التخاطر مع الكيانات وعلوم الطاقة: بين الحقيقة والوهم في عصر الإعلام الحديث
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من المفاهيم والممارسات المرتبطة بما يُسمى "علوم الطاقة" والتخاطر مع الكيانات، سواء عبر الدورات التدريبية أو من خلال
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من المفاهيم والممارسات المرتبطة بما يُسمى "علوم الطاقة" والتخاطر مع الكيانات، سواء عبر الدورات التدريبية أو من خلال وسائل الإعلام والسوشيال ميديا. أصبحنا نسمع عن مصطلحات مثل "شاغل" أو "دجين" أو كيانات متعددة تدّعي بعض الممارسات الروحانية إمكانية التواصل معها أو استحضارها لتحقيق أغراض معينة. فما حقيقة هذه المفاهيم؟ وكيف أثرت وسائل الإعلام الحديثة على انتشارها وتقبلها في المجتمعات؟
ما هي الكيانات في علوم الطاقة؟
تُروج بعض المدارس الروحانية لفكرة وجود كيانات غير مرئية يمكن التواصل معها أو استحضارها، وغالبًا ما يُشار إليها بأسماء مثل "شاغل" أو "دجين" أو غيرها. ويقال إن هذه الكيانات ليست فردية، بل قد تكون مجموعات تصل إلى ثمانية أو أكثر، ولكل منها رقم أو رمز خاص، وتُستخدم أساليب معينة للتخاطر أو الاستحضار عبر طقوس أو تعاويذ محددة.
هذه المفاهيم، من منظور ديني وعلمي، تفتقر إلى الأساس الصحيح، وغالبًا ما يتم استغلال جهل الناس أو رغبتهم في التميز أو حل مشاكلهم الشخصية لترويجها. كما أن بعض المدربين أو المروجين لهذه الدورات يرسلون أشخاصًا غير مؤهلين للنقاش أو الدفاع عن هذه الأفكار، ويكتفون بترديد عبارات أو رموز دون فهم حقيقي لماهية ما يروجون له.
دور الإعلام والسوشيال ميديا في الترويج
لعب الإعلام، وخاصة الأفلام والمسلسلات الغربية، دورًا كبيرًا في تغيير صورة السحر والكيانات الروحانية في أذهان الناس. ففي الماضي، كان يُنظر إلى هذه الأمور على أنها خطيرة ومرفوضة اجتماعيًا، أما اليوم فقد أصبحت تُعرض في قوالب جذابة، مثل الساحرة الطيبة أو الكائنات النورانية، حتى في برامج الأطفال والكرتون.
على سبيل المثال، نجد في بعض أفلام ديزني أو نتفليكس شخصيات ساحرات يُقدمن على أنهن طيبات ويساعدن الآخرين، أو يتم تصوير الكيانات على شكل فراشات جميلة أو كائنات لطيفة، مما يجعل الأطفال يتقبلون فكرة التواصل مع هذه الكيانات وكأنها أمر عادي أو حتى إيجابي.
هذا التغيير في الصورة النمطية أدى إلى تبلّد الحذر عند الكثيرين، وأصبح البعض يعتقد أن هناك سحرًا أبيض وسحرًا أسود، وأن بعض أنواع السحر غير ضارة بل نافعة، في حين أن الحقيقة الدينية والعقلية تؤكد أن السحر كله مرفوض وخطر على العقيدة والنفس.
الفراغ الروحي والرغبة في التميز
من أسباب انجذاب البعض إلى هذه الممارسات، وجود فراغ روحي أو ضعف في تقدير الذات (self-esteem)، حيث يشعر البعض بالفشل أو عدم التميز فيلجأ إلى علوم الطاقة أو الدورات الروحانية بحثًا عن هوية أو مكانة، أو حتى للهروب من مشاكل واقعية. يُضاف إلى ذلك تأثير الميديا التي تصور أبطال الرسوم المتحركة أو المسلسلات وهم يملكون قوى خارقة أو يتواصلون مع كيانات غيبية، فيتمنى الطفل أو الشاب أن يكون مثلهم.
أهمية الوعي الديني والمعرفي
أحد أكبر أسباب الوقوع في هذه الممارسات هو الجهل بأصول العقيدة الإسلامية، خاصة في ما يتعلق بعلم الغيب. كثير من الناس يجهلون أن الغيب له أصول وضوابط شرعية، وأن مصادر المعرفة في الإسلام ثلاثة: الوحي (القرآن والسنة)، والعقل، والحواس، لكن في مسائل الغيب لا يُقبل إلا ما جاء به الوحي.
من المهم أن يتعلم الآباء والأمهات والمعلمون أصول علم الغيب، وأن يشرحوا لأبنائهم الفرق بين الحقائق الشرعية والخرافات المنتشرة في الإعلام أو الدورات. كما يُنصح بالرجوع إلى العلماء الموثوقين وقراءة الكتب المتخصصة مثل كتاب "أصول علم الغيب" للدكتورة فوز كردي، الذي يوضح هذه المفاهيم بشكل علمي وشرعي.
كيف نحمي أنفسنا وأبناءنا؟
- الوعي والمراقبة: راقبوا ما يشاهده الأبناء في الأفلام والرسوم المتحركة، وناقشوهم حول ما يرونه، ووضحوا لهم أن كثيرًا مما يُعرض هو خيال أو تضليل.
- تعزيز العقيدة: علموا أبناءكم أصول العقيدة الصحيحة، ووضحوا لهم أن الغيب لا يعلمه إلا الله، وأن كل ما يُروج له من استحضار كيانات أو طاقة أو سحر هو مخالف للدين وخطر على النفس.
- النقاش المفتوح: افتحوا باب الحوار مع الأبناء حول هذه المواضيع، ولا تكتفوا بالمنع فقط، بل قدموا البديل العلمي والديني الصحيح.
- القدوة الحسنة: كونوا أنتم قدوة في البحث عن المعرفة من مصادر موثوقة، وابتعدوا عن الدورات أو الممارسات المشبوهة.
- التحذير من التقليد الأعمى: علموا أبناءكم ألا يقلدوا ما يرونه في المسلسلات أو الرسوم المتحركة دون وعي أو فهم، خاصة ما يتعلق بالرموز أو الطقوس.
خلاصة
انتشار مفاهيم التخاطر مع الكيانات وعلوم الطاقة هو نتيجة لعوامل متعددة: فراغ روحي، جهل ديني، تأثير الإعلام، والرغبة في التميز. الحل يكمن في العودة إلى أصول العقيدة، وتعزيز الوعي لدى الأجيال الجديدة، ومواجهة هذه الأفكار بالحجة والعلم، وليس بالاستهزاء أو التجاهل. فكلما زاد وعي المجتمع، قلّت فرص استغلاله من قبل المروجين للوهم والخرافة.
حافظوا على عقولكم وقلوبكم، وكونوا حذرين من كل ما يروج له في الإعلام أو الدورات غير الموثوقة، فالعلم الصحيح والدين القويم هما الحصن الحقيقي في مواجهة هذه الموجات الفكرية الدخيلة.
https://www.youtube.com/watch?v=lXrnTqLveWk