🔵 الأستاذ / أبو فيصل : شيوخ الظلام
بقلم: الأستاذ أبو فيصل قناة: سحر اليوغا والطاقة في السنوات الأخيرة، ظهرت على الساحة العربية موجة جديدة من الدعاة والمدربين الذين يقدمون أنفسهم كمرشد
شيوخ الظلام: قراءة نقدية في ظاهرة تسويق الدين والطاقة
بقلم: الأستاذ أبو فيصلقناة: سحر اليوغا والطاقة
مقدمة
في السنوات الأخيرة، ظهرت على الساحة العربية موجة جديدة من الدعاة والمدربين الذين يقدمون أنفسهم كمرشدين روحيين أو خبراء في التنمية البشرية والطاقة، مستخدمين في ذلك أساليب جذابة ووسائل حديثة، وأحيانًا يدمجون بين الدين وبعض المفاهيم المستوردة من علوم الطاقة والتنمية البشرية. هذه الظاهرة تستحق التوقف والتأمل، لما لها من تأثير كبير على الشباب والأسر والمجتمع ككل.
تغيرات في الساحة الدينية والإعلامية
من الملاحظ أن هناك تغيرًا كبيرًا في طريقة تقديم الدين للناس، فلم يعد الأمر مقتصرًا على العلماء المعروفين أو المشايخ التقليديين، بل ظهر جيل جديد من الشباب والشابات، بعضهم يرتدي زيًا شرعيًا أو يتحدث بلغة فصيحة، ويقدم محتوى دينيًا عبر منصات التواصل الاجتماعي بأسلوب عصري وجذاب.
هذه الفئة الجديدة تستغل مظهرها وكاريزماها، وتستخدم كتبًا معروفة مثل كتب ابن القيم الجوزية أو ابن تيمية، وتقرأ منها للمشاهدين، ثم تبدأ تدريجيًا في إدخال مفاهيم جديدة أو غريبة، غالبًا ما تكون مستوردة من مدارس التنمية البشرية أو الطاقة الروحية.
مدرسة التنمية البشرية الروحية
لعل من أخطر ما ظهر مؤخرًا هو ما يسمى بـ"التنمية البشرية الروحية"، وهي مدرسة تجمع بين بعض المفاهيم الدينية وبين تقنيات الطاقة والتنمية البشرية، وتقدم نفسها كحل عصري يناسب الشباب ويواكب تطورات العصر.
يقود هذه المدرسة أشخاص يظهرون الالتزام الديني، وبعضهم من طلبة العلم أو مدربي التنمية البشرية، ويستغلون شهرتهم وحضورهم الإعلامي لجذب المتابعين، مقدمين الدين على شكل كورسات ودورات تدريبية مدفوعة، وليس كمنهج حياة متكامل.
خطورة تسويق الدين كمنتج
من الملاحظ أن هؤلاء الدعاة الجدد يسوّقون الدين وكأنه منتج أو خدمة، فيقدمون دورات مثل "درب اليقين"، "النفس المطمئنة"، "الفردوس الأعلى"، وغيرها من المسميات الرنانة التي تجذب الناس، خاصة من يعانون من مشاكل نفسية أو يبحثون عن حلول سريعة لمشكلاتهم.
هذا الأسلوب التجاري في تقديم الدين يحمل مخاطر كبيرة، منها:
- تمييع العقيدة: إذ يتم إدخال مفاهيم دخيلة مثل قانون الجذب، الاستحقاق، الترددات، الشاكرات، وغيرها من مصطلحات الطاقة، ويتم ربطها بالدين دون سند شرعي صحيح.
- استغلال حاجة الناس: حيث يتم استغلال رغبة الناس في الفرج أو الرزق أو الشفاء، ويُطلب منهم دفع مبالغ مالية مقابل الحصول على "اليقين" أو "السكينة".
- تقديم الدين كحلول سريعة: بينما الأصل أن الدين عبادة وعلاقة بين العبد وربه، وليس مجرد وصفة لحل المشكلات اليومية.
معايير التمييز بين الحق والباطل
من المبادئ الأساسية التي يجب أن نغرسها في أنفسنا وأبنائنا:الحق لا يُعرف بالرجال، بل الرجال يُعرفون بالحق. أي أن المعيار في قبول أي فكرة أو منهج ليس شهرة الشخص أو مظهره أو أسلوبه الجذاب، بل مدى موافقة ما يقوله للقرآن والسنة الصحيحة وإجماع العلماء المعتبرين.
يجب علينا أن نقارن الأفكار المطروحة بالحق، لا أن نقيم الحق بناءً على الأشخاص. فكم من شخص له مظهر ديني أو كاريزما عالية، لكنه يروج لأفكار باطلة أو بدع خطيرة.
أساليب التأثير والإقناع
يعتمد الكثير من هؤلاء الدعاة والمدربين على:
- الكاريزما الشخصية: الصوت الهادئ، الحضور القوي، لغة الجسد المؤثرة.
- اللعب على المشاعر: استثارة العواطف الدينية، استغلال الإحباطات والأمنيات.
- الخلط بين الحق والباطل: يبدأون بكلام صحيح وجميل، ثم يدرجون مفاهيم غريبة أو بدعية بشكل تدريجي.
- استخدام المصطلحات العلمية الزائفة: مثل "الدراسات أثبتت"، أو "العلم الحديث يقول"، دون وجود سند علمي حقيقي.
أمثلة على الانحرافات المنتشرة
- قانون الجذب والاستحقاق: يتم تسويقه على أنه جزء من الإسلام، رغم أنه من مفاهيم الطاقة وليس له أصل شرعي.
- الرقم والكود والاسم: ربط الحروف والأرقام بكودات سرية وأسماء، وهي من الخرافات المنتشرة بين مدربي الطاقة.
- الخيال والتأمل: دعوة الناس لإغماض أعينهم والتخيل، وهي من أساليب الإيحاء الصوفي والطاقي، وليست من منهج الإسلام.
- تحليل الشخصية عبر الصوت أو التوقيع أو الكف: وهي علوم زائفة لا أساس لها من الصحة، ويستغلها بعض الدجالين للنصب على الناس.
نصائح عملية للوقاية من هذه الظواهر
- الرجوع للعلماء المعتبرين: لا تأخذ دينك إلا من العلماء المعروفين بالعلم والتقوى، ويمكن التواصل مع هيئات كبار العلماء عبر وسائل التواصل الرسمية.
- عدم الانخداع بالمظاهر: لا تجعل مظهر الشخص أو أسلوبه الجذاب معيارًا للحقيقة.
- تحكيم العقل والشرع: قارن كل فكرة تُعرض عليك بالقرآن والسنة والعقل السليم وإجماع العلماء.
- الحذر من الدورات المدفوعة والمجموعات المشبوهة: لا تشارك في أي مجموعة أو دورة دينية إلا بعد التأكد من مصدرها ومنهجها.
- عدم ترديد الأذكار أو الأوراد المبتدعة: التزم بما ورد في السنة النبوية، وابتعد عن الأعداد الغريبة أو الذكر الجماعي الدائري أو غيرها من البدع.
- عدم تصديق الخرافات العلمية: مثل تحليل الشخصية عبر الصوت أو التوقيع أو الكف.
خاتمة
إن ديننا الإسلامي دين كامل وصالح لكل زمان ومكان، وقد أكمل الله لنا التشريع وجعل لنا منهجًا واضحًا في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. فلا حاجة لنا في خلط الدين بمفاهيم دخيلة أو طرق مبتدعة. علينا أن نتمسك بالحق، ونحذر من شيوخ الظلام الذين يبيعون الدين في صورة كورسات أو حلول سحرية.
وأخيرًا، تذكروا أن صلاحكم وصلاح أبنائكم ودنياكم وآخرتكم لن يكون إلا بالتمسك بكتاب الله وسنة نبيه كما هي، من غير تحريف أو تعطيل أو تأويل باطل.
حفظكم الله وبارك فيكم.