اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

التحذير من فلسفات العصر الجديد: فهم "وحدة الوجود" وخطرها على العقيدة

في السنوات الأخيرة، شهدنا انتشارًا واسعًا لمعتقدات وفلسفات دخيلة على مجتمعاتنا الإسلامية، تحمل في ظاهرها شعارات السلام والوعي والتطوير الذاتي، لكنها ف

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

في السنوات الأخيرة، شهدنا انتشارًا واسعًا لمعتقدات وفلسفات دخيلة على مجتمعاتنا الإسلامية، تحمل في ظاهرها شعارات السلام والوعي والتطوير الذاتي، لكنها في جوهرها تحمل أفكارًا خطيرة تهدد عقيدتنا وهويتنا الدينية. من بين أخطر هذه المعتقدات ما يُعرف بـ"وحدة الوجود" والتي تروج لها حركات العصر الجديد (New Age Movement) ودورات الطاقة مثل "الأكسس بارز" وغيرها.

في هذا المقال، سنسلط الضوء على هذه المعتقدات، جذورها، طرق تسللها إلى مجتمعاتنا، وأخطارها على الفرد والمجتمع، مع الاستشهاد بآراء العلماء وتحليل بعض العبارات الشائعة في هذه الدورات.

بداية القصة: البحث عن السلام والراحة

كثير من الناس، خاصة في ظل ضغوط الحياة المعاصرة، يبحثون عن السلام الداخلي والراحة النفسية. قد يجد البعض أنفسهم في حالة من القلق أو الاكتئاب، فيلجؤون إلى دورات تطوير الذات أو جلسات الطاقة، دون وعي بخلفياتها الفكرية والعقدية.

تبدأ القصة عادةً بمتابعة "مدرب" أو "معلم روحاني" على وسائل التواصل الاجتماعي، يَعِدُ المتابعين بالراحة، التخلص من المخاوف، وتحقيق السعادة والنجاح من خلال تقنيات التأمل أو تكرار عبارات معينة أو جلسات لمس الرأس (الأكسس بارز). لكن سرعان ما يُطلب من المتلقي الإيمان بمفاهيم غريبة مثل "أنت كائن مطلق"، أو "أنت غير محدود"، أو حتى "أنت إله"! وهنا تكمن الخطورة.

ما هي "وحدة الوجود"؟

عقيدة وحدة الوجود هي فكرة فلسفية قديمة، ظهرت في بعض الديانات الشرقية مثل الهندوسية والطاوية، وتسللت لاحقًا إلى بعض الفرق الصوفية المنحرفة. تقوم هذه العقيدة على أن الخالق والمخلوق شيء واحد، وأن الله – تعالى عن ذلك – حالٌّ في كل شيء، بل قد يصل الأمر إلى أن الإنسان نفسه هو الله أو جزء منه.

هذه الفكرة تتناقض تمامًا مع العقيدة الإسلامية التي تفرّق بوضوح بين الخالق والمخلوق، وتؤكد أن الله سبحانه وتعالى بائن عن خلقه، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.

كيف تتسلل هذه الأفكار إلى مجتمعاتنا؟

مدربو الطاقة في العالم العربي غالبًا لا يستطيعون نشر هذه الأفكار بشكل صريح كما هو الحال في الغرب، لذلك يلجؤون إلى خلطها بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو أسماء الله الحسنى، ويضيفون إليها بعض المفاهيم الشرقية مثل التأمل واليوغا والشاكرات. فيظهر الأمر وكأنه علم أو تطوير ذاتي، بينما هو في الحقيقة ترويج لعقائد باطنية خطيرة.

على سبيل المثال، قد تسمع في دورات الأكسس بارز عبارات مثل "أنا كائن مطلق"، "أنا غير محدود"، "أنا متصل بالمصدر"، "أنا أخلق قدري"، وغيرها من العبارات التي تُهيئ العقل تدريجيًا لتقبل فكرة الألوهية الذاتية.

تحليل بعض العبارات الشائعة في دورات الطاقة

  • "أنا متصلة بالمصدر": يُقصد بها في الظاهر الاتصال بالله، لكن في حقيقة الفلسفات الشرقية، "المصدر" هو الطاقة الكونية أو الإله الأنثى، وليس الله الذي نعبده في الإسلام.
  • "أنا متجددة": مأخوذة من مفهوم "شاكرة الجذر" في الهندوسية، والتي ترتبط بالأرض وتُعتبر إلهًا في تلك العقائد.
  • "أنا غير محدودة": تهدف إلى إقناع المتلقي بأنه لا يجب أن تحده القيم أو الموروثات الدينية، بل عليه أن يتحرر من كل قيد ليصل إلى "الوعي الأعلى".
  • "أنا إله" أو "أنا جزء من الله": هذه ذروة الكفر في عقيدة وحدة الوجود، حيث يُساوى المخلوق بالخالق، ويُنسب للإنسان القدرة على التحكم في الكون وخلق الواقع.

لماذا هي عقيدة خطيرة؟

  • تناقض مع التوحيد: الإسلام يؤكد أن الله وحده الخالق المدبر، وأن الإنسان عبد ضعيف محتاج إلى ربه. أما وحدة الوجود فتجعل الإنسان إلهًا أو جزءًا من الإله.
  • إلغاء مفهوم العبادة والتكليف: إذا كان الإنسان إلهًا أو جزءًا من الإله، فلا معنى للعبادة أو الطاعة أو الالتزام بالشريعة.
  • فتح باب الإلحاد: هذه العقيدة تقود في النهاية إلى الإلحاد، لأن كل شيء يصبح نسبيًا، ولا يوجد صواب أو خطأ مطلق، ولا حاجة لإله خارج عن الكون.
  • تدمير الهوية الدينية: من يتبنى هذه الأفكار قد يبقى اسمه مسلمًا، لكن معتقداته وسلوكياته لا علاقة لها بالإسلام.

كيف انتشرت هذه الأفكار؟

انتشرت هذه الأفكار في الغرب أولاً، خاصة بعد ظهور الإلحاد وابتعاد الناس عن الكنيسة، فبحثوا عن بدائل روحية في الديانات الشرقية. ثم انتقلت هذه المعتقدات إلى العالم العربي عبر مدربي التنمية البشرية والطاقة، الذين يروجون لها أحيانًا بغير علم أو بدافع الشهرة والمال.

للأسف، بعض المدربات العربيات أصبحن يروجّن لهذه الأفكار علنًا، حتى أن إحداهن كتبت بعد جلسة تأمل: "أنا إلهة، أنا جزء من الله، لا فرق بيني وبين الله"! وهذا هو عين الكفر والشرك.

استشهادات باطلة

كثير من مدربي الطاقة ينسبون عبارات مثل: "وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر" إلى الإمام علي رضي الله عنه، بينما هي في الحقيقة منسوبة إلى محيي الدين بن عربي، صاحب عقيدة وحدة الوجود، والذي قال في أشعاره ما معناه أن العابد هو المعبود، وأن كل شيء في الكون صورة من صور الله – تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

مظاهر أخرى لهذه العقيدة

  • الحديث عن الشاكرات والطاقة الكونية: هذه كلها مفاهيم مستمدة من الهندوسية والطاوية، وتقوم على فكرة أن الإنسان يستطيع عبر التأمل والطقوس الخاصة أن يتحد مع "الكل" أو "المطلق".
  • ادعاء التواصل مع الكينونات أو الملائكة: كثير من المدربين يروجون لفكرة أن بإمكانهم التواصل مع كائنات روحية أو ملائكة بطرق سحرية، وهذا في الحقيقة استحضار للجن والشياطين.
  • تكرار عبارات مثل: "أنا أسمح للخير أن يأتي"، "أنا أخلق واقعي"، "أنا أتحكم في قدري": كلها تصب في فكرة تأليه الذات.

خطورة هذه الدورات على الصحة النفسية والجسدية

بعض المدربين يزعمون أن جلسات الطاقة أو الأكسس بارز تعالج الأمراض النفسية والجسدية، ويطلبون من الناس ترك العلاج الطبي أو حتى الأدوية، مما يعرض حياة الناس للخطر، كما حدث مع شخصيات مشهورة مثل ستيف جوبز الذي توفي بعد اعتماده على هذه الممارسات وتركه للعلاج الطبي.

التحذير الشرعي

العقيدة الإسلامية واضحة في التفريق بين الخالق والمخلوق. قال تعالى: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" (الشورى: 11). وقال أيضًا: "وجعل له من عباده جزءًا إن الإنسان لكفور مبين" (الزخرف: 15).

كل من يروج لعقيدة وحدة الوجود أو يدعو الناس إلى تأليه الذات أو الاتحاد مع الكون، فهو ينشر الكفر والشرك، ويعرض نفسه وأتباعه لسخط الله وعقابه.

نصيحة أخيرة

أختي وأخي القارئ، لا تنخدعوا ببريق العبارات المعسولة أو وعود السلام والراحة السريعة. ديننا غني بالسكينة والطمأنينة الحقيقية، وكل ما تحتاجه هو الرجوع إلى الله، الثقة به، واتباع تعاليم نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.

احذروا من دورات الطاقة والممارسات الروحانية المستوردة، وافحصوا كل فكرة أو ممارسة قبل أن تتبعوها. تذكروا أن الحرية المطلقة لا يملكها إلا الله، وأن الإنسان عبد ضعيف محتاج إلى ربه في كل حين.

اللهم احفظنا وأولادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، واهدنا إلى صراطك المستقيم.

مصادر لمزيد من البحث

  • كتب العقيدة الإسلامية في الرد على وحدة الوجود
  • فتاوى العلماء في التحذير من دورات الطاقة واليوغا والتأمل
  • مقالات عن حركات العصر الجديد وخطرها على المجتمعات المسلمة

ختامًا:

العصر الجديد ليس مجرد موضة أو تسلية، بل هو تيار فكري خطير يهدد العقيدة والدين. فلنكن على وعي، ولنحذر من هذه الأفكار، ولنحافظ على إيماننا وهويتنا الإسلامية.

https://www.youtube.com/watch?v=RAb25hzMN3w

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك