التحذير من علوم الطاقة والممارسات الروحانية الحديثة: رؤية شاملة وتوجيهات تربوية
في السنوات الأخيرة، انتشرت موجة من المفاهيم والممارسات الروحانية المستوردة إلى مجتمعاتنا العربية والإسلامية، مثل اليوغا، التأمل، علوم الطاقة، الإسقاط
في السنوات الأخيرة، انتشرت موجة من المفاهيم والممارسات الروحانية المستوردة إلى مجتمعاتنا العربية والإسلامية، مثل اليوغا، التأمل، علوم الطاقة، الإسقاط النجمي، وغيرها من التقنيات التي يُروَّج لها تحت شعارات الصحة النفسية، التطوير الذاتي، أو حتى الشفاء الروحي والجسدي. كثير من هذه الممارسات تحمل في طياتها مفاهيم دخيلة، وتخالف العقيدة الإسلامية الصحيحة، بل وتفتح أبوابًا خطيرة على الفرد والأسرة والمجتمع.
في هذا المقال، نستعرض أبرز الأفكار التي نوقشت في حوار طويل بين مجموعة من المتخصصين والمهتمين، مع التركيز على خطورة هذه الممارسات، وطرق الوقاية منها، ودور الأسرة في حماية الأبناء، بالإضافة إلى تصحيح بعض المفاهيم المنتشرة حول الطب البديل، الأعشاب، والتنفس الطاقي.
أولاً: كيف تتسلل هذه المفاهيم إلى المجتمع؟
يلاحظ أن هناك جهات ومنظمات عالمية تدعم نشر هذه الممارسات، ليس فقط لدوافع تجارية، بل أحيانًا لأهداف أيديولوجية أو سياسية. يتم استقطاب الشباب والفتيات، خاصة من الطبقات الثرية أو المؤثرة، عبر دورات في اليوغا والتأمل، وأحيانًا تُقام هذه الجلسات في أماكن فاخرة وبعيدًا عن أعين العامة. قد يصل الأمر إلى تقديم قرابين أو ممارسة طقوس غريبة مأخوذة من الديانات الشرقية أو الباطنية، وكل ذلك يُغلف بغلاف الصحة والرفاهية أو حتى "الطاقة الإيجابية".
المشكلة الأكبر أن بعض هذه الممارسات يتم ربطها بالدين، فيتم الترويج لما يسمى "طاقة القرآن" أو "طاقة الذكر"، ويُستغل جهل البعض بالعلوم الشرعية لتمرير مفاهيم باطنية أو صوفية مغالية.
ثانياً: خطورة علوم الطاقة والروحانيات على العقيدة
من أخطر ما في هذه الممارسات أنها تروج لفكرة وحدة الوجود، أو أن الإنسان جزء من "الشرارة الإلهية"، وهي فكرة باطنية تتعارض مع التوحيد الخالص الذي جاءت به الشريعة الإسلامية. كما يتم تحريف مفاهيم علمية مثل الفيزياء والطب، ومحاولة ربطها بالغيب أو الروح بطرق غير علمية، مما يؤدي إلى نشر الخرافة باسم العلم.
كذلك، فإن بعض الدعاة لهذه العلوم يدّعون القدرة على الشفاء من الأمراض الجسدية والنفسية، بل وحتى حل المشكلات الأسرية والاجتماعية، فيستغلون نقطة ضعف الإنسان وحاجته للعلاج، ويقدمون له حلولاً زائفة قد تبعده عن العلاج الصحيح أو عن الرقية الشرعية الثابتة.
ثالثاً: كيف يتم التمهيد لقبول هذه الأفكار؟
غالبًا ما تبدأ عملية التسلل الفكري بخطوات تدريجية، منها:
- استبدال السنة النبوية: يتم الترويج لأذكار أو رُقى أو تمارين لم ترد في السنة، بحجة أنها "أسرع" أو "أقوى"، فيبتعد الناس عن الهدي النبوي دون أن يشعروا.
- تقديم البديل المغري: يُقال للناس "خذوا القرآن، لكن ليس عبر السنة"، أو "الطب البديل أفضل من الطب النبوي"، وهكذا.
- اللعب على العاطفة الدينية: استغلال حب الناس للدين، فيُقدَّم لهم الطرح الطاقي أو الصوفي في ثوب إسلامي.
- تغييب مصادر العلم الشرعي: لم يعد كثير من الناس يسألون عن المصدر أو الدليل، بل يكتفون بما يُتداول في وسائل التواصل أو من المؤثرين.
رابعاً: مخاطر الممارسات الطاقية والتنفس الطاقي
من الملاحظ أن تمارين التنفس الطاقي أو التأمل العميق قد تؤدي إلى أعراض جسدية ونفسية خطيرة، مثل:
- الهلوسة وفقدان الوعي المؤقت.
- تشنجات عضلية أو حتى أعراض تشبه الصرع.
- اضطرابات في ضربات القلب أو ضغط الدم.
- الدخول في حالات نفسية وهمية أو إحساس بالخروج من الجسد (الإسقاط النجمي)، وهو باب خطير قد يؤدي إلى المس أو الوساوس الشيطانية.
وقد ثبت علميًا أن بعض هذه التمارين، خاصة إذا مورست دون إشراف طبي أو بطرق خاطئة، قد تضر الدماغ والجهاز العصبي، وتسبب اختلالات في توازن الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الدم.
خامساً: مسؤولية الأسرة في حماية الأبناء
مع انتشار هذه الأفكار عبر الإنترنت، والألعاب الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، بات من الصعب منع الأبناء تمامًا من التعرض لها. لكن يمكن اتخاذ عدة إجراءات وقائية:
- التحصين بالقرآن والسنة: تعليم الأبناء أذكار الصباح والمساء، ودعاء دخول المنزل والخروج، وقراءة آية الكرسي قبل استخدام الأجهزة الإلكترونية.
- المراقبة الواعية: عدم الاكتفاء بالمنع، بل بناء جسر ثقة مع الأبناء، والحوار معهم حول ما يرونه ويسمعونه.
- الاحتواء بدل العقاب: إذا اكتشف الأهل انحرافًا أو خطأ عند الأبناء، فالأولى معالجته بالحوار والاحتواء، وليس بالعقاب أو الصدام.
- تعزيز الهوية الدينية والثقافية: غرس الاعتزاز بالدين والثقافة العربية، وربط الأبناء بمصادر العلم الشرعي الموثوقة.
سادساً: تصحيح المفاهيم حول الطب البديل والأعشاب
ليس كل ما يُسمى "طب نبوي" أو "علاج طبيعي" هو صحيح شرعًا أو علميًا. كثير من الأعشاب أو الطرق المنتشرة على وسائل التواصل ليس لها أصل في السنة، وبعضها مأخوذ من الصوفية أو الديانات الشرقية. ينبغي التفريق بين التجربة الشخصية، وما هو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما هو مثبت علميًا. ولا يجوز القول عن أي علاج "قال الله وقال الرسول" دون دليل.
سابعاً: أهمية العودة للمصادر الشرعية والعلمية
في زمن كثرت فيه الشبهات، وتعددت مصادر المعلومات، يجب على المسلم أن يتحرى المصدر، ولا يأخذ دينه أو صحته من غير أهل الاختصاص. العودة إلى العلماء، وكتب العقيدة، والتثبت من كل ما يُتداول، هو الضمان الحقيقي للسلامة في الدين والدنيا.
خلاصة وتوصيات
- احذروا من كل ما يُروج له باسم الطاقة أو الروحانية أو الشفاء الذاتي دون دليل شرعي أو علمي.
- لا تستبدلوا السنة النبوية بأي ممارسة دخيلة، مهما زُينت لكم.
- علموا أبناءكم أذكارهم، وحصنوهم بالقرآن، وكونوا قريبين منهم بالحوار والاحتواء.
- لا تتبعوا أي علاج أو ممارسة إلا بعد التأكد من مصدرها الشرعي والعلمي.
- عودوا إلى العلماء وكتب السلف في كل ما يخص العقيدة والسلوك.
- احذروا من الانجراف خلف المؤثرين أو الدعاة الجدد الذين يروجون للخرافة باسم الدين أو العلم.
وأخيرًا، تذكروا أن التمسك بالتوحيد الخالص، والاعتصام بالقرآن والسنة، هو الحصن الحصين ضد كل شبهات العصر وأفكاره الدخيلة.
بقلم: فريق منتدى نور الحقيقة
للمزيد من الحوارات والنقاشات التوعوية، تابعونا على قنواتنا في التليجرام واليوتيوب.
https://www.youtube.com/watch?v=FqV-PhwQdHw