اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

الطاقة الأنثوية: المفهوم، الجذور، والمخاطر في ضوء الفكر الديني والفلسفي

في السنوات الأخيرة، انتشرت في عالمنا العربي والإسلامي مفاهيم مثل "الطاقة الأنثوية" و"موازنة الطاقات" و"رفع الوعي" وغيرها من المصطلحات القادمة من مدارس

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
5 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشرت في عالمنا العربي والإسلامي مفاهيم مثل "الطاقة الأنثوية" و"موازنة الطاقات" و"رفع الوعي" وغيرها من المصطلحات القادمة من مدارس الطاقة المعاصرة. يروج لهذه المفاهيم مدربون ومدربات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويقدمونها في دورات وورش عمل، وغالبًا ما يتم ربطها بتحسين جودة الحياة، والتحرر من العادات السلبية، والوصول إلى السعادة والنجاح. لكن ما حقيقة هذه المفاهيم؟ وما جذورها الفلسفية والدينية؟ وما المخاطر التي قد تنطوي عليها؟

في هذا المقال، سنسلط الضوء على مفهوم الطاقة الأنثوية، ونكشف عن جذوره في الديانات الشرقية القديمة، ونوضح كيف يتم تسويقه في العصر الحديث، وما هي الإشكاليات الدينية والاجتماعية المرتبطة به.

أولاً: ما هي الطاقة الأنثوية كما تروج لها مدارس الطاقة؟

عندما تسمع عن "الطاقة الأنثوية" أو "الطاقة الذكورية" من مدربي الطاقة، قد يتبادر إلى ذهنك أنها مرتبطة بالهرمونات أو الصفات البيولوجية للمرأة والرجل. لكن الحقيقة أن هذه المفاهيم أعمق من ذلك بكثير، فهي ليست مرتبطة فقط بالجسد أو المشاعر، بل هي فلسفات روحية مستوردة من ديانات وفلسفات شرقية، وتقوم على أفكار دينية وعقدية خطيرة.

مدربو الطاقة يزعمون أن داخل كل إنسان طاقات متعارضة (أنثوية وذكورية)، وأن تحقيق التوازن بينهما هو سر السعادة والنجاح. ويضعون نسبًا محددة للطاقة الأنثوية والذكورية (مثلاً: يجب أن تكون الطاقة الأنثوية 70% والذكورية 30% عند النساء)، دون أي دليل علمي أو منطقي على كيفية قياس هذه النسب أو تحديدها.

ثانياً: الجذور الدينية والفلسفية للطاقة الأنثوية

1. الهندوسية ومفهوم شاكتي وشيفا

ترجع فكرة الطاقة الأنثوية في أصلها إلى الديانة الهندوسية، حيث يُعتقد أن الكون خُلق من إله يُسمى "براهما"، وأن لهذا الإله تجليات مختلفة، منها "شيفا" (الإله المخنث: نصفه ذكر ونصفه أنثى)، و"شاكتي" (الطاقة الأنثوية الكونية). في هذه الفلسفة، يُنظر إلى شاكتي على أنها مصدر القوة والدمار والتغيير، وأنها تسكن في "شاكرة الجذر" لدى الإنسان، ويجب إيقاظها عبر طقوس التأمل والمانترا واليوغا، وصولًا إلى حالة الاتحاد مع الكون.

2. البوذية وفكرة الين واليانغ

أما في الفلسفة البوذية، فهناك مفهوم "الين واليانغ" (الطاقة الأنثوية والذكورية)، ويقوم على فكرة التوازن بين المتضادات (الماء والنار، الليل والنهار، الذكر والأنثى). ويُعتقد أن تحقيق هذا التوازن يؤدي إلى الاستنارة والوعي الكوني.

3. العصر الجديد (New Age) وتوظيف الطاقات

في العصر الحديث، أعيد تسويق هذه المفاهيم ضمن ما يُسمى بـ"العصر الجديد"، حيث تم دمجها مع علوم نفسية وتنموية، وأُضيفت إليها عناصر من الفلك والتنجيم والتنمية البشرية. وأصبح الهدف النهائي هو "التحرر الروحي" و"الاتحاد بالكون"، وغالبًا ما يتم استبدال مفهوم الإله بمفهوم "الكون" أو "الطاقة الكونية".

ثالثاً: كيف يتم تمرير هذه المفاهيم في مجتمعاتنا؟

يستخدم مروجو الطاقة أساليب متعددة لجذب الناس، خاصة النساء، إلى هذه الدورات والمعتقدات، منها:

  • ربط الطاقة الأنثوية بتحسين العلاقات والجمال والثقة بالنفس، فيوهمون المرأة أن سر السعادة يكمن في موازنة طاقتها الأنثوية.
  • تسويق دورات مجانية أو مدفوعة، مع الإيحاء بأن المعرفة الحقيقية لا تُمنح إلا في الدورات الخاصة المغلقة.
  • تقديم قصص وتجارب شخصية (غالبًا وهمية) لإقناع المتابعين بنجاح هذه الممارسات.
  • استخدام مصطلحات علمية زائفة مثل "الشاكرات"، "رفع الترددات"، "تنظيف الهالة"، دون أي أساس علمي حقيقي.
  • التركيز على التحرر من العادات والتقاليد والدين، واعتبارها مجرد "برمجة" يجب التخلص منها للوصول إلى "الوعي الكوني".
  • الدعوة إلى ممارسة طقوس وتأملات معينة، قد تتضمن ممارسات محرمة أو مخالفة للفطرة والدين، مثل التبادل الطاقي الجنسي، أو التأملات الجماعية، أو حتى العزلة والانفصال عن الأسرة والمجتمع.

رابعاً: المخاطر الدينية والاجتماعية لمفاهيم الطاقة الأنثوية

1. ضرب الثوابت الدينية

تقوم هذه الفلسفات على إفراغ العقيدة الدينية من مضمونها، واستبدال الإيمان بالله الواحد بالإيمان بالكون أو الطاقة الكونية. بل ويصل الأمر إلى تحريف معاني القرآن والسنة، والاستهزاء بالعلماء، والدعوة إلى التحرر من كل القيم الدينية والأخلاقية.

2. تدمير الأسرة والعلاقات الاجتماعية

من أخطر ما تروج له هذه الدورات هو فكرة "حب الذات" المبالغ فيه، و"التحرر من التعلق"، و"التخلي عن الآخرين"، حتى لو كانوا الزوج أو الأبناء. ويصل الأمر إلى تشجيع المرأة على الطلاق والانفصال، واعتبار الأسرة عبئًا يعيق تطورها الروحي.

3. تشجيع الممارسات المحرمة

تتضمن بعض هذه الدورات دعوات صريحة أو مبطنة لممارسات محرمة، كالتبادل الطاقي الجنسي، أو العادة السرية، أو ممارسة التأملات والطقوس الهندوسية والبوذية، وكل ذلك تحت شعار "إيقاظ الطاقة الأنثوية".

4. خلق جيل مفصول عن هويته ودينه

الهدف النهائي لهذه الفلسفات هو خلق جيل جديد يعبد الكون، ويعتبر نفسه إلهًا صغيرًا، ويقطع صلته بدينه وأسرته ومجتمعه، ويصبح تابعًا لمدربي الطاقة ومروجي العصر الجديد.

خامساً: كيف نواجه هذه الموجة؟

  • الوعي والمعرفة: يجب على الجميع، خاصة الآباء والأمهات، فهم حقيقة هذه المفاهيم وكشف جذورها وأهدافها.
  • الرجوع للعلماء والمتخصصين: في كل ما يتعلق بالعقيدة والدين، وعدم الانسياق وراء مدربي الطاقة أو التنمية البشرية دون تحقق.
  • تعزيز الهوية الدينية والثقافية: عبر التربية الصحيحة، والتمسك بالقيم الإسلامية التي تكرم المرأة وتحقق لها السعادة والكرامة الحقيقية.
  • عدم الانخداع بالمصطلحات البراقة: مثل "الوعي"، "التحرر"، "موازنة الطاقات"، فغالبًا ما تكون هذه مجرد واجهات لمفاهيم خطيرة.

الخلاصة

مفاهيم الطاقة الأنثوية كما تُروج اليوم ليست مجرد تمارين نفسية أو تطوير للذات، بل هي منظومة فكرية ودينية مستوردة من فلسفات وديانات شرقية، تهدف إلى زعزعة العقيدة، وتدمير الأسرة، وإضعاف المجتمعات. يجب أن نكون على وعي بهذه المخاطر، وأن نحصن أنفسنا وأبناءنا بالعلم الصحيح، والرجوع إلى الكتاب والسنة، وعدم الانسياق وراء كل جديد دون تمحيص.

حفظ الله مجتمعاتنا من كل فكر دخيل، ووفقنا جميعًا للتمسك بديننا وقيمنا، وجعلنا من الواعين المدركين لحقيقة ما يدور حولنا.

https://www.youtube.com/watch?v=x8DQxvf7PQ4

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك