التأمل التجاوزي (TM) والشاكرات: كشف الحقائق العلمية وراء الممارسات الروحانية الحديثة
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من تقنيات التأمل واليوغا والطاقة في المجتمعات العربية، خاصة بين الشباب والباحثين عن الراحة النفسية أو التطوير الذاتي
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من تقنيات التأمل واليوغا والطاقة في المجتمعات العربية، خاصة بين الشباب والباحثين عن الراحة النفسية أو التطوير الذاتي. من أشهر هذه التقنيات ما يُعرف بـ"التأمل التجاوزي" أو TM (Transcendental Meditation)، إلى جانب مفاهيم مثل الشاكرات والهالة. في هذا المقال، سنناقش هذه الممارسات من منظور علمي وواقعي، مستعرضين تاريخها، وآلياتها، وخطورتها، ومدى مصداقيتها.
ما هو التأمل التجاوزي (TM)؟
التأمل التجاوزي هو نوع من أنواع التأمل يعتمد على تكرار "مانترا" أو تعويذة صوتية خاصة، بهدف تجاوز العقل الواعي والدخول في حالة من السكون الذهني يُزعم أنها تصل بالإنسان إلى ما يسمى "العقل الفائق" أو "السوبر كونشس". انتشر هذا النوع من التأمل بشكل كبير في أمريكا وأوروبا، ثم وصل إلى العالم العربي، وأصبح له ممارسون كُثر.
كيف بدأ التأمل التجاوزي؟
أسس هذه التقنية رجل هندي يُدعى "مهاريشي ماهش يوغي"، الذي وُلد عام 1913 وتعلم على يد معلم صوفي هندي. لاحقًا، انتقل مهاريشي إلى الولايات المتحدة، حيث طور هذه التقنية وبدأ في نشرها، خاصة بعد أن تبناها أعضاء فرقة البيتلز الشهيرة في الستينات، مما زاد من شهرتها عالميًا.
آلية التأمل التجاوزي
حتى تتعلم التأمل التجاوزي، يجب أن تلتحق بدورات خاصة وتدفع مبالغ مالية كبيرة (وصلت مؤخرًا إلى أكثر من 1200 جنيه إسترليني). خلال الدورة، يمنحك المدرب "مانترا" صوتية خاصة بك، يُطلب منك تكرارها ذهنيًا بطريقة معينة، ولا يُسمح لك بمشاركتها مع أي شخص أو حتى نطقها بصوت عالٍ. يُقال إن هذه المانترا تساعدك على تجاوز العقل الواعي والدخول في حالة من "اللاشيء" أو الفراغ الذهني.
الطقوس المصاحبة
من الطقوس الغريبة المرتبطة بالتأمل التجاوزي، تقديم فواكه وشرشف أبيض كقربان أمام صورة مهاريشي، في طقس يشبه الطقوس الدينية، ثم يمنحك المدرب المانترا بعد أن "تنزل عليه" عبر ما يُشبه التلبس الروحي.
حقيقة التأمل التجاوزي: بين الادعاءات والواقع
رغم الادعاءات بأن التأمل التجاوزي يمنح السلام الداخلي، ويزيد من الوعي، بل ويُقال إنه يمكن أن يجعلك "تطير" أو تحقق قدرات خارقة، إلا أن التجارب الواقعية والدراسات العلمية تشير إلى عكس ذلك.
تجارب شخصية وتحذيرات
كثير من الممارسين السابقين للتأمل التجاوزي تحدثوا عن أعراض سلبية ظهرت عليهم بعد فترة، مثل:
- نوبات هلع وقلق متزايد
- اضطرابات في النوم
- تصلب أو ارتجاف في الأطراف أثناء الجلسات
- هلاوس سمعية أو بصرية
- شعور بفقدان السيطرة على الذات أو الواقع
وقد أظهرت بعض الدراسات أن نسبة الهلوسات والقلق ترتفع بين الأطفال والبالغين الذين يمارسون هذا النوع من التأمل، بنسبة تصل إلى 19%، وهي نسبة مرتفعة وخطيرة.
فضائح ومخالفات
بعد وفاة مهاريشي، ظهرت فضائح مالية وأخلاقية تتعلق بالمنظمة التي أسسها، حيث اتُهمت باستغلال الناس ماديًا، وغسل الأموال، ورفض تقديم الدورات للفقراء إلا إذا عملوا كمتطوعين مجانًا.
الشاكرات والهالة: أصل المفاهيم وحقيقتها العلمية
انتشرت في السنوات الأخيرة أيضًا مفاهيم مثل الشاكرات (مراكز الطاقة بالجسم) والهالة (مجال طاقي يحيط بالجسم)، وغالبًا ما يتم ربطها بتمارين الطاقة والتنفس واليوغا.
أصل الشاكرات والهالة
- الشاكرات: لم تكن موجودة في الفلسفات القديمة بشكلها الحالي، بل تطورت عبر الزمن، وظهرت كمفهوم غربي حديث تم تطويره من قبل باحثين غربيين في القرن العشرين، مثل تشارلز ليدبيتر وغيره.
- الهالة: ظهر مفهومها في نهاية القرن التاسع عشر، وارتبطت بجهاز "كيرليان" الذي يُزعم أنه يصور الهالة حول الجسم، لكن الحقيقة العلمية أن هذا الجهاز يصور تفريغًا كهربائيًا ناتجًا عن رطوبة الجلد، وليس له علاقة بالروحانيات أو الطاقة.
اختلاف عدد الشاكرات
حتى بين الممارسين، لا يوجد اتفاق على عدد الشاكرات؛ فالبعض يقول 5، وآخرون 7، أو حتى 108! وكلها اجتهادات بشرية لا أصل علمي لها.
حقيقة جهاز كيرليان
الجهاز الذي يُستخدم لإثبات وجود الهالة، هو في الحقيقة جهاز كهربائي يُظهر تفريغ الشحنات من الجلد، ويتأثر برطوبة الجسم أو نوع الحذاء أو حتى الوضعية، ولا علاقة له بالطاقة أو الروح.
كيف تتلاعب هذه الممارسات بوظائف الجسم والوعي؟
تعتمد تقنيات التأمل والطاقة على التلاعب بوظائف الجسم الحيوية، خاصة الدماغ والجهاز العصبي، عبر:
- التنفس: تمارين التنفس العميق أو الطويل تؤدي إلى إخراج كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من الجسم، مما يرفع قلوية الدم، ويؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية في الدماغ، ويقلل الأكسجين الواصل إليه، فيحدث تغيير في الوعي، وقد يصل الأمر إلى الدوخة أو حتى نوبات صرع مؤقتة.
- التغذية النباتية والصيام المتقطع: يؤديان إلى هبوط السكر والأملاح في الجسم، مما يؤثر على الدماغ ويغير حالة الوعي.
- الحركات المتكررة أو السكون الطويل: مثل الرقص الدائري أو الجلوس في صمت تام لفترات طويلة، كلها تؤدي إلى تغييرات في موجات الدماغ، خاصة موجة "ثيتا" المرتبطة بالأحلام والهلاوس.
موجات الدماغ والتأمل
الدماغ يعمل بموجات كهربائية مختلفة حسب النشاط:
- بيتا: حالة اليقظة والتركيز
- ألفا: بداية الاسترخاء
- ثيتا: بين النوم واليقظة، وهي الموجة المستهدفة في التأملات العميقة، حيث تكثر الهلاوس وتغير الوعي
- دلتا: النوم العميق
التأملات والطقوس تهدف للوصول إلى "ثيتا"، حيث يسهل التأثر بالهلاوس والأفكار الغريبة.
الخلاصة: ما الذي يجب أن نعرفه؟
- التأمل التجاوزي والشاكرات والهالة مفاهيم حديثة تم تطويرها وتضخيمها في الغرب، ثم انتقلت إلى مجتمعاتنا.
- كثير من هذه الممارسات تفتقر للأساس العلمي، بل قد تكون ضارة نفسيًا وجسديًا، وتؤدي إلى اضطرابات في الوعي أو الصحة.
- لا يوجد ما يُسمى "طاقة" أو "شاكرات" أو "هالة" مثبت علميًا، وجهاز كيرليان لا يثبت شيئًا سوى تفريغ كهربائي عادي.
- تمارين التنفس والصيام المتقطع والتغذية النباتية ليست دائمًا صحية إذا لم تُمارس بشكل متوازن ومدروس.
- من المهم أن نتحقق من مصادر أي ممارسة أو تقنية قبل تجربتها، وألا ننجرف وراء الدعايات أو القصص غير المثبتة.
نصيحة للقراء
ابحث دائمًا عن المصادر العلمية الموثوقة، واستشر المختصين قبل تجربة أي تقنية جديدة تخص صحتك الجسدية أو النفسية. لا تنخدع بالشعارات البراقة أو القصص الخارقة. صحتك أغلى من أن تكون حقل تجارب لممارسات غير مثبتة أو حتى خطيرة.
المصادر:
- تجارب شخصية لممارسين سابقين
- دراسات علمية حول التأمل والتأثيرات العصبية
- كتب ومراجع حول تاريخ الشاكرات والهالة
- آراء أطباء مختصين في علم الأعصاب والفيزيولوجيا
ملاحظة: إذا كنت مهتمًا بالتعرف على المزيد حول هذه المواضيع، يمكنك متابعة بثوث "سحر اليوغا والطاقة" على يوتيوب، حيث يتم مناقشة هذه القضايا بشكل علمي وموثق.
https://www.youtube.com/watch?v=yhAh7uAYYJw