التوكيدات بين العلم والخرافة: كشف حقائق مدارس الطاقة والوعي
في السنوات الأخيرة، انتشرت ظاهرة التوكيدات الإيجابية بشكل واسع في الأوساط العربية، خصوصًا بين الشباب والفتيات الباحثين عن السعادة، النجاح، الثراء، أو
في السنوات الأخيرة، انتشرت ظاهرة التوكيدات الإيجابية بشكل واسع في الأوساط العربية، خصوصًا بين الشباب والفتيات الباحثين عن السعادة، النجاح، الثراء، أو حتى الشفاء من مشكلات نفسية أو جسدية. ومع تصاعد هذه الموجة، ظهرت مدارس ومدربون يروجون لمفاهيم "الوعي" و"الطاقة" و"قوانين الجذب"، ويقدمون التوكيدات كحلول سحرية لكل الأزمات. لكن ما حقيقة التوكيدات؟ وما الفرق بين استخدامها في علم النفس واستخدامها في مدارس الطاقة والوعي؟ وهل هي بالفعل طريق للنجاح أم فخ للعقل والدين؟
في هذا المقال، سنكشف لك خلفيات التوكيدات، أنواعها، جذورها الفكرية، وأخطر ما يمكن أن تسببه من أضرار نفسية ودينية، بناءً على تحليل علمي وشرعي ومنطقي.
أولًا: ما هي التوكيدات؟
التوكيدات ببساطة هي عبارات أو جمل يرددها الإنسان لنفسه، مثل: "أنا قوي"، "أنا أستحق النجاح"، "