اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

الشاكرات: بين الحقيقة العلمية والخرافة الروحية

في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم "الشاكرات" و"الطاقة الكونية" و"الهالة" بشكل واسع في المجتمعات العربية، خاصة من خلال دورات التنمية البشرية والعلاج با

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
7 دقائق

مقدمة

في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم "الشاكرات" و"الطاقة الكونية" و"الهالة" بشكل واسع في المجتمعات العربية، خاصة من خلال دورات التنمية البشرية والعلاج بالطاقة. كثيرون يروجون لفكرة أن هناك مراكز طاقة (شاكرا) في جسد الإنسان، وأن تفعيلها أو تنظيفها يؤدي إلى الشفاء النفسي والجسدي، وزيادة السعادة والنجاح. لكن، ما مدى صحة هذه الادعاءات؟ وهل للشاكرات أصل علمي أو ديني؟ وما علاقتها بالديانات الشرقية والطقوس الباطنية؟ هذا المقال يستعرض الموضوع بشكل علمي وموضوعي، مستندًا إلى آراء مختصين وتجارب واقعية.

ما هي الشاكرات؟ وأين نشأت الفكرة؟

الشاكرات كلمة سنسكريتية تعني "العجلة" أو "الدوران"، ويُعتقد في الفلسفات الهندوسية والبوذية أنها مراكز طاقة غير مرئية موزعة على طول العمود الفقري للإنسان، ولكل شاكرا لون، وذبذبة، وخصائص مرتبطة بجوانب حياتية ونفسية وجسدية. تختلف المدارس الشرقية في عدد الشاكرات: فالهندوسية تذكر سبع شاكرات أساسية، بينما البوذية تتحدث عن خمسة، والطاوية عن ثلاث، وبعض المدارس الحديثة تدعي وجود أكثر من مئة شاكرا!

هذه المفاهيم ليست جزءًا من الطب الصيني التقليدي (الذي يركز على مسارات الطاقة "المريديان")، ولا توجد في الثقافات اليابانية أو في الطب الغربي. أما في الفلسفات الغربية الباطنية، فقد تم دمج الشاكرات مع رموز الكابالا اليهودية وعلوم الطاقة الحديثة، خاصة مع حركة "العصر الجديد" (New Age).

كيف انتشرت الشاكرات في العالم العربي؟

دخلت مفاهيم الشاكرات إلى العالم الإسلامي والعربي عبر دورات الريكي، البرانا، التنمية البشرية، وتقنيات التأمل واليوغا. تم ربط الشاكرات بالغدد الصماء، وبصفات نفسية وروحية، بل وتم "أسلمتها" أحيانًا بربطها بأسماء الله الحسنى أو بآيات من القرآن الكريم، في محاولة لإضفاء شرعية دينية عليها.

ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل لأي شخص أن يقدم نفسه كـ"معالج بالطاقة" أو "مدرب وعي"، ويجذب آلاف المتابعين بمفاهيم لا أساس لها من الصحة، مستخدمًا مصطلحات براقة وألوان جذابة ورسومات مستوحاة من الفلسفات الشرقية.

هل توجد الشاكرات فعلاً في جسم الإنسان؟

من الناحية العلمية والتشريحية، لا يوجد أي دليل على وجود مراكز طاقة أو شاكرات في جسم الإنسان. لم يتم رصدها في أي فحص طبي أو تشريح للجسم البشري، ولا توجد أجهزة طبية معترف بها قادرة على قياسها أو تصويرها. كل ما يقال عن "تنظيف الشاكرات" أو "انسدادها" أو "تفعيلها" هو مجرد افتراضات فلسفية لا تستند إلى أي أساس تجريبي.

حتى الأجهزة التي يُروّج لها على أنها تصور الهالة أو الشاكرات (مثل جهاز كيرليان)، تبيّن علميًا أنها ترصد فقط تفريغًا كهربائيًا من سطح الجلد، وهو مرتبط برطوبة الجسم أو جفافه، وليس بطاقة روحية أو شاكرات.

الشاكرات والديانات الشرقية: طقوس ومعتقدات

من المهم معرفة أن الشاكرات ليست مجرد فكرة "طبية" أو "تنموية"، بل هي جزء من منظومة دينية وثنية قديمة. في الهندوسية والبوذية، لكل شاكرا إله أو إلهة، ولكل منها طقوس وألوان وتعاويذ وترانيم (مانترا) خاصة. بعض المدارس تفرض طقوسًا يومية من التأمل، التحديق في صور الآلهة، إشعال البخور، ارتداء ألوان معينة، وترديد عبارات خاصة، بهدف "فتح" الشاكرات أو "تنشيطها".

وقد حذر بعض الرهبان البوذيين أنفسهم من نشر هذه الطقوس بين عامة الناس، مؤكدين أنها أسرار باطنية خطيرة، وأنها قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية وروحية، بل وتفتح الباب لممارسات السحر الأسود والتلبس الروحي.

الشاكرات في مدارس الطاقة الحديثة: تدليس وتغيير للمفاهيم

مع انتشار حركة العصر الجديد، تم تجميل مفاهيم الشاكرات وتقديمها في قوالب عصرية، وربطها بالأبراج والألوان والأحجار الكريمة والأطعمة، بل وحتى بالنجاح المالي والعلاقات العاطفية! تم استبدال أسماء الآلهة الهندوسية بصفات إيجابية، أو أسماء ملائكة، أو حتى أسماء الله الحسنى، في محاولة لإقناع المتلقين من خلفيات دينية مختلفة.

لكن الحقيقة أن أصل الشاكرات وثني، وأن كل مدرسة تضع عددًا مختلفًا من الشاكرات، وتربطها بمعتقدات متناقضة، ما يؤكد أنها ليست حقيقة علمية أو روحية مطلقة، بل مجرد فلسفات بشرية متغيرة.

هل هناك أثر نفسي أو جسدي لممارسات الشاكرات؟

كثير من المروجين للعلاج بالشاكرات يزعمون أن تنظيفها أو تفعيلها يؤدي إلى الشفاء من الأمراض، أو تحقيق السعادة، أو النجاح المالي. لكن في الواقع، لا يوجد أي دليل علمي على ذلك. التأثير الوحيد الذي قد يشعر به البعض هو تأثير نفسي ناتج عن الإيحاء الذاتي أو التكرار أو التأمل، وهو تأثير مؤقت وغير موضوعي.

بل إن بعض الممارسات المرتبطة بالشاكرات قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية خطيرة، مثل حالات التلبس أو الهوس أو الاكتئاب، خاصة عندما يتم ربط المشاكل الصحية أو النفسية بانسداد الشاكرات، ما يدفع البعض إلى إهمال العلاج الطبي الحقيقي.

الشاكرات والدين الإسلامي: تحذير من الشرك والشعوذة

من منظور إسلامي، الشاكرات ليست جزءًا من العقيدة أو الشريعة، ولم يرد ذكرها في القرآن الكريم أو السنة النبوية. بل إن ربطها بالغيب، أو نسب خصائص روحية أو شفائية لها، أو ممارسة طقوس مستمدة من ديانات وثنية، يدخل في باب الشرك بالله أو التشبه بالكفار أو الشعوذة، وهو أمر محرم شرعًا.

وقد حذر العلماء من خطورة إدخال هذه المفاهيم إلى الدين، أو ربطها بالآيات القرآنية أو أسماء الله الحسنى، لأن ذلك يؤدي إلى خلط الحق بالباطل، وإفساد العقيدة، وفتح الباب للشيطان ليضل الناس عن التوحيد الخالص.

كيف نحمي أنفسنا من الوقوع في خرافات الشاكرات والطاقة؟

  • العلم أساس الحماية: لا تقبل أي فكرة أو ممارسة إلا بعد التأكد من مصدرها العلمي والديني. ابحث بلغات مختلفة، واستعن بالمختصين، ولا تكتفِ بما يقال في الدورات أو وسائل التواصل.
  • العودة للأصول: تمسك بتعاليم الإسلام الواضحة، وابتعد عن كل ما يخالفها أو يخلطها بعقائد وثنية أو شعوذة.
  • احذر من التدليس: لا تنخدع بالمصطلحات البراقة أو الرسومات الملونة أو القصص المؤثرة. كثير من المدربين يغيرون الأسماء أو يخلطون الحق بالباطل لجذب المتابعين أو لتحقيق مكاسب مادية.
  • لا تبحث عن حلول سحرية: الشفاء والسعادة والنجاح لا تأتي من طقوس غامضة أو ألوان أو أحجار، بل من الأخذ بالأسباب المشروعة، والدعاء، والرضا بقضاء الله.
  • استشر المختصين: في حال وجود مشكلة صحية أو نفسية، راجع الأطباء أو المختصين المعتمدين، ولا تلجأ لممارسي الطاقة أو الشعوذة.

خلاصة

الشاكرات ليست حقيقة علمية ولا قاعدة دينية، بل هي فلسفة باطنية وثنية تم تجميلها وترويجها في العصر الحديث تحت مسميات التنمية البشرية والعلاج بالطاقة. لا يوجد لها أي أساس في التشريح أو الطب أو الدين الإسلامي. الإيمان بها أو ممارستها قد يؤدي إلى الانحراف العقائدي، وضياع الوقت والمال، وربما الوقوع في الشرك أو الشعوذة.

احمِ نفسك وأسرتك بالعلم الصحيح، وتمسك بتوحيد الله، ولا تتبع كل جديد بلا تمحيص. فالحياة السعيدة والطمأنينة الحقيقية لا تأتي إلا من الإيمان والعمل الصالح والرضا بقضاء الله.

مصادر موثوقة للبحث والتأكد

  • كتب الطب والتشريح المعتمدة.
  • فتاوى العلماء والمجامع الفقهية.
  • مقالات علمية منشورة في مجلات محكمة.
  • مواقع رسمية للجامعات والمراكز الطبية.

وأخيرًا:

"وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها" (الأعراف: 28).

فلنحذر من تبرير الخرافات باسم الدين أو العلم، ولنجعل من عقولنا وقلوبنا حصنًا ضد كل دخيل.

https://www.youtube.com/watch?v=5o-O0OAaNAo

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك