الطاقــة الكونيــة: بين الحقيقة والخيــال – دراسة علمية وشرعية شاملة

مرحبًا بكم جميعًا في هذا المقال الشامل حول موضوع "الطاقة الكونية"، الذي أصبح حديث الساعة في مجتمعاتنا، وأثار الكثير من التساؤلات والجدل بين الحقيقة والخيال، وبين العلم والفلسفات الشرقية، وبين الدين والمعتقدات الحديثة. سنأخذكم في رحلة معرفية متكاملة نناقش فيها أصول هذا المفهوم، ونفكك ادعاءاته من الناحية الفلسفية والعلمية والشرعية والطبية، معتمدين على آراء مختصين وخبراء في هذه المجالات.

ما هي الطاقة الكونية؟ وكيف نشأ هذا المفهوم؟

في البداية، لا بد أن نفهم معنى الطاقة الكونية حسب ما يروج له ممارسوها. في الفيزياء، الطاقة هي القدرة على القيام بعمل أو إحداث تغيير، وتنقسم إلى طاقة حركية (كالطاقة الكهربائية والميكانيكية) وطاقة كامنة (كالطاقة الكيميائية والجاذبية). أما "الطاقة الكونية" فهي ليست من هذين النوعين، بل يُدعى أنها طاقة غيبية تحيط بالكون، وتحيي كل شيء فيه.

هذا المفهوم ليس علميًا، بل هو فلسفي روحي قديم، ظهر في الفلسفات الشرقية كالهندوسية والبوذية والطاوية، ثم انتقل إلى الصوفية الغالية وبعض الممارسات الحديثة. في هذه الفلسفات، الطاقة الكونية مرتبطة بمعتقد "وحدة الوجود"، الذي يرى أن الله والكون شيء واحد، أو أن الكون انبثق من "المصدر الإلهي" أو "العقل الكوني".

تطور المفهوم عبر الأديان والفلسفات

• الهندوسية: تعتبر أن "براهمان" هو المصدر الذي انبثق منه الكون والطاقة الكونية (البرانا).
• البوذية: لا تعترف بوجود خالق، وترى أن الطبيعة هي الإله، والطاقة الكونية هي "النَفَس" أو "البرانا".
• الطاوية: تسميها "التشي" وهي طاقة الحياة.
• الصوفية المغالية: تسميها "النور الإلهي" وتربطها بالكشوفات الروحية.
• الكبّالة اليهودية: تتحدث عن "النور السماوي" والطاقة الكونية كقوة شفاء.
• الممارسات الحديثة: مثل الريكي، البرانا، الثيتا هيلينغ، وغيرها، كلها تعتمد على نفس الجذور الفلسفية.

كل هذه المدارس تتفق على أن الطاقة الكونية هي "الحقيقة المطلقة" أو "الوجود الكلي"، وأنها سر الحياة، وتتشكل في صور مختلفة حسب تجسدها في المادة أو الإنسان أو الأشياء.

الطاقة الكونية بين العلم والفيزياء الحديثة

يُروج كثيرًا أن الطاقة الكونية مثبتة علميًا، وأنها جزء من فيزياء الكم أو الطاقة الكهرومغناطيسية. لكن ماذا يقول العلم الحديث؟

رأي الفيزياء

• الطاقة في الفيزياء: هي القدرة على إحداث تغيير، ويمكن قياسها بأجهزة دقيقة (كالطاقة الكهربائية والمغناطيسية).
• الطاقة الكونية: لا يوجد أي دليل علمي ملموس أو تجربة مخبرية تثبت وجود طاقة كونية غير معروفة أو "هالة" حول الإنسان كما يدعي ممارسو الطاقة.
• فيزياء الكم: صحيح أن فيزياء الكم تطرح أفكارًا حول الاحتمالات والطبيعة المزدوجة للمادة، لكن لم تثبت أبدًا أن "وعي الإنسان" يخلق الواقع أو أن هناك طاقة كونية يمكن التحكم بها عبر النية أو التخيل.
• جهاز كيرليان: يُستخدم لالتقاط صور تفريغ كهربائي حول الأجسام، وليس له علاقة بقياس هالة طاقية روحية كما يُشاع.

استغلال المصطلحات العلمية

الفلسفات الباطنية كثيرًا ما تستعير مصطلحات فيزياء الكم (كالموجات، الترددات، الذبذبات، الأوتار...) لتضفي شرعية علمية على معتقداتها، لكنها في الواقع تخلط بين العلم والفلسفة دون دليل تجريبي.

الطاقة الكونية في ضوء الشرع والعقيدة الإسلامية

يحاول بعض مروجي الطاقة الكونية إسقاط مفاهيمها على نصوص دينية، مثل تفسير "الله نور السماوات والأرض" بأن الله هو الطاقة الكونية، أو أن الروح هي شرارة إلهية في الإنسان.

الرد الشرعي

• النور في القرآن: هو صفة من صفات الله عز وجل، وليس طاقة تنتقل أو يمكن التحكم بها. النور المخلوق (كالقمر والمصباح) يختلف عن نور الله غير المخلوق.
• الروح: هي مخلوقة من أمر الله، ولا يجوز القول إنها جزء من الله أو شرارة إلهية تحل في الإنسان. "ونفخت فيه من روحي" تعني إضافة تشريف، لا حلول أو اتحاد.
• العبادات: الصلاة والصيام والذكر ليست "شحنًا طاقيًا" أو تنظيفًا للهالة، بل هي خضوع لله وامتثال لأوامره، وهدفها رضا الله، لا تحقيق أهداف دنيوية أو طاقية.
• تناسخ الأرواح والكَرما: من العقائد الباطلة المخالفة للإسلام، ولا يجوز الإيمان بها أو ربطها بمفاهيم الطاقة الكونية.

الطاقة الكونية في الطب والتشافي

يدعي ممارسو الطاقة الكونية أن لها قدرة على علاج الأمراض، خاصة المناعية والمزمنة، وأنها تحقق الشفاء الذاتي والتجلي.

الرأي الطبي

• لا يوجد دليل علمي على وجود طاقة كونية تشفي الأمراض.
• تأثير البلاسيبو (الإيحاء النفسي) قد يفسر بعض التحسن في الحالات النفسية أو المزمنة، لكن لا يمكن الاعتماد عليه كعلاج.
• خطر الانخداع: كثير من المرضى يتركون العلاج الطبي الصحيح بحثًا عن الشفاء بالطاقة، مما يؤدي إلى تدهور حالتهم.
• خلفية فلسفية: التشافي بالطاقة الكونية مرتبط بعقائد وحدة الوجود، وليس له أساس علمي أو طبي.

فلسفة الوعي والارتقاء الروحي

تروج مدارس الطاقة لفكرة أن الإنسان يستطيع "الارتقاء بالوعي" والاتحاد مع الكون أو المصدر الإلهي، وأنه قادر على خلق واقعه وجذب ما يريد عبر النية والتخيل.

نقد هذه الفلسفة

• الوعي المقصود ليس الإدراك أو التفكر المشروع، بل هو الاتحاد مع الطاقة الكونية أو الذكاء الكوني، وهو مفهوم باطني مخالف للعقيدة الإسلامية.
• قوانين الجذب والاستحقاق: ليست قوانين علمية، بل فلسفات مأخوذة من الغنوصية والكبّالة وغيرها، ولا علاقة لها بالعلم أو الدين.
• خطرها العقائدي: تؤدي إلى تمييع العقيدة، وإلغاء الفوارق بين الخالق والمخلوق، وجعل الإنسان محور الكون.

خلاصة ونصائح عملية

بعد هذا العرض الشامل، يتبين لنا أن موضوع الطاقة الكونية ليس علمًا مثبتًا، ولا علاجًا طبيًا، ولا عقيدة صحيحة. بل هو خليط من الفلسفات الشرقية القديمة، والمعتقدات الباطنية، وبعض المصطلحات العلمية المستعارة دون دليل.

نصيحتنا لكل باحث عن الحقيقة:

• لا تتبع كل جديد دون تمحيص ونقد.
• راجع المصادر الأصلية للفلسفات والممارسات قبل تبنيها.
• اعتمد على العلم الصحيح، والعقيدة السليمة، والتجربة الطبية الموثوقة.
• لا تجعل دينك وعقيدتك مجالًا للتجارب أو الشبهات.
• تذكر أن التفكر في خلق الله، والسعي لتطوير النفس، مطلوبان شرعًا، لكن دون الخروج عن حدود الشرع والعقل.

مصادر المعرفة

مصادر المعرفة الأساسية في هذا الموضوع هي:

• العقل: في إدراك الآثار والربط المنطقي.
• الحس: في إدراك المحسوسات.
• الشرع: في الأمور الغيبية التي لا تدرك بالعقل أو الحس.

كلمة أخيرة

لا تراهن على دينك، ولا تضع ثقتك في كل ما يقال عن الطاقة الكونية أو غيرها من الممارسات الغامضة. ابحث بنفسك، اقرأ التاريخ والفلسفات والعلوم، وكن واعيًا لمصدر كل فكرة قبل أن تتبناها. الإسلام دين عظيم يحفظ للإنسان كرامته وعقله وروحه، فلا تفرط في هذه النعمة العظيمة.

دمتم بخير ووعي وسلامة عقيدة.

بقلم: فريق مختصين في الفلسفة، الفيزياء، الطب، والشريعة

لأي استفسار أو نقاش علمي وشرعي، تواصلوا معنا عبر التعليقات.

https://www.youtube.com/watch?v=t1E94vt-qYc