التحذير من ممارسات الطاقة والترويج للفلسفات الوافدة: قراءة نقدية في ضوء الشريعة والعلم
في السنوات الأخيرة، انتشرت في مجتمعاتنا العربية والإسلامية العديد من الممارسات والفلسفات التي تُعرف باسم "العلاج بالطاقة" أو "مدارس الوعي" وغيرها من ا
مقدمة
في السنوات الأخيرة، انتشرت في مجتمعاتنا العربية والإسلامية العديد من الممارسات والفلسفات التي تُعرف باسم "العلاج بالطاقة" أو "مدارس الوعي" وغيرها من المفاهيم المستوردة من ثقافات غير إسلامية. ورغم أن بعض الممارسين يروجون لها على أنها طرق حديثة للتنمية الذاتية أو الشفاء الروحي، إلا أن هذه الممارسات تحمل في طياتها مخاطر كبيرة على العقيدة والدين، بل وتتناقض مع أسس العلم التجريبي والمنهج الشرعي.
في هذا المقال، نستعرض أبرز الأفكار والمخاطر المرتبطة بهذه الممارسات، ونوضح كيف يمكن للمسلم أن يتعامل معها بعقلانية ووعي، مستندين إلى الكتاب والسنة وفهم العلماء الربانيين.
خلفية قانونية ودينية
بداية، يجدر التنويه إلى أن العديد من الدول الإسلامية، ومنها المملكة العربية السعودية، قد أصدرت قرارات واضحة وصريحة بتجريم ومنع التدريب أو العلاج بالطاقة، انطلاقًا من حرصها على حماية المجتمع من الأفكار الدخيلة والممارسات الوثنية التي لا تمت للدين أو العلم بصلة.
ويؤكد كثير من الممارسين السابقين لهذه التقنيات، بعد توبتهم وعودتهم للحق، على أهمية التوعية بخطورة هذه الفلسفات، حيث أنها لا تتفق مع أصول الدين الإسلامي ولا مع المنهج العلمي الرصين، بل تتعارض مع القيم والمبادئ والأخلاق والتربية الإسلامية.
منهجية النقد والتحذير
من خلال سلسلة "جحر العقرب"، يتم عرض أبرز ما ينشره مدربو الطاقة والوعي عبر حساباتهم أو حسابات متابعيهم، وتحليل هذه المواد من قبل مختصين في العلم الشرعي وممارسين سابقين، بهدف كشف الأخطاء والشبهات وتوضيحها للناس بالحجة والدليل.
الهدف ليس التشهير بالأشخاص أو الإساءة لهم، بل بناء معرفة شرعية وعلمية لدى الأفراد لمواجهة هذه الشبهات، وتمكينهم من الرد عليها في أنفسهم وأبنائهم ومجتمعهم. فالمعركة هنا فكرية، والرد يكون بالحجة والبرهان من الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح.
أخطر الأفكار المتداولة في مدارس الطاقة والوعي
1. مفهوم "النفخة" ووحدة الوجود
من أخطر ما يروج له بعض مدربي الطاقة، هو تفسير قول الله تعالى: "ونفخت فيه من روحي" على أن في الإنسان جزءًا من الله أو أن الإنسان إله صغير! وهذا انحراف خطير عن العقيدة الإسلامية، ويقود إلى مفاهيم وحدة الوجود والحلول، وهي عقائد باطنية فاسدة أشد خطورة من عقيدة المشركين الأوائل.
العقيدة الإسلامية واضحة: الإنسان مخلوق من طين، ونفخة الروح تعني إعطاء الحياة بأمر الله، وليس أن في الإنسان جزءًا من ذات الله أو أنه إله صغير. هذا الفهم الوثني دخيل على الإسلام، ويجب الحذر منه.
2. الرزق بلا أسباب
يروج بعضهم لفكرة أن من "ترقى روحياً" ينال الرزق بلا أسباب، ويستشهدون بآيات مثل: "ويرزقه من حيث لا يحتسب". لكن الفهم الصحيح للآية أن الله يرزق العبد من حيث لا يتوقع، وليس بلا أسباب مطلقًا. فالرزق في الإسلام مرتبط بالأخذ بالأسباب، مع الإيمان بأن الله هو الرزاق.
3. تقسيم الناس إلى "متحررين روحياً" و"عباد تقليديين"
يطرح بعض مدربي الطاقة فكرة أن هناك صنفًا من الناس يعبد الله بطريقة تقليدية مادية، وصنفًا آخر "متحرر روحياً" يعرف القوانين الربانية الخاصة به، ويصل إلى درجات أعلى من القرب الإلهي! وهذا تقسيم باطل، فيه تسفيه لعبادة الصالحين والأنبياء، وكأن العبادة الصحيحة لا تكفي للوصول إلى الله، بل لا بد من أسرار خاصة لا يعلمها إلا هؤلاء المدربون!
4. إنكار اليوم الآخر والجنة والنار
تتسلل إلى هذه الفلسفات أفكار مثل الكارما وتناسخ الأرواح، وإنكار اليوم الآخر أو التقليل من شأنه، وهو ما يخالف صريح العقيدة الإسلامية. فالإيمان باليوم الآخر والجنة والنار من أركان الإيمان، ولا يجوز التشكيك فيها أو استبدالها بمفاهيم وثنية.
5. تسويق الدورات والكورسات على أنها طريق الخواص
يتم تسويق هذه الدورات على أنها طريق "الخواص" فقط، وأن من لم يدخلها فهو من العوام، ويُستفز الناس نفسيًا ليشعروا بالنقص أو الحرمان، فينجذبون لهذه الدورات ويدفعون الأموال، ليجدوا أنفسهم في النهاية أمام أفكار فارغة أو حتى ضارة، لا تزيدهم إلا بعدًا عن الدين الصحيح.
خطورة خلط الحق بالباطل
من أساليب مدربي الطاقة والوعي خلط الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية مع فلسفات باطنية أو وثنية، ليبدو كلامهم مقنعًا أو "روحانيًا"، بينما هو في الحقيقة تحريف لمعاني النصوص الشرعية، وتدليس على الناس، خاصة من ليست لديهم خلفية دينية قوية.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من المنافقين "عليمي اللسان" الذين يجادلون بالقرآن لتسويق أفكارهم الفاسدة، وهم في الحقيقة أبعد الناس عن الهداية.
الدوافع النفسية والاجتماعية للانجراف وراء هذه الممارسات
كثير من الناس ينجذبون لهذه الممارسات بسبب رغبتهم في دين "سهل وخفيف"، أو هروبهم من الالتزام والمسؤولية، أو بحثهم عن حلول سريعة لمشكلاتهم النفسية أو المادية. كما أن ضعف التربية الدينية، والاكتفاء بدراسة الدين كمادة دراسية لا كمنهج حياة، يجعلهم فريسة سهلة لهذه الأفكار.
الجذور الوثنية للفلسفات الحديثة
عند البحث في أصول هذه الممارسات، نجد أنها مستمدة من الفلسفات الوثنية القديمة، مثل الهندوسية والبوذية والهرمسية، وقد أعاد الغرب تسويقها في قوالب "تنمية بشرية" أو "وعي طاقي"، لكنها في جوهرها لا تختلف عن عبادة الشيطان أو عبادة القوى الخفية.
وقد قال بعض العلماء: "إذا لم تعبد الله حق عبادته، عبدت الشيطان دون أن تشعر"، لأن كل انحراف عن التوحيد هو في حقيقته انقياد للشيطان ووساوسه.
كيف نحصن أنفسنا وأبناءنا؟
- تعميق الفهم الصحيح للدين: يجب أن يكون الدين منهج حياة، لا مجرد مادة دراسية. الفهم العميق للقرآن والسنة، بفهم السلف الصالح، هو الحصن الحصين ضد الشبهات.
- عدم الانخداع بالمظاهر أو الكاريزما: ليس كل من يتحدث بلغة جذابة أو يستخدم آيات قرآنية هو على الحق. يجب التثبت من صحة الأفكار وموافقتها للعقيدة.
- التحقق من مصادر العلم: العلم الشرعي يؤخذ من العلماء الثقات، لا من مدربي الطاقة أو الفلسفات الوافدة.
- الوعي بخطورة خلط الحق بالباطل: يجب الحذر من كل من يخلط بين الآيات القرآنية والفلسفات الباطنية أو الوثنية.
- التوعية المجتمعية: على كل من عرف الحق أن يساهم في توعية من حوله، خاصة الأبناء والأصدقاء، بخطورة هذه الممارسات.
خاتمة
إن ما نشهده اليوم من انتشار لممارسات الطاقة والفلسفات الوافدة هو جزء من معركة فكرية ودينية تستهدف عقيدة المسلمين وهويتهم. ولا سبيل للنجاة إلا بالتمسك بالقرآن والسنة، والرجوع للعلماء الربانيين، ورفض كل ما يخالف أصول الدين والعقل السليم.
نسأل الله أن يحفظ أمتنا من الفتن، وأن ينير بصائرنا للحق، وأن يرد كيد الشيطان وأعوانه في نحورهم.
شارك هذا المقال مع من تحب، وساهم في نشر الوعي والتحصين الفكري في مجتمعك.
https://www.youtube.com/watch?v=o7R5C9uk0qs