التحذير من علوم الطاقة البديلة: تجارب واقعية ونصائح نفسية
في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع مفاهيم “علوم الطاقة” و”العلاج بالطاقة” في العالم العربي، حتى باتت تجذب الكثيرين من الباحثين عن الشفاء النفسي والج
في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع مفاهيم “علوم الطاقة” و”العلاج بالطاقة” في العالم العربي، حتى باتت تجذب الكثيرين من الباحثين عن الشفاء النفسي والجسدي أو التطوير الذاتي. لكن خلف هذه الدورات والممارسات، هناك تجارب واقعية وقصص مؤلمة عاشها أشخاص دخلوا هذا المجال، ليكتشفوا لاحقًا آثاره السلبية على الصحة النفسية والجسدية، ويبدؤوا رحلة التعافي والبحث عن الحقيقة.
في هذا المقال، سنعرض أبرز النقاط التي ناقشها مجموعة من المختصين والأشخاص الذين مروا بتجربة علوم الطاقة، مع استعراض آراء الأطباء النفسيين، ونصائح عملية لكل من يواجه اضطرابًا أو يبحث عن طريق التعافي.
التخيل والوسواس: متى يكون الأمر طبيعيًا ومتى يستدعي القلق؟
التخيل عملية معرفية طبيعية، يستخدمها الإنسان في حياته اليومية، مثل تخيل مقابلة عمل أو موقف مهم. هذا النوع من التخيل يساعد في الاستعداد النفسي والتخطيط. لكن متى يصبح التخيل غير صحي؟
- عندما يتحول إلى تخيلات قهرية: أي أن الصور الذهنية تفرض نفسها على الشخص دون إرادته.
- عندما تكون التخيلات غير واقعية أو مزعجة جدًا.
- عندما يصبح من الصعب التمييز بين الواقع والخيال.
إذا ظهرت هذه العلامات، فهذا مؤشر على وجود اضطراب نفسي يحتاج إلى تقييم مختص، فقد يكون مرتبطًا بوسواس قهري أو اضطرابات أخرى.
تجارب واقعية: من علوم الطاقة إلى المعاناة النفسية
تروي إحدى المشاركات تجربتها مع علوم الطاقة، حيث دخلت هذا المجال بدافع تطوير الذات، وطبقت تمارين متنوعة وقرأت كتبًا كثيرة، لكنها لاحظت مع مرور الوقت تدهور حالتها النفسية والجسدية. عانت من أعراض غريبة كالرعشة، آلام المفاصل، الصداع، رؤية خيالات وأضواء، واضطرابات في النوم، حتى فقدت قدرتها على ممارسة حياتها الاجتماعية والمهنية.
رغم محاولاتها للعلاج بالرقية الشرعية وزيارة الشيوخ، لم تجد تحسنًا، بل ازدادت الأعراض سوءًا. وعندما لجأت للطبيب النفسي، لم يتمكن من فهم حالتها بشكل كافٍ، ووصف لها علاجًا لم يناسبها.
هذا السيناريو تكرر مع كثيرين دخلوا مجال الطاقة، ليجدوا أنفسهم في دوامة من القلق، الوسواس، والخوف من الأمراض أو حتى من عالم الجن والشياطين.
لماذا يلجأ الناس للطاقة؟ وما خطورة ذلك؟
غالبًا ما يدخل الأشخاص عالم الطاقة بحثًا عن الشفاء، أو هربًا من فراغ داخلي، أو رغبة في تحقيق مكانة اجتماعية أو شعور بالأهمية. فبعضهم يجد في ممارسة أو تدريب الطاقة مصدرًا للعلاقات، أو دورًا قياديًا، أو مسؤولية يشعر من خلالها بقيمته.
لكن الخطورة تكمن في أن هذه العلوم ليست مبنية على أسس علمية أو شرعية واضحة، وغالبًا ما تخلط بين مفاهيم دينية، علمية، وأساطير، مما يؤدي إلى تضليل الناس، وزيادة معاناتهم النفسية، بل أحيانًا استغلالهم ماديًا.
الطرح العلمي والنفسي: متى نحتاج إلى الطبيب النفسي؟
أكد الأطباء النفسيون المشاركون في الحوار أن معظم الأعراض التي يصفها من مروا بتجربة الطاقة – مثل القلق، الوسواس، الخوف، الأفكار القهرية، وحتى بعض الأعراض الجسدية – يمكن تفسيرها نفسيًا، وغالبًا ما تستجيب للعلاج النفسي السلوكي أو الدوائي عند الحاجة.
كما شددوا على أن تشخيص الاضطرابات النفسية، مثل اضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب الحاد، لا يتم في دقائق أو جلسة واحدة، بل يحتاج إلى تقييم شامل ومتكرر. وأشاروا إلى أن كثيرًا من حالات الاكتئاب والقلق والوسواس قابلة للشفاء الذاتي أو التحسن الكبير مع العلاج المناسب.
