التوحيد بين الحق والباطل: التمييز بين الله الخالق والمفاهيم الدخيلة
الحمد لله الذي فطر السماوات والأرض، وجعل الملائكة رسلاً، له الحمد والشكر والثناء الحسن كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. نحمده ونستعينه، ونصلي ونسلم
مقدمة
الحمد لله الذي فطر السماوات والأرض، وجعل الملائكة رسلاً، له الحمد والشكر والثناء الحسن كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. نحمده ونستعينه، ونصلي ونسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
في هذا المقال، سنتناول موضوعًا بالغ الأهمية لكل مسلم، وهو التمييز بين الإيمان بالله الخالق الحق وبين المفاهيم الدخيلة التي انتشرت في عصرنا، مثل "الكون"، و"المصدر"، و"براهمن"، وغيرها من الأفكار التي يروج لها بعض أصحاب علوم الطاقة وغيرها من التيارات الفكرية الحديثة.
لماذا يجب أن نفرق بين الخالق والمخلوق؟
كل إنسان مفطور على العبادة، فلا يوجد بشر على وجه الأرض إلا ويعبد شيئًا، حتى الملحدون يعبدون أهواءهم أو أفكارهم. فإما أن يعبد الإنسان الحق، أو يقع في عبادة الباطل. وهنا تكمن أهمية معرفة الفارق بين الخالق والمخلوق، وبين الإله الحق والإلهة الباطلة.
في زمننا، ظهرت أفكار جديدة أو أعيد إحياء أفكار قديمة، مثل عبادة الكون أو الطاقة أو المصدر، وأحيانًا يتم خلط هذه المفاهيم باسم الله تعالى ليتم تمريرها للمسلمين. فهل الكون أو الطاقة أو براهمن هو الله؟ تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
قصة إبراهيم عليه السلام: منهج التمييز بين الخالق والمخلوق
أرشدنا القرآن الكريم إلى منهج واضح في التمييز بين الخالق والمخلوق من خلال قصة إبراهيم عليه السلام. فقد واجه قومه الذين عبدوا الكواكب والقمر والشمس، وأثبت لهم أن كل هذه المخلوقات ناقصة، تغيب وتظهر، ولا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًا، فكيف تكون إلهًا؟
قال تعالى:
"إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين" (الأنعام: 79)
فإبراهيم عليه السلام لم يعبد إلا من خلق كل شيء، ولم يتبع ما وجد عليه قومه من عبادة المخلوقات.
مفاهيم دخيلة: الكون، المصدر، براهمن
انتشرت في السنوات الأخيرة مفاهيم مثل "الكون"، و"المصدر"، و"براهمن"، وادعى البعض أن هذه الأسماء يمكن أن تشير إلى الله عز وجل، أو أن الكون هو الذي يستجيب للدعاء ويحقق الأمنيات، أو أن هناك طاقة كونية يمكن التواصل معها لتحقيق الأهداف.
أسطورة براهمن في الديانة الهندوسية
بحسب المعتقدات الهندوسية، براهمن هو مادة أزلية خرج منها الكون، ويُصوَّر أحيانًا أنه خالق ومخلوق في الوقت نفسه، وله زوجة وأبناء، ويتجسد في صور متعددة. كما يوجد في الهندوسية ما يسمى بـ"ثالوث الآلهة" (براهمن، فيشنو، شيفا)، وكل واحد منهم له دور في الخلق والحفظ والفناء.
هذه الأساطير مليئة بالتناقضات والنقائص، فلا يمكن أن يكون الخالق مخلوقًا، ولا أن يكون له زوجة أو أبناء، ولا أن يحل في المخلوقات أو يتحد بها.
وحدة الوجود والحلول والاتحاد
من أخطر هذه المفاهيم عقيدة "وحدة الوجود"، وهي الاعتقاد أن الله تعالى حالٌّ في كل شيء، أو أن الخالق والمخلوق شيء واحد. وهناك أيضًا عقيدة "الحلول" (أن الله يحل في المخلوقات) و"الاتحاد" (أن الله يتحد مع المخلوقات). وكلها عقائد باطلة تناقض التوحيد الخالص الذي جاء به الإسلام.
الله في الإسلام: الخالق المتفرد
في المقابل، علمنا الله عز وجل عن نفسه أنه الخالق البارئ المصور، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، ليس كمثله شيء، ولم يكن له كفوا أحد، لا يحل في شيء ولا يتحد مع شيء، وهو فوق سماواته مستوٍ على عرشه، بائن عن خلقه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض" (رواه البخاري)
وقال تعالى:
"بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم" (الأنعام: 101)
الله عز وجل ليس له بداية ولا نهاية، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن. لا يحتاج إلى أحد، وكل الخلق بحاجة إليه.
الفرق الجوهري بين التوحيد والباطل
- الله خالق غير مخلوق: بينما براهمن أو الكون في الأساطير مخلوق وخالق في آن واحد.
- الله واحد أحد: لا شريك له ولا ثالوث عندنا، بينما هناك تعدد للآلهة في المعتقدات الأخرى.
- الله لا يحل في شيء ولا يتحد مع شيء: بينما في العقائد الباطلة يقال بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود.
- الله ليس له زوجة ولا ولد: بينما في الأساطير يُنسب للآلهة زوجات وأبناء.
- الله غني عن العالمين: لا يحتاج إلى أحد، بينما الكون أو الطاقة في المفاهيم الدخيلة يُصور أنه بحاجة إلى توازن أو تناغم أو طقوس.
- الله فوق خلقه: بائن عنهم، بينما في العقائد الأخرى يقال إنه في كل شيء.
خطورة الانحراف عن التوحيد
الانحراف عن عقيدة التوحيد يضر الإنسان في دينه ودنياه، ويؤدي إلى الظلم الأكبر، وهو الشرك بالله عز وجل. والله سبحانه غني عن العالمين، ونحن الفقراء إليه. وكل ما يروج له من مفاهيم الطاقة والكون والمصدر وغيرها لا تعدو أن تكون أوهامًا وأساطير لا تغني عن الحق شيئًا.
قال تعالى:
"يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد" (فاطر: 15)
كيف نحصن أنفسنا؟
- الرجوع إلى القرآن والسنة: في معرفة الله وأسمائه وصفاته.
- الاعتصام بالعلماء الربانيين: وعدم اتباع كل من يتكلم باسم الدين دون علم.
- البيئة الصالحة: المحافظة على بيئة التوحيد والسنة، وعدم الانجرار وراء التيارات الفكرية المنحرفة.
- الافتقار إلى الله: الإقرار بالحاجة الدائمة إلى الله في كل أمور الحياة.
خاتمة
التوحيد هو أعظم ما يملكه المسلم، وهو سبب السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة. فلنحذر من كل ما يخالفه من أفكار دخيلة أو أساطير أو فلسفات بشرية. ولنتمسك بالإيمان الصافي بالله الخالق الواحد الأحد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
نسأل الله أن يهدينا لأحسن الأقوال والأعمال، وأن يثبتنا على التوحيد حتى نلقاه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
للمزيد من المعرفة:
- اقرأ عن أسماء الله وصفاته في كتاب "النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى" لمحمود عبد الرازق الرضواني.
- تدبر آيات التوحيد في القرآن الكريم، وخاصة سور الإخلاص، والأنعام، وفاطر.
- استعن بالله دائمًا، واطلب منه الهداية والثبات على الحق.
تذكر:
لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
https://www.youtube.com/watch?v=-fPXCXy1NUc