مبادئ وقيم حركة العصر الجديد: نظرة تحليلية

بقلم: جولدين إيقل (أبو خالد) من قناة سحر اليوغا والطاقة

مقدمة

تُعد حركة العصر الجديد (New Age) من أبرز الحركات الفكرية المعاصرة التي أثارت جدلاً واسعاً حول العالم، خاصة في المجتمعات الإسلامية والعربية. تعتمد هذه الحركة على مجموعة من المبادئ والمعتقدات التي تمثل امتداداً للتيارات الباطنية القديمة، لكنها في الوقت نفسه تقدم نفسها في قوالب جديدة تتناسب مع كل دين وثقافة وزمان ومكان.

في هذا المقال، سنستعرض أهم مبادئ وقيم حركة العصر الجديد، ونحلل مصادرها، وكيفية انتشارها، وأثرها على المجتمعات.

ما هي حركة العصر الجديد؟

حركة العصر الجديد هي تيار فكري وروحاني حديث، يركز على فكرة أن الإنسان قادر على الوصول إلى الكمال المطلق أو ما يسمى بـ"الألوهية" أو "الاستنارة" من خلال طقوس وتدريبات وممارسات معينة. تختلف هذه الحركة عن التيارات الباطنية القديمة في جرأتها على طرح فكرة "تأليه الإنسان"، أي أن الإنسان يمكن أن يصبح إلهاً أو يحقق مرتبة الألوهية.

المبادئ الأساسية لحركة العصر الجديد

1.وحدة الوجود

تؤمن حركة العصر الجديد بعقيدة وحدة الوجود، وهي فكرة مأخوذة من الديانات الشرقية مثل الطاوية، البراهمية، والبوذية. تعني هذه العقيدة أن كل شيء في الكون هو واحد، وأن الإله هو كل شيء، وكل شيء هو الإله. لا يوجد في هذا الفكر خالق ومخلوق منفصلان، بل الجميع مظاهر وتجليات لذلك الكلي أو الطاقة الكونية.

2.تأليه الإنسان

تدعو الحركة إلى أن الإنسان يمكن أن يصل إلى مرتبة الألوهية أو الكمال المطلق من خلال مجاهدات وممارسات روحية وذهنية معينة. ويُنظر إلى الإنسان على أنه "موجد" أو "خالق" لواقعه، قادر على التحكم بمستقبله وصحته وسعادته فقط بقوة عقله الباطن.

3.تناسخ الأرواح (الكارما)

تؤمن الحركة بمفهوم تناسخ الأرواح، أي أن الروح تنتقل بعد الموت من جسد إلى آخر، وقد تكون في كائن أعلى أو أدنى بحسب أعمال الإنسان في حياته السابقة. هذا المفهوم مأخوذ من الديانات الهندية والشرقية، ويُستخدم لتبرير الحظوظ والصفات الشخصية والمصير في الحياة الحالية.

4.خلق الواقع الذاتي

تروج الحركة لفكرة أن الإنسان يخلق واقعه الخاص وقيمه ومعتقداته، ويحقق مراده من خلال حالات الوعي المغايرة التي يدخل فيها عبر التأمل أو الممارسات الروحية.

5.وحدة الأديان

من المبادئ الأساسية أيضاً الاعتقاد بأن جوهر جميع الأديان واحد، وأنها جميعاً تستقي من "دين الحكمة" أو "الحقيقة الإلهية" التي عرفها الأنبياء والحكماء فقط. وتدعو الحركة إلى تجاوز الأديان التقليدية لصالح "الحكمة العالمية".

6.العقائد الهرمسية

تستند الحركة في بعض برامجها إلى العقائد الهرمسية، وهي فلسفات قديمة تمزج بين الفلسفة اليونانية والشرقية وبعض تعاليم الأديان، وتدعي أن الإنسان يمكنه الوصول إلى المعرفة الحقيقية والخلاص عن طريق الحدس أو "الغنوص".

7.تعظيم الذات الإنسانية

تُعظم الحركة الذات الإنسانية وتعتبر الإنسان خالقاً لمحيطه، لا يحتاج لأي شيء خارج نفسه. وتروج لفكرة أن الإنسان وُلد بشرارة إلهية يجب عليه اكتشافها وتنميتها ليحقق الاتحاد مع الكل.

مصادر الحركة وأصولها

ترتكز حركة العصر الجديد على خليط من المعتقدات الدينية والفلسفية القديمة، خاصة من الديانات الشرقية مثل الهندوسية، البوذية، الطاوية، وبعض الفلسفات اليونانية القديمة. كما تستقي من الأفكار الباطنية والهرمسية التي انتشرت في الشرق والغرب عبر التاريخ.

كيف تنتشر هذه المبادئ؟

تعتمد الحركة على برامج ودورات تدريبية متنوعة، يتم تصميمها بما يتناسب مع كل دين وثقافة. وتُقدم هذه البرامج في قوالب روحية أو علمية أو حتى اجتماعية، وتستخدم مصطلحات مألوفة للمجتمع المستهدف، مثل "الطاقة"، "الوعي"، "التأمل"، وغيرها. وغالباً ما تظهر الحركة توافقها الظاهري مع الأديان، لكنها تفسر المصطلحات الدينية بمعانٍ باطنية مختلفة.

مخاطر وتأثيرات حركة العصر الجديد

• تشويه المفاهيم الدينية:من أخطر ما تروج له الحركة هو تغيير معاني المصطلحات الدينية، مثل الألوهية والتوحيد، لتتوافق مع معتقداتها.
• انتشار الإلحاد والشك:تفتح الحركة الباب أمام الإلحاد وإنكار وجود الله، خاصة مع فكرة أن الإنسان هو الخالق لمصيره.
• تسلل الأفكار الباطنية:تتسلل هذه الأفكار إلى المجتمعات من خلال برامج التنمية الذاتية والعلاج بالطاقة، وتنتشر بين فئات مختلفة من الناس، حتى المتدينين.
• ترويج الخرافات:مثل الاعتقاد بتأثير النجوم والكواكب، أو أن صفات الإنسان وحظه مرتبطة بحيواته السابقة.

لماذا تنتشر هذه الحركة بسرعة؟

تقدم الحركة نفسها كطريق للخلاص والسعادة والصحة الدائمة، وتعد الإنسان بقدرات خارقة وتحقيق كل ما يريده من الكون. كما أنها تتكيف مع كل ثقافة ودين، وتستخدم أساليب جذابة ومرنة تناسب العصر الحديث.

خاتمة

حركة العصر الجديد ليست مجرد مجموعة من الممارسات الروحية أو برامج التنمية الذاتية، بل هي منظومة فكرية باطنية عميقة، تستند إلى فلسفات ومعتقدات قديمة، وتقدم نفسها في قوالب حديثة وجذابة. من المهم الوعي بخطورة هذه الحركة، وفهم أصولها ومبادئها، وعدم الانخداع بالمظاهر البراقة التي تروج لها.

في المقال القادم، سنتناول طرق انتشار هذا الفكر وأبرز برامجه التطبيقية.

للمزيد من الشروحات والنقاشات حول حركة العصر الجديد، تابعوا قناة سحر اليوغا والطاقة.