التنمية البشرية وعلوم الطاقة: بين الحقيقة والوهم – رؤية علمية وشرعية شاملة
مقدمة في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع مفاهيم التنمية البشرية وعلوم الطاقة، وأصبحت حديث المجالس ووسائل الإعلام والدورات التدريبية، حتى دخلت إلى ال
مقدمة
في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع مفاهيم التنمية البشرية وعلوم الطاقة، وأصبحت حديث المجالس ووسائل الإعلام والدورات التدريبية، حتى دخلت إلى الجامعات والمراكز الدينية. لكن، هل هذه المفاهيم تستند إلى أسس علمية حقيقية؟ وهل تتوافق مع العقيدة الإسلامية؟ في هذا المقال، نستعرض حوارًا علميًا وشرعيًا مع الدكتورة عالية رجب، المتخصصة في فسيولوجيا الجسم والتغذية الرياضية والعلاجية، وعضو هيئة تدريس جامعي، والتي خاضت تجربة شخصية مع هذه العلوم، ثم أعادت النظر فيها من منظور علمي وديني.
رحلة شخصية مع التنمية البشرية وعلوم الطاقة
تروي الدكتورة عالية بداية دخولها عالم التنمية البشرية وعلوم الطاقة في مصر، حيث لفت انتباهها هذا المجال بحكم عملها في العلاج بالحجامة والتدليك. شاركت في الدورات التدريبية، واطلعت على كتبهم وتجاربهم، لكنها سرعان ما اكتشفت أن ما يُطرح في هذه الدورات يفتقر إلى الأسس العلمية. فالبحث العلمي يتطلب تجارب وبيانات واضحة يمكن قياسها وتكرارها، بينما وجدت أن علوم الطاقة تفتقر إلى أي دليل تجريبي أو وصفي، وكل ما يُقال عنها مجرد ادعاءات لا يمكن إثباتها علميًا.
بل أكثر من ذلك، لاحظت الدكتورة عالية أن هذه المفاهيم تتعارض مع العقيدة الإسلامية، خاصة عندما بدأت تدرس العقيدة في جامعة الأزهر، ووجدت أن كثيرًا من ما يُقال عن الطاقة والشفاء عن بُعد وتحويل الطاقة السلبية إلى إيجابية، هو في الحقيقة خزعبلات لا أساس لها من الصحة، ولو كان لها أساس علمي حقيقي لكان أصحابها أولى بنيل جوائز نوبل الطبية!
التنمية البشرية: مصطلحات مضللة وأثرها على المجتمع
توضح الدكتورة عالية الفرق بين "التنمية البشرية" و"تنمية الموارد البشرية". فتنمية الموارد البشرية تعني تطوير المهارات العملية والمهنية للفرد، كتعلم استخدام الحاسوب أو اكتساب مهارات جديدة في العمل. أما "التنمية البشرية" كما تُطرح في الدورات، فهي تركز على الجوانب النفسية والشعارات الرنانة مثل "حب الذات" و"حقق ذاتك"، وغالبًا ما تُقدم من أشخاص غير مؤهلين علميًا أو نفسيًا.
وتشير الأبحاث إلى أن كثيرًا من هذه الدورات أدت إلى نتائج عكسية، مثل ارتفاع نسب الطلاق وتفكك الأسر، بسبب الأفكار المغلوطة التي تُزرع في عقول المتدربين، مثل تعظيم النفس والأنانية على حساب الأسرة والمجتمع، مما يتعارض مع تعاليم الإسلام التي تدعو إلى التعاون والتكافل.
علوم الطاقة: بين الخرافة والشرك
تنتقد الدكتورة عالية بشدة ما يُسمى بعلوم الطاقة، وتوضح أن هذه المفاهيم مستوردة من فلسفات شرقية كالهندوسية والبوذية، حيث يعتقد أصحابها بوجود "طاقة كونية" أو "اله داخلي" يمكن للإنسان أن يتناغم معه ليحقق الشفاء أو السعادة. وتؤكد أن هذه الأفكار تتعارض مع التوحيد الخالص لله، إذ أن المسلم يعتقد أن الله هو الخالق المدبر، وأن النفع والضر بيد الله وحده.
وتحذر من خطورة إدخال هذه المفاهيم إلى البيوت تحت مسميات مثل "تأمل"، "يوجا"، "تنظيف الطاقة"، "العلاج بالأحجار الكريمة"، وغيرها، حيث يتم تلبيسها بلباس إسلامي زائف، مثل الادعاء بأن قراءة سورة البقرة أو رش الملح يطرد الطاقة السلبية، بينما الأصل في الإسلام أن البركة والشفاء تأتي من الله وحده، وأن الرقية الشرعية لا علاقة لها بهذه الطقوس.
انتشار التنمية البشرية وعلوم الطاقة: الأسباب والدوافع
ترى الدكتورة عالية أن انتشار هذه المفاهيم يعود إلى عدة أسباب، منها الفراغ الفكري، والرغبة في تجربة الجديد، وضعف القراءة في أصول الدين، والانبهار بكل ما يأتي من الغرب أو الشرق دون تمحيص. كما أن المراكز التدريبية وجدت في هذه العلوم تجارة رابحة، فانتشرت الدورات وفتحت المراكز دون رقابة أو تأهيل حقيقي.
وتضيف أن حتى بعض النخب والمتعلمين، بل وحتى بعض الملتزمين دينيًا، وقعوا في فخ هذه العلوم بسبب غياب الفهم الصحيح للضوابط الشرعية في التعامل مع الغيب والروح، وعدم إدراكهم لحدود العقل البشري في فهم ما خص الله به نفسه من علم الغيب.
الأعراض النفسية والاجتماعية لممارسي التنمية البشرية وعلوم الطاقة
تشير الدكتورة عالية إلى أن من أبرز الأعراض السلبية التي ظهرت على ممارسي هذه العلوم: الانفصال الأسري، ضعف الالتزام الديني، التمييع في مسائل الحلال والحرام، الانعزال عن المجتمع، بل وأحيانًا الإصابة بأمراض نفسية أو جسدية بسبب الاعتماد على أوهام العلاج بالطاقة بدلًا من الطب الحقيقي.
وتحذر من أن هذه العلوم تفتح الباب للبدع والشركيات، وتجعل الإنسان يتعلق بغير الله في جلب النفع أو دفع الضر، وهو ما نهى عنه الإسلام صراحة.
الرد العلمي والشرعي على دعاة الطاقة والتنمية البشرية
من الناحية العلمية، تؤكد الدكتورة عالية أن كل ما يُقال عن الطاقة الإيجابية أو السلبية أو الشاكرات أو العلاج عن بُعد، لا يستند إلى أي دليل تجريبي أو تشريحي في جسم الإنسان. فلا توجد أجهزة أو مقاييس علمية تثبت خروج أو دخول طاقة من الإنسان، وكل ما يُقال عن ذلك هو مجرد أوهام.
أما من الناحية الشرعية، فالإسلام يحث على التفكر والتدبر، لكنه يضع ضوابط صارمة في التعامل مع الغيب والروح. فالغيب المطلق لله وحده، والروح من أمر الله، ولا يجوز للإنسان أن يخوض فيها إلا بما ورد في الكتاب والسنة. وأي اعتقاد بأن هناك قوة أو طاقة أو حجر يجلب النفع أو يدفع الضر من دون الله، فهو نوع من الشرك.
الصوفية، مدارس الطاقة، والوعي: تشابه وتلاقٍ في الفكر الباطني
توضح الدكتورة عالية أن هناك تشابهًا كبيرًا بين الفكر الصوفي الباطني ومدارس الطاقة الشرقية، فكلاهما يقوم على فكرة الاتحاد مع الكون أو مع الإله الداخلي، ويستخدمان طقوسًا متشابهة مثل الذكر الجماعي أو التأمل أو ترديد ألفاظ معينة للوصول إلى حالة من "الوعي المطلق". وتحذر من خطورة هذه الأفكار التي تسللت إلى بعض المسلمين تحت مسميات براقة، لكنها في حقيقتها تهدم التوحيد وتفتح الباب للبدع والشركيات.
نظرة إلى بعض الممارسات الشائعة: اليوجا، الماكروبيوتيك، العلاج الانعكاسي، والأحجار الكريمة
- اليوجا والتأمل: أصلها ديانات وثنية، وتهدف إلى الاتحاد مع الإله الداخلي. حتى لو تم تبريرها كرياضة، فإن كثيرًا من تمارينها تحمل طقوسًا دينية لا يجوز للمسلم ممارستها. أما الاسترخاء والراحة النفسية الحقيقية، فهي في ذكر الله وقراءة القرآن.
- الماكروبيوتيك: نظام غذائي مستورد من فلسفات الشرق، يقوم على ثنائيات "ين ويانج"، ويمنع تناول بعض الأطعمة المفيدة، وقد ثبت علميًا أن له أضرارًا صحية، منها زيادة احتمالية الإصابة ببعض الأمراض.
- العلاج الانعكاسي (ريفليكسولوجي): يقوم على تدليك نقاط معينة في القدم أو اليد بزعم أنها مرتبطة بأعضاء داخلية. لا يوجد أي دليل علمي أو تشريحي يثبت صحة هذه الادعاءات، وقد يؤدي الاعتماد عليه إلى إهمال العلاج الطبي الصحيح.
- الأحجار الكريمة: التزين بها مباح، لكن الاعتقاد بأنها تجلب النفع أو تدفع الضر أو تجلب الرزق أو ترد الحسد، هو اعتقاد شركي محرم في الإسلام. فالنفع والضر بيد الله وحده.
نصيحة أخيرة
تختم الدكتورة عالية بنصيحة من القلب: علموا أبناءكم العقيدة الصحيحة، وعودوهم على الرجوع إلى الكتاب والسنة، وعدم تصديق كل ما يُروج له من علوم زائفة أو طقوس مستوردة. لا تدخلوا بيوتكم إلا ما وافق الفطرة والدين والعقل السليم. فالعقيدة هي الحصن الحصين من كل شبهات وشهوات، وهي الضمان لحياة طيبة في الدنيا والآخرة.
خاتمة
إن التنمية الحقيقية للإنسان تبدأ من إصلاح العقيدة والفكر، وليس من اللهث وراء الشعارات البراقة أو الطقوس الغامضة. العلم الحقيقي لا يتعارض مع الدين، بل يدعمه ويثريه، أما الأوهام والخزعبلات فلا تزيد الإنسان إلا بعدًا عن ربه وشتاتًا في دنياه. فلنعد إلى الأصول، ونحصن بيوتنا وأبناءنا من كل فكر دخيل، ولنجعل شعارنا: "سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير".
مصادر للقراءة والتوسع:
- القرآن الكريم والسنة النبوية
- كتب العقيدة الإسلامية الموثوقة
- الأبحاث العلمية المحكمة في مجالات التغذية والعلاج الطبيعي
- كتب نقد التنمية البشرية وعلوم الطاقة من منظور علمي وشرعي
بقلم: فريق الكتابة التعليمية
استنادًا إلى حوار الدكتورة عالية رجب
https://www.youtube.com/watch?v=IePZo5nK63U