نصائح عملية للتعافي
- لا تتردد في طلب المساعدة النفسية: اللجوء للطبيب النفسي أو الأخصائي ليس عيبًا ولا دليل ضعف، بل هو خطوة شجاعة نحو التعافي.
- لا تخلط بين العلاج الديني والعلمي: الرقية الشرعية والأذكار مهمة، لكنها لا تغني عن العلاج النفسي عند الحاجة.
- تجنب البحث عن تفسيرات غيبية لكل عرض: ليس كل ما يحدث لك سببه “سحر” أو “مس”، فالأعراض النفسية لها أسباب علمية معروفة.
- ابتعد عن دورات الطاقة والممارسات غير المثبتة علميًا: كثير من هذه الدورات تعتمد على الإيحاء، وتسبب اضطرابات نفسية أو جسدية.
- ركز على بناء هويتك وشغفك في مجالات نافعة: إذا كنت تجد في الطاقة أو التنمية الذاتية مصدرًا لهويتك، ابحث عن بدائل شرعية وعلمية، مثل التطوع، الدراسة، أو العمل في مجالات تخدم المجتمع.
- لا تعظم من شأن الشيطان أو الجن: اليقين بالله والتحصين الشرعي كافيان للحماية، ولا داعي للخوف المبالغ فيه.
- التعامل مع الوساوس والأفكار القهرية: لا تسترسل معها، ولا تحاول تحليلها باستمرار، بل تجاهلها واشغل نفسك بأنشطة مفيدة.
الرد على دعاوى “العلاج بالطاقة”
خلال الحوار، شاركت إحدى المدافعات عن “العلاج بالطاقة” لتؤكد أن هناك حالات شُفيت من أمراض عضوية ونفسية خلال أيام، وأن الطاقة نوعان: إيجابية وسلبية. لكن الأطباء والمختصين ردوا بأن هذه الادعاءات تفتقر لأي دليل علمي أو شرعي، وأن كثيرًا من هذه “الشفاءات” إما حالات عابرة أو نتيجة للإيحاء أو التلاعب بالمشاعر، وأنه لو كانت هذه العلاجات فعالة حقًا لما بقيت المستشفيات والأطباء.
كما أكدوا أن “علوم الطاقة” ليست علماً حقيقياً، بل هي خليط من المعتقدات الشرقية، الفلسفات الباطنية، وبعض المفاهيم الدينية المحرفة، وغالبًا ما تستغل حاجات الناس وضعفهم.
ظاهرة فقدان الهوية بعد ترك الطاقة
من التحديات النفسية التي يواجهها من يتركون مجال الطاقة، خاصة المدربين أو الممارسين القدامى، هو فقدان الشعور بالهوية أو الشغف، والشعور بالفراغ أو الاكتئاب. إذ كان هذا المجال يوفر لهم دورًا اجتماعيًا، شبكة علاقات، وإحساسًا بالأهمية.
النصيحة هنا أن يعيد الشخص بناء هويته من خلال مجالات أخرى نافعة وشرعية، مثل العلم، العمل الخيري، أو حتى تعلم علم النفس الإسلامي، كما أشار أحد الأطباء إلى وجود برامج تدريبية تجمع بين العلاج النفسي والمنهج الشرعي.
خلاصة: كيف تحمي نفسك وأسرتك؟
- كن ناقدًا لكل ما تسمع أو تقرأ عن الطاقة والتنمية الذاتية.
- لا تتردد في استشارة مختص نفسي عند ظهور أعراض غريبة أو مزعجة.
- احرص على التحصين الشرعي والذكر، لكن لا تهمل العلاج العلمي.
- علم أبناءك التمييز بين العلوم الحقيقية والخرافات.
- ابحث عن مصادر موثوقة في الطب النفسي والديني.
إن رحلة التعافي من آثار علوم الطاقة ليست سهلة، لكنها ممكنة مع الصبر، وطلب المساعدة، والثقة بالله، والابتعاد عن كل ما هو مشبوه أو غير مثبت علميًا وشرعيًا. تذكر أن الصحة النفسية مثل الجرح الجسدي، قد تلتئم من تلقاء نفسها أو تحتاج إلى تدخل مختص، فلا تتردد في اتخاذ القرار الصحيح لحياتك ومستقبلك.
للمزيد من الدعم والمعلومات
توجد عيادات إلكترونية ومجموعات دعم متخصصة لمساعدة من مروا بتجارب مشابهة. لا تتردد في التواصل مع المختصين، وشارك تجربتك لتكون عونًا لغيرك.
المصدر: تجميع وتحليل حوارات واقعية مع مختصين وأشخاص مروا بتجربة علوم الطاقة البديلة.
https://www.youtube.com/watch?v=23rMv0nFyEA