التأمل والطاقة: ظاهرة متنامية بين النساء – نظرة نقدية وتجربة واقعية
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين النساء في مجتمعاتنا العربية ظاهرة الاهتمام بممارسات التأمل و"الطاقة الإيجابية" بشكل غير مسبوق. أصبحنا نرى الكثير من الن
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين النساء في مجتمعاتنا العربية ظاهرة الاهتمام بممارسات التأمل و"الطاقة الإيجابية" بشكل غير مسبوق. أصبحنا نرى الكثير من النساء، سواء من الصديقات أو أفراد العائلة أو حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يروجون لفكرة التأمل كوسيلة للتخلص من الطاقة السلبية ومشاعر الحزن والضيق. لكن، هل هذه الممارسات فعلاً آمنة؟ وما هي آثارها الحقيقية على الصحة النفسية والاجتماعية؟
تجربة شخصية: بين التأمل والآثار السلبية
من خلال متابعة تجارب المقربين، لاحظتُ أن التأمل لم يكن دائمًا وسيلة للراحة أو الشفاء. على سبيل المثال، قامت أختي وأخي بتجربة جلسات التأمل في المنزل. بينما لم يتأثر أخي كثيرًا، بدأت أختي تعاني من أعراض غريبة بعد جلستين فقط. شعرت ببرودة تدخل جسدها، وأصبحت تعاني من اضطرابات في النوم، وكأن هناك شيئًا يحاول السيطرة عليها. استمرت هذه الحالة لشهر كامل، حيث كانت تشعر بالخوف الشديد وتشغل القرآن لتهدأ، وتشتكي من تيبّس يديها وإحساس غريب بأن هناك من يريد الدخول إلى جسدها. كل ذلك حدث فقط بعد جلستين من التأمل!
انتشار الظاهرة بين النساء
لاحظتُ أن التأمل أصبح موضوعًا شائعًا في جلسات النساء، خاصة بعد جائحة كورونا. الكثيرات يلجأن لهذه الممارسات بحجة التخلص من الضغط النفسي أو الطاقة السلبية، متأثرات بمشاهير السوشيال ميديا أو "الكوتشز" المنتشرين بكثرة على منصات مثل تيك توك وإنستغرام وسناب شات. بل إن هناك أسماء معروفة أصبحت رمزًا لهذه الممارسات، وينصح بها في كل مكان.
الأمر لم يعد مقتصرًا على المراهقات فقط، بل وصل حتى للسيدات فوق سن الخمسين، حيث أصبحت "الموضة" الجديدة إجراء عمليات تجميل ثم الدخول في عالم الطاقة والتأمل وتغيير نمط الحياة. هذا الانتشار الواسع جعل من الصعب جدًا إقناع الناس بخطورة هذه الممارسات، بل أصبح من ينصح بالحذر يُتهم بأنه متخلف أو غير مواكب للعصر.
الأسباب وراء انتشار التأمل
هناك عدة أسباب تفسر انتشار هذه الظاهرة، منها:
- ضعف الوازع الديني: ضعف التوعية الدينية جعل الكثيرين يبحثون عن حلول نفسية خارج إطار الدين.
- التأثر بالمشاهير: مشاهير السوشيال ميديا أصبح لهم تأثير كبير على المتابعين، خاصة عندما يروجون لممارسات الطاقة والتأمل وكأنها الحل السحري لكل المشاكل.
- غياب التوعية الرسمية: لا توجد حملات توعية كافية من جهات رسمية أو مراكز متخصصة تحذر من مخاطر هذه الممارسات.
- الرغبة في التطور الذاتي: كثير من النساء يبحثن عن طرق لبناء الذات وتطوير الشخصية، ويجدن في التأمل والطاقة طريقًا سهلاً لذلك.
مخاطر التأمل وممارسات الطاقة
من خلال متابعة الأبحاث والتجارب الشخصية، هناك العديد من المخاطر المرتبطة بهذه الممارسات، منها:
- اضطرابات نفسية: كما حدث مع أختي، قد تظهر أعراض نفسية أو جسدية غريبة بعد جلسات التأمل.
- الانجراف نحو معتقدات خاطئة: بعض ممارسات التأمل مستمدة من ديانات وثقافات أخرى قد تتعارض مع قيمنا الدينية والاجتماعية.
- الاستغلال التجاري: انتشرت حسابات "الكوتش" التي تستغل حاجة الناس للدعم النفسي وتروج لجلسات مدفوعة بدون خبرة أو خلفية علمية حقيقية.
- ضياع الهوية الدينية والاجتماعية: الانشغال بهذه الممارسات قد يؤدي إلى ضعف الانتماء الديني والاجتماعي، خاصة لدى المراهقات.
مسؤوليتنا في التوعية
أشعر أن لدينا مسؤولية كبيرة في توعية المجتمع، خاصة النساء والمراهقات، حول مخاطر هذه الظاهرة. لا يكفي أن نناقش الموضوع في جلسات خاصة أو عبر حسابات صغيرة على وسائل التواصل، بل نحتاج إلى جهود أكبر من جهات رسمية ومراكز توعية متخصصة. يجب أن يكون هناك بدائل صحية ونفسية آمنة ومتوافقة مع قيمنا، حتى لا يضيع الجيل القادم في دوامة من المعتقدات والممارسات الغريبة.
كلمة أخيرة
ما يحدث اليوم من انتشار لممارسات التأمل والطاقة بين النساء هو بالفعل أزمة اجتماعية ونفسية. إذا استمر الأمر بهذا الشكل، سنجد أن الكثير من الفتيات والنساء قد ضعن في طرق لا رجعة فيها، مما يؤثر على الأسرة والمجتمع بأكمله. علينا جميعًا أن نتحمل مسؤولية التوعية، وأن نحذر من الانسياق وراء كل جديد دون فهم أو وعي.
إذا كنتِ ممن جربن هذه الممارسات أو تفكرين في تجربتها، تذكري أن الصحة النفسية الحقيقية تبدأ من الداخل، من الإيمان والوعي والبحث عن حلول سليمة ومتزنة. لا تدعي أي شخص أو موضة جديدة تقودكِ إلى طريق قد تندمين عليه لاحقًا.
ملاحظة: هذا المقال لا يهدف إلى مهاجمة أي شخص أو جهة، بل هو دعوة للتفكير الواعي والتأني قبل تبني أي ممارسة جديدة، خاصة تلك التي تمس النفس والروح.
https://www.youtube.com/watch?v=F0efQ_ozAac