اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

التحصين العقدي في مواجهة فلسفات الطاقة وحركة العصر الجديد

في السنوات الأخيرة، انتشرت بين الشباب العربي والإسلامي العديد من المفاهيم والممارسات المستوردة من ثقافات شرقية وغربية، مثل فلسفات الطاقة، التأمل، اليو

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
8 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشرت بين الشباب العربي والإسلامي العديد من المفاهيم والممارسات المستوردة من ثقافات شرقية وغربية، مثل فلسفات الطاقة، التأمل، اليوغا، وقوانين الجذب وغيرها من مفاهيم حركة العصر الجديد (New Age). هذه الممارسات، رغم أنها تُسوَّق أحيانًا باسم العلم أو التنمية الذاتية، تحمل في طياتها انحرافات عقدية خطيرة قد تهدد سلامة العقيدة الإسلامية، خصوصًا لدى من يفتقر إلى العلم الشرعي أو الفهم الصحيح لأصول الدين.

في هذا المقال، نستعرض أبرز الأفكار المغلوطة التي انتشرت عبر هذه الحركات، ونوضح أهمية التحصين العقدي والفكري، ودور دراسة العقيدة الصحيحة في حماية الفرد والأسرة والمجتمع من الوقوع في الشبهات والانحرافات الفكرية.

أولاً: كيف تسللت فلسفات الطاقة إلى مجتمعاتنا؟

بدأت موجة فلسفات الطاقة والتأمل والتطوير الذاتي تدخل إلى العالم العربي والإسلامي تحت شعارات براقة مثل "خذ من الطاقة ما ينفعك واترك ما يضرك"، أو "الاستفادة من الطاقة الكونية في تحقيق النجاح والسعادة". في البداية، كان يُنظر إليها على أنها علوم حديثة أو طرق علاجية بديلة، لكن مع الوقت بدأ بعض المدربين والمروجين لها بإضفاء صبغة دينية عليها، وربطها بآيات من القرآن الكريم أو أحاديث نبوية، في محاولة لإكسابها الشرعية والقبول الاجتماعي.

ومع انتشار هذه المفاهيم، بدأ كثير من الشباب والنساء يمارسونها دون إدراك لحقيقتها العقدية، ودون تمييز بين ما هو علم نافع وما هو شرك أو وثنية مقنعة.

ثانياً: لماذا يقبل الناس على هذه الممارسات؟

يرى المتخصصون أن من أهم أسباب انجراف البعض وراء هذه الممارسات هو ضعف المعرفة الدينية، وقلة الوعي بأصول العقيدة، وعدم التمييز بين الحلال والحرام. كما أن الضغوط النفسية والاجتماعية، وانتشار الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق، تدفع البعض للبحث عن حلول سريعة خارج إطار الدين، فيقعون في شباك مدربي الطاقة والتنمية الذاتية.

وهنا تظهر أهمية دراسة العقيدة الصحيحة، ليس فقط كعلم نظري، بل كحماية عملية للفرد من الوقوع في الشبهات والانحرافات.

ثالثاً: أهمية دراسة العقيدة في التحصين الفكري

النبي محمد ﷺ مكث في مكة 13 سنة يرسخ العقيدة الصحيحة في قلوب الصحابة، قبل أن تفرض عليهم سائر العبادات. كان الهدف الأول هو تصحيح التصور عن الله، وعن الغيب، وعن العبادة، وعن اليوم الآخر. فالعقيدة هي الأساس الذي تُبنى عليه الأعمال، وصحة القلب هي أساس صلاح الجوارح.

قال النبي ﷺ لابن عباس:

"يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله..."

هذا الحديث وحده كافٍ ليرسخ في قلب المسلم التوكل على الله، ويحصنه من الوقوع في أوهام الطاقة والجذب والاستحقاق وغيرها من المفاهيم الوثنية.

رابعاً: خطوات الشيطان في تزيين الباطل

من أخطر ما في هذه الممارسات أنها تبدأ غالبًا بخطوات صغيرة تبدو بريئة أو مفيدة، مثل جلسات التأمل أو تمارين الاسترخاء، ثم تتدرج بالإنسان حتى توقعه في الشركيات أو في إنكار أركان الإيمان. الشيطان لا يأتي للإنسان مباشرة بالشرك الأكبر، بل يزين له البدع، ثم المعاصي، ثم الشركيات تدريجياً.

وقد حذر الله تعالى من اتباع خطوات الشيطان في أكثر من موضع في القرآن الكريم، فقال:

"يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان..."

فكل انحراف عقدي يبدأ بخطوة صغيرة من التساهل أو الجهل أو التقليد الأعمى.

خامساً: حركة العصر الجديد وخطرها على العقيدة

حركة العصر الجديد ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج تخطيط طويل لنشر عقائد وثنية من شرق آسيا (الهندوسية، البوذية، الطاوية) في المجتمعات الغربية، ثم تصديرها إلى العالم الإسلامي بعد تغليفها بمفاهيم التنمية الذاتية والطاقة والوعي.

من أخطر ما في هذه الحركة أنها تدعو إلى:

  • الشرك بالله: من خلال عبادة الكون أو الطاقة الكونية، أو الاعتقاد بأن الإنسان فيه جزء من الألوهية.
  • عقيدة وحدة الوجود: وهي أن الله والكون شيء واحد، وأن كل ما في الوجود هو تجليات للإله، وهذا مخالف لأصل التوحيد في الإسلام.
  • إنكار اليوم الآخر: من خلال نشر عقيدة تناسخ الأرواح (الكارما)، التي تنكر البعث والحساب والجنة والنار.
  • تحريف النصوص الشرعية: بتأويل آيات وأحاديث لتوافق هذه الفلسفات.
  • تشويه مفهوم القدر: بادعاء أن الإنسان يخلق واقعه بنفسه، وأن الكون يستجيب لأفكاره ونياته.

وقد ساهم بعض المدربين العرب، للأسف، في نشر هذه الأفكار بعد ترجمة كتب رموز العصر الجديد مثل أوشو، ديباك شوبرا، واين داير، وغيرهم، بل وأضفوا عليها صبغة إسلامية زائفة عبر ربطها بآيات وأحاديث.

سادساً: أمثلة على الانحرافات العقدية في مدارس الطاقة

  • عقيدة وحدة الوجود والحلول:

يروج كثير من مدربي الطاقة لفكرة أن الإنسان فيه جزء من الإله، أو أن الطاقة الكونية هي الله، أو أن الإنسان يمكن أن "يتصل بالمطلق" ويصبح إلهاً في صورة جسدية. وهذا مخالف تماماً لعقيدة التوحيد التي تفرق بين الخالق والمخلوق.

  • الاعتماد على الكارما وتناسخ الأرواح:

كل مدارس الطاقة تقريباً، بشكل مباشر أو غير مباشر، تستند إلى عقيدة الكارما الهندوسية، التي ترى أن الروح تنتقل من جسد لآخر، وأن المصائب أو النعم في الحياة نتيجة لأعمال سابقة في حياة أخرى. هذا ينكر حقيقة الموت، والقبر، والبعث، والحساب، والجنة والنار كما جاء في الإسلام.

  • تحريف العبادات:

ربط الصلاة، أو الصيام، أو الدعاء بمفاهيم الطاقة، وجعلها مجرد وسائل لتفريغ الطاقة السلبية أو استقبال الطاقة الإيجابية، وليس تقرباً لله وعبادة خالصة.

  • الدعاء لغير الله والتعلق بالمخلوقات:

بعض برامج الطاقة تدعو الإنسان إلى سؤال الكون أو الطاقة أو الكواكب لتحقيق الرغبات، وهذا شرك بالله، لأن الدعاء عبادة لا تصرف إلا لله وحده.

  • مشابهة الوثنيين في الطقوس والألفاظ:

استخدام مصطلحات مثل الشاكرات، المانترا، البرانا، الكارما، الين واليانج، كلها مصطلحات وثنية دخيلة على الإسلام.

سابعاً: كيف نحصّن أنفسنا وأبناءنا؟

  • تعلم العقيدة الصحيحة:

يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم أركان الإيمان، ومعاني لا إله إلا الله، وأركان الإسلام، والفرق بين التوحيد والشرك، ومعرفة صفات الله وأسمائه، والتمييز بين الخالق والمخلوق.

  • الرجوع للقرآن والسنة بفهم السلف الصالح:

لا يكفي أن نقرأ القرآن أو الأحاديث، بل يجب أن نفهمها كما فهمها الصحابة والتابعون، لا كما يفسرها مدربو الطاقة أو الفلاسفة المعاصرون.

  • الحذر من الشبهات:

لا ننجرف وراء كل جديد أو غريب، خصوصاً ما يتعلق بالغيب أو الروح أو الطاقة، ونسأل أهل العلم عند الشك.

  • التحصين بالذكر والدعاء:

المداومة على الأذكار والأدعية المأثورة، وطلب الحفظ من الله من الفتن والشبهات.

  • النصح للأهل والأبناء:

تعليم الأبناء العقيدة الصحيحة، وتحذيرهم من هذه الممارسات، وعدم التساهل في حضور الدورات أو قراءة الكتب المشبوهة.

  • التعاون في مواجهة الانحرافات:

كل فرد مسؤول عن نصح من حوله، ولو بكلمة أو مشاركة منشور أو توجيه نصيحة، فالدعوة إلى الله مسؤولية جماعية.

خاتمة

إن أكبر خطر يهدد المجتمعات الإسلامية اليوم ليس فقط الانحرافات السلوكية، بل الانحرافات العقدية التي تتسلل تحت مسميات براقة كالعلم والطاقة والتنمية الذاتية. لذلك، فإن دراسة العقيدة الصحيحة، والتمسك بالقرآن والسنة، والحذر من الشبهات، هي صمام الأمان لنا ولأبنائنا في هذا العصر.

وأخيرًا، كما أوصى النبي ﷺ:

"أوصيكم بتقوى الله"

فالتقوى هي النجاة في الدنيا والآخرة، وهي الحصن الحصين من كل انحراف أو فتنة.

نسأل الله أن يحفظ ديننا وأبناءنا ومجتمعاتنا من كل شر، وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم، وأن يجعلنا من أهل التوحيد الخالص، ويثبتنا على الحق حتى نلقاه.

بقلم: فريق قناة سحر والطاقة

بتصرف عن لقاء فضيلة الشيخ د. سعيد الدرمكي

https://www.youtube.com/watch?v=zjf8IMFOi9s

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك