التخاطب مع الكينونات: حقيقة الدورات الروحية الحديثة بين الوهم والخطر
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الدورات والورش التي تدّعي القدرة على التواصل مع "الكيانات" أو "الكونات" أو "الأرواح"، وتروج لنفسها تحت مسميات برا
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الدورات والورش التي تدّعي القدرة على التواصل مع "الكيانات" أو "الكونات" أو "الأرواح"، وتروج لنفسها تحت مسميات براقة مثل "تخاطب مع الكينونات" أو "Access Consciousness". هذه الدورات، التي ظهرت في الغرب وانتقلت إلى عالمنا العربي، تدّعي أنها تمنح المتدرب قدرات خارقة على الشفاء والتواصل مع عوالم خفية، لكنها في حقيقتها تحمل الكثير من المخاطر الفكرية والدينية والنفسية.
في هذا المقال، سنستعرض أبرز ما يدور في هذه الدورات، ونحلل الأدوات والمعتقدات التي تروج لها، ونوضح خطورتها على الفرد والمجتمع، مستندين إلى تجارب حقيقية وشهادات من داخل هذه الدوائر.
ما هو "التخاطب مع الكينونات"؟
"التخاطب مع الكينونات" هو أحد الكورسات الفرعية في مدرسة "Access Consciousness" التي أسسها جاري دوجلاس، وتديرها ابنته شانون أوهارا. تقوم فكرة هذه الدورات على أن الإنسان ليس مجرد جسد، بل هو "كائن مطلق لا نهائي"، وأن الأمراض والمشاكل النفسية وحتى الجسدية ليست إلا رسائل من "كيانات" أو "أرواح" أو "شياطين" تسكن الجسد أو تحيط به.
بحسب ما تروج له هذه الدورات، فإن كل مرض أو معاناة هو نتيجة وجود كيان أو شيطان أو طاقة مظلمة، وأن التواصل مع هذه الكيانات وفهم رسائلها هو السبيل للشفاء والتحرر.
الأدوات والمعتقدات الأساسية في هذه الدورات
تستخدم هذه الدورات مجموعة من الأدوات والأساليب النفسية والطاقية، منها:
- الاستقبال وعدم الرفض: يتم التأكيد على ضرورة أن يكون المتدرب "مستعدًا" و"مستقبلاً" لهذه الكيانات، وألا يرفض أو يقاوم وجودها، بل عليه أن يتعامل معها كأنها صديق أو زميل في فريقه الروحي.
- إسكات العقل وإلغاء التفكير: يُطلب من المشاركين إيقاف التفكير النقدي، وعدم تحليل ما يجري، بل الاستسلام التام لما يُسمى "تدفق الطاقة" أو "الوعي".
- تدمير المعتقدات السابقة: من أساسيات هذه الدورات تحطيم كل المعتقدات الدينية والاجتماعية التي نشأ عليها الفرد، خاصة تلك المتعلقة بالجن والشياطين والتحصين، بزعم أنها "معتقدات قديمة" يجب التخلص منها للوصول إلى "الوعي الكامل".
- التعامل مع أنواع متعددة من الكيانات: يتم تصنيف الكيانات إلى أنواع، منها: كيانات البشر المتوفين، كيانات المدمنين على المخدرات أو الكحول، كيانات النور، كيانات الفريق (زملاء الروح)، كيانات الدخان (الشياطين)، وحتى الملائكة وأرواح الطبيعة.
- الهدايا والتبادل: يروجون لفكرة أن العلاقة مع هذه الكيانات قائمة على "الهدايا" المتبادلة، أي أن المتدرب يهدي نفسه أو جزءًا من طاقته للكيان، مقابل أن يحصل على خدمة أو دعم منه.
- إلغاء مفهوم الخير والشر: من أخطر ما تروج له هذه الدورات هو إلغاء فكرة وجود خير وشر مطلقين، وأن الشياطين ليست شراً مطلقاً، بل يمكن أن تكون "طيبة" وتساعد الإنسان!
كيف يتم الإقناع والدفع نحو الاستسلام؟
تعتمد هذه الدورات على أساليب نفسية دقيقة لإقناع المتدرب بقبول هذه الأفكار، منها:
- البدء بمفاهيم عامة ثم التدرج: يبدأ الكورس بمفاهيم مقبولة ظاهرياً مثل "التنمية الذاتية" أو "الوعي"، ثم ينتقل تدريجياً إلى مفاهيم أكثر خطورة مثل استحضار الأرواح والتعامل مع الشياطين.
- الربط بين المشاكل الشخصية ورفض الكيانات: يتم إقناع المتدرب أن كل مشاكله الصحية والنفسية والمالية هي بسبب رفضه لهذه الكيانات، وأن الحل الوحيد هو قبولها والتواصل معها.
- تكرار العبارات والتوكيدات: يتم استخدام عبارات توكيدية وجمل سحرية (تعويذات) بشكل متكرر لجعل العقل الباطن يتقبل الأفكار الجديدة.
- إلغاء التحصين والتخويف من التحصين: يتم تحقير فكرة التحصين والأذكار، ويُطلب من المتدرب خفض كل الحواجز النفسية والدينية أمام هذه الكيانات.
شهادات وتجارب من الداخل
من خلال شهادات حقيقية لمن حضروا هذه الدورات، يتبين أن كثيراً من المشاركين بدأوا يعانون من مشاكل نفسية وجسدية بعد فترة من الممارسة، مثل:
- اضطرابات نفسية: قلق، توتر، وساوس، حتى حالات من الهلاوس والجنون.
- مشاكل صحية: أمراض مزمنة أو تفاقم أمراض كانت بسيطة.
- تفكك أسري واجتماعي: بسبب الانعزال عن المجتمع واعتقاد المتدرب أنه "متميز" أو "مختلف" عن الآخرين.
- الابتعاد عن الدين والشعائر: حيث يتم إقناع المتدرب أن الصلاة والعبادات تمنعه من التواصل مع الكيانات، فيتركها تدريجياً.
التحليل الديني والعلمي
من منظور ديني، فإن كل ما يدور في هذه الدورات هو نوع من استحضار الأرواح أو تحضير الجن والشياطين، وهو أمر محرم شرعاً وخطر على العقيدة. فلا يوجد دليل شرعي أو علمي على إمكانية الإنسان العادي التواصل مع أرواح الموتى أو الملائكة، وكل ما يراه أو يسمعه هو من تلاعب الشياطين وتمثلهم في صور وأصوات.
أما من الناحية العلمية، فهذه الممارسات لا تستند إلى أي أساس علمي، بل تعتمد على الإيحاء والتلاعب النفسي، وقد تؤدي إلى اضطرابات نفسية خطيرة.
لماذا يقبل الناس على هذه الدورات؟
هناك عدة أسباب تدفع البعض للانجذاب لهذه الدورات، منها:
- الرغبة في التميز والشعور بالقوة: حيث يُوهم المتدرب أنه يمتلك قدرات خارقة أو أنه "مختار" من بين الناس.
- البحث عن حلول سريعة للمشاكل: خاصة لمن يعانون من أمراض مزمنة أو مشاكل نفسية لم يجدوا لها حلاً في الطب التقليدي.
- الفراغ الروحي وضعف الوعي الديني: مما يجعل الشخص فريسة سهلة لأي دعوة روحية براقة.
الخلاصة: الحذر واجب!
في النهاية، يجب أن نعي أن كل هذه الدورات والممارسات ما هي إلا طرق جديدة لنشر الدجل والشعوذة تحت غطاء التنمية الذاتية والوعي. التعامل مع الكيانات والأرواح والشياطين ليس طريقاً للشفاء أو السعادة، بل هو باب واسع للضياع النفسي والديني والاجتماعي.
واجبنا كأفراد ومجتمعات أن نحصن أنفسنا بالعلم الصحيح والدين، وأن نبتعد عن كل ما يروج لهؤلاء الدجالين، وأن نحذر من الانسياق وراء الشعارات البراقة التي تخفي وراءها خطراً عظيماً.
نصيحة أخيرة:
إذا كنت تبحث عن تطوير ذاتك أو علاج مشاكلك النفسية أو الجسدية، فابحث عن الطرق العلمية والشرعية الموثوقة، ولا تترك نفسك فريسة لمن يبيعون الوهم تحت مسمى "تخاطب مع الكينونات". حياتك ودينك وعقلك أغلى من أن تضعهم في مهب الريح.
بقلم: فريق التوعية بالطاقة الزائفة والتقنيات الروحية الحديثة
https://www.youtube.com/watch?v=stFf0_8YaH8