اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

التنفس بين المفاهيم العلمية والممارسات الروحية: كشف الحقائق وتوضيح الفروق

في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الممارسات المتعلقة بالتنفس، وأصبحنا نسمع عن "التنفس الواعي"، "التنفس الطاقي"، "تنفس التأمل"، وغيرها من المصطلحات

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
5 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الممارسات المتعلقة بالتنفس، وأصبحنا نسمع عن "التنفس الواعي"، "التنفس الطاقي"، "تنفس التأمل"، وغيرها من المصطلحات التي تُروج لها بعض الدورات، والمدربين، وحتى بعض من يدّعون العلم أو التخصص في الصحة النفسية أو الجسدية. لكن وسط هذا الزخم، يختلط على الكثيرين الفرق بين التنفس كوظيفة طبيعية أو علاجية، وبين استخدامه كطقس أو وسيلة في ممارسات روحية ذات أصول دينية أو فلسفية بعيدة عن ديننا وثقافتنا.

في هذا المقال، سنوضح الفروق الجوهرية بين أنواع التنفس، ونكشف كيف تم التلاعب بالمفاهيم العلمية والدينية لخدمة أغراض أخرى، مع تسليط الضوء على المخاطر العقدية والصحية المرتبطة ببعض هذه الممارسات.

أولاً: ما هو التنفس الطبيعي والطبي؟

التنفس هو عملية حيوية يقوم بها الإنسان بشكل لا إرادي (أوتوماتيكي) للحفاظ على حياته، حيث يدخل الأكسجين إلى الرئتين ويخرج ثاني أكسيد الكربون. كما يوجد أيضاً "التنفس الإرادي" الذي يمكن التحكم فيه مؤقتاً، مثل أخذ نفس عميق أو حبس النفس لثوانٍ معدودة.

في المجال الطبي، هناك تمارين تنفسية معتمدة تُستخدم تحت إشراف طبيب مختص، وتُعطى للمرضى الذين يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي، أو للرياضيين لتحسين الأداء، أو حتى لبعض الحالات النفسية مثل القلق أو الهلع. هذه التمارين محددة، مدروسة، وتُنفذ في بيئة آمنة وتحت رقابة مختصين، وغالباً ما تكون لفترة زمنية محدودة (كورس علاجي).

علامات التنفس الطبي الصحيح:

  • يتم في المستشفى أو العيادة وتحت إشراف طبيب مختص.
  • لا يتطلب طقوساً أو ممارسات غريبة (كإشعال الشموع أو استخدام الأحجار أو الدخول في عزلة).
  • لا يُطلب منك ممارسة التنفس في أوقات محددة مرتبطة بالشروق أو الغروب أو اكتمال القمر.
  • لا يتضمن حركات جسدية أو وضعيات يدوية معينة أو ترديد كلمات غامضة.
  • لا يُروج له كوسيلة للوصول إلى "التنوير" أو "الاتحاد مع الكون".

ثانياً: التنفس في الممارسات الروحية الشرقية

انتشرت في العقود الأخيرة مدارس وطرق تنفس مستوردة من الفلسفات الهندوسية والبوذية، مثل "برانا ياما"، "كونداليني"، "تنفس الروح"، وغيرها. هذه الممارسات ليست علاجية في أصلها، بل هي جزء من طقوس دينية وفلسفية تهدف إلى:

  • الاتحاد مع "وعي المصدر" أو "براهمان" (الخالق في معتقداتهم).
  • فتح "بوابات" للطاقة أو الروح، أو حتى لاستقبال "الأرواح" والكائنات الخفية حسب معتقداتهم.
  • الوصول إلى حالات من "الانتشاء الروحي" أو "التنوير" أو "الاستبصار".
  • تعديل ما يُسمى "الدي إن إيه الروحي" أو "مسارات الطاقة" في الجسد.

كيف تُمارس هذه الأنواع من التنفس؟

غالباً ما تتضمن هذه الممارسات:

  • أوضاع جسدية محددة (كالقرفصاء أو الجلوس بوضعية اللوتس).
  • حبس النفس لفترات طويلة أو التنفس بسرعة أو بقوة.
  • ترديد ترانيم أو كلمات بلغات غير مفهومة.
  • إشعال شموع أو استخدام أحجار كريمة أو بخور.
  • الدخول في عزلة أو ظلام أو الاستماع لموسيقى ذات ترددات معينة.
  • ربط عدد الأنفاس أو الزفير بأرقام "سرية" أو رموز خيميائية.

كل هذه الطقوس ليست لها علاقة بالطب أو بالصحة الجسدية، بل هي جزء من منظومة روحية وفلسفية هدفها الأساسي الخروج عن الوعي الطبيعي، وفتح ما يُسمى "بوابات" لعوالم غيبية أو كائنات غير مرئية.

ثالثاً: مخاطر الخلط بين التنفس العلمي والتنفس الروحي

من أخطر ما حدث في عصرنا هو ترويج هذه الممارسات باسم "العلاج"، وادعاء أنها تساعد في علاج القلق، الاكتئاب، الأرق، الصدمات النفسية، أو حتى تحسين الذاكرة والتركيز. بل وصل الأمر إلى دمجها في دورات حفظ القرآن أو تحسين الخشوع في الصلاة، دون إدراك لجذورها العقدية وخطورتها على العقيدة والصحة النفسية.

بعض المخاطر:

  • العقيدة: كثير من هذه الممارسات تقوم على فلسفات وحدة الوجود أو الاتحاد مع الخالق أو استدعاء الأرواح، وهو مخالف تماماً للتوحيد.
  • الصحة النفسية: الدخول في حالات من التخييل أو فقدان السيطرة على العقل والجسد قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية أو حتى حالات من الهلوسة.
  • الاستدراج: يبدأ الأمر بتمارين بسيطة ثم ينزلق الممارس تدريجياً إلى طقوس واعتقادات خطيرة، خاصة مع الفضول أو الرغبة في "تجربة أعمق".

رابعاً: كيف تميز بين التنفس الصحي والتنفس الطقوسي؟

إليك بعض العلامات التي تساعدك على التمييز:

  • إذا كان التنفس يُمارس تحت إشراف طبيب وفي مستشفى أو عيادة، فهو صحي.
  • إذا طُلب منك ممارسة التنفس في أوقات أو أيام محددة مرتبطة بالقمر أو الكواكب أو الظواهر الكونية، فهو طقوسي.
  • إذا كان التنفس يترافق مع خيالات أو صور ذهنية أو ترديد كلمات غير مفهومة، فهو طقوسي.
  • إذا كان الهدف هو "فتح البوابات" أو "الاتحاد مع الكون" أو "تحريك الطاقة"، فهو طقوسي.
  • إذا كان التنفس يُروج له كوسيلة لتحسين الصحة الجسدية أو النفسية دون إشراف طبي، فاحذر منه.

خامساً: رمزية الأرقام والترميز في مدارس التنفس

من الأمور التي انتشرت حديثاً استخدام أرقام معينة في تمارين التنفس (مثل 3-6-5 أو 4-7-8)، ويتم ربطها برموز أو "أكواد" سرية أو حتى أسماء شياطين أو كائنات في الفلسفات القديمة. هذه الأرقام ليست عشوائية في تلك المدارس، بل هي رموز خيميائية أو سحرية تُستخدم للاستدعاء أو فتح قنوات معينة حسب معتقداتهم.

سادساً: رسالة للمربين والآباء والمعلمين

احذروا من إدخال هذه الممارسات في المدارس، أو دور تحفيظ القرآن، أو الأنشطة الرياضية أو النفسية، حتى لو تم ترويجها باسم "العلم" أو "تطوير الذات". الأصل في ديننا واضح، ولا يحتاج إلى طقوس مستوردة لتحقيق الخشوع أو الراحة النفسية أو حتى تحسين الصحة.

خلاصة وتوصيات

  • التنفس الطبيعي أو الطبي هو نعمة من الله، وأي تدخل فيه يجب أن يكون تحت إشراف مختص.
  • لا تنخدعوا بالمصطلحات البراقة أو الوعود الزائفة حول "التنوير" أو "الشفاء الذاتي" أو "الاتحاد مع الكون".
  • أي ممارسة تتضمن طقوساً أو رموزاً أو أرقاماً أو خيالات أو ترديد كلمات غير مفهومة، فهي ليست من العلم ولا من الدين في شيء.
  • احرصوا على مصادر علمكم، وتأكدوا من خلفية المدرب أو المعالج قبل المشاركة في أي دورة أو ممارسة.
  • تذكروا قول الله تعالى: "هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم" [الشعراء: 221-222].

في الختام

التنفس هبة من الله، واستخدامه في العلاج يجب أن يكون منضبطاً بالعلم والدين. أما تحويله إلى طقوس أو وسائل لاستدعاء الغيب أو تحقيق الاتحاد مع "المصدر" أو "براهمان"، فهو من الانحرافات الخطيرة التي يجب الحذر منها والتحذير منها.

احمِ نفسك وأهلك ومجتمعك من هذه الممارسات، وكن واعياً لما يُروج له باسم الصحة أو التطوير الذاتي. العلم الصحيح والدين القويم هما طريق السلامة والنجاة في الدنيا والآخرة.

بقلم: فريق نور الحقيقة للتوعية الشرعية والعلمية

https://www.youtube.com/watch?v=0O6NGznnq9U

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك