اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

الطاقة والمدرسة النورانية: كشف الحقائق وتصحيح المفاهيم

في السنوات الأخيرة، انتشرت في المجتمعات العربية مفاهيم وممارسات جديدة تحت مسميات مثل "علوم الطاقة" و"المدرسة النورانية". هذه المصطلحات غالبًا ما يتم ت

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
7 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشرت في المجتمعات العربية مفاهيم وممارسات جديدة تحت مسميات مثل "علوم الطاقة" و"المدرسة النورانية". هذه المصطلحات غالبًا ما يتم تسويقها على أنها طرق حديثة للوعي والسعادة، أو وسائل علاجية وروحية مستمدة من الدين أو من التراث الإنساني. لكن ما حقيقة هذه المدارس؟ وما مدى ارتباطها بالعقيدة الإسلامية؟ وما المخاطر التي قد تترتب على اتباعها دون وعي أو تمحيص؟

في هذا المقال، سنسلط الضوء على أبرز النقاط التي وردت في نقاشات معمقة بين خبراء وباحثين في هذا المجال، معتمدين على التحليل الشرعي والعلمي، وموجهين النصيحة لكل باحث عن الحقيقة.

أولًا: أهمية بناء المعرفة لا مجرد التوعية

أحد أهم الدروس التي تكررت في النقاشات هو أن المعرفة الحقيقية هي السلاح الأول في مواجهة الشبهات الفكرية والممارسات الدخيلة. التوعية وحدها لا تكفي، بل يجب أن تُبنى المعرفة على أسس صحيحة، وأن يكون النقاش حول الأفكار والمناهج لا حول الأشخاص والأسماء. فبناء المعرفة يمكّن الفرد من التمييز بين الحق والباطل، ويمنحه القدرة على كشف الزيف بنفسه دون الحاجة للرجوع الدائم إلى المختصين.

ثانيًا: المدرسة النورانية – الجذور والتطور

1. الجذور الصوفية للمدرسة النورانية

المدرسة النورانية ليست مفهوماً جديداً، بل تعود جذورها إلى بعض الطرق الصوفية القديمة التي ظهرت منذ مئات السنين. هذه المدارس ركزت على ما يسمى بـ"مدرسة الذكر"، التي تروج لفكرة الوصول إلى "النور الإلهي" أو "التجلي" من خلال طقوس وأذكار خاصة، وغالبًا ما يتم ربطها بمفاهيم غامضة حول الروح والعالم غير المرئي.

2. المدرسة النورانية الحديثة ومدربي الطاقة

في العصر الحديث، ظهر جيل جديد من مدربي الطاقة الذين أعادوا صياغة أفكار المدرسة النورانية، ودمجوها مع مفاهيم الطاقة الكونية، وقوانين الجذب، والتأملات الشرقية. هؤلاء المدربون يقدمون أنفسهم أحيانًا على أنهم مناهضون للعلوم الزائفة، لكنهم في الواقع يروجون لمفاهيم دخيلة على الإسلام، ويستخدمون نصوصًا دينية بعد تأويلها بشكل باطني أو رمزي يتعارض مع التفسير الصحيح.

ثالثًا: التشابه والتطابق مع الديانات الشرقية والباطنية

من أبرز ما لوحظ في هذه المدارس هو التشابه الكبير، بل التطابق أحيانًا، بينها وبين مدارس الوعي والتأمل الشرقية مثل البوذية والهندوسية، بل وحتى مع بعض الممارسات السحرية القديمة كعلم السيمياء والخيمياء. فمصطلحات مثل "التجلي"، "الكارما"، "الهالة"، "الشاكرات"، وغيرها، كلها مستوردة من فلسفات غير إسلامية، وتمت إعادة تغليفها بعبارات دينية لجعلها أكثر قبولًا في المجتمعات العربية.

رابعًا: علم السيمياء والتجلي – جوهر الممارسات الباطنية

علم السيمياء، الذي يُعد في الإسلام من أبواب السحر، أصبح يُروج له تحت اسم "التجلي" في المدرسة النورانية. ويُقصد به مجموعة من الطقوس والممارسات التي يُزعم أنها تتيح للإنسان التواصل مع الغيب، أو الانتقال من العالم المادي إلى العالم الروحي. هذه الأفكار تتعارض صراحة مع العقيدة الإسلامية التي تؤكد أن علم الغيب لله وحده، وأن الروح من أمر الله لا يعلم حقيقتها إلا هو.

خامسًا: مخاطر تحويل العبادات إلى طقوس باطنية

من أخطر ما تفعله هذه المدارس هو تحويل العبادات الإسلامية إلى طقوس غامضة أو تعاويذ رقمية. فبدل أن تكون الصلاة والذكر وسيلة للتقرب إلى الله، يتم التعامل معها كوسائل لجلب الطاقة أو تحقيق مصالح دنيوية، أو حتى كأكواد رقمية لها "خدام" من الجن أو الملائكة! وهذا يؤدي إلى انحراف في النية، ويقع الإنسان في شرك خفي أو صريح دون أن يشعر.

سادسًا: علم الأرقام والترميز – من أين جاء؟

انتشرت في هذه المدارس فكرة أن لكل رقم أو آية أو اسم كود خاص، وأن تكرار الآيات أو الأذكار بعدد معين يجلب نتائج خارقة أو يستدعي "خدامًا" روحانيين. هذه الممارسات ليست من الإسلام في شيء، بل تعود جذورها إلى السحر البابلي والهندوسي، حيث يتم استدعاء الأرواح أو القوى الخفية عبر رموز وأرقام سرية.

سابعًا: خطورة الاعتماد على المنامات والإيحاءات

من الملاحظ أن كثيرًا من ممارسي هذه المدارس يعتمدون في تشريعاتهم على المنامات والإيحاءات الداخلية، ويعتبرونها مصدرًا للمعرفة أو حتى للتشريع الديني. وهذا خطر عظيم، إذ أن مصادر التلقي في الإسلام واضحة: القرآن، والسنة، وإجماع الصحابة، وأقوال العلماء الثقات. أما الاعتماد على المنامات أو الإلهامات الشخصية فهو باب واسع للضلال والاستدراج الشيطاني.

ثامنًا: الطبقية والسلطة الروحية

تنتشر في هذه المجتمعات مفاهيم الطبقية الروحية، حيث يُمنع المريد من الذكر أو ممارسة بعض الأوراد إلا بإذن من الشيخ. ويُربط التلميذ بشيخه ارتباطًا شديدًا قد يصل إلى حد التحكم في حياته وأسرته، وهو ما يعارض تمامًا مبدأ التوحيد والحرية الشخصية في الإسلام.

تاسعًا: تجارب شخصية أم حقائق علمية؟

كثير من المدافعين عن هذه المدارس يبررونها بتجارب شخصية أو قصص نجاح فردية. لكن التجربة الشخصية ليست دليلاً شرعيًا ولا علميًا، خاصة إذا كانت تخالف النصوص أو العقل أو نتائج العلم التجريبي. كما أن كثيرًا من هذه التجارب تكون ناتجة عن الإيحاء أو المصادفة أو حتى الاستدراج الشيطاني.

عاشرًا: نصائح عملية للباحثين عن الحقيقة

  • ابنِ معرفتك من مصادر موثوقة: اقرأ في القرآن والسنة، واطلب العلم من العلماء الثقات، وابتعد عن المصادر المشبوهة أو المجهولة.
  • لا تجعل التجربة الشخصية حجة مطلقة: التجربة قد تخدعك، فكم من إنسان ظن أنه على حق ثم اكتشف بعد سنوات أنه كان ضحية خداع أو استدراج.
  • احذر من تحويل العبادات إلى طقوس رقمية أو تعاويذ: العبادة في الإسلام لها مقاصد واضحة، ولا يجوز تحويلها إلى وسيلة لجلب الطاقة أو تحقيق الأمنيات الدنيوية بطريقة سحرية.
  • لا تتبع كل جديد دون تمحيص: ليس كل ما يلمع ذهبًا، فكم من فكرة أو ممارسة تبدو جذابة في ظاهرها لكنها تحمل في باطنها الضلال والانحراف.
  • استعن بالله وادعه أن يريك الحق حقًا: الهداية بيد الله، فادعه دائمًا أن يثبتك على الحق ويجنبك الشبهات.

الخلاصة

الطاقة والمدرسة النورانية ليستا سوى إعادة تدوير لمفاهيم باطنية شرقية وسحرية، تم تغليفها بقوالب إسلامية لجذب الناس الباحثين عن الشفاء أو السعادة أو النجاح. لكنها تحمل في طياتها مخاطر عظيمة على العقيدة والصحة النفسية والاجتماعية. فالحذر الحذر من الانجراف وراء هذه الموجات دون علم أو بصيرة. وليكن شعارنا دائمًا: "اقرأ وتعلم وتحقق، ولا تأخذ دينك إلا من مصادره النقية".

المعرفة الحقيقية هي درعك الأول في زمن الشبهات.

https://www.youtube.com/watch?v=4vDy-jcJpLY

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك