، فهي مفاهيم قاصرة، قد تضر العقيدة وتغرس في النفس الأوهام.

فلنعد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولنزن الأمور بميزان الشرع، ولنجعل سعينا في الدنيا والآخرة مشكوراً عند الله، حتى نكون من الفائزين.

اللهم اجعل سعينا مشكوراً، وعملنا مقبولاً، واهدنا لما تحب وترضى، ولا تجعلنا من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

https://www.youtube.com/watch?v=Ew_zhvHbq4A

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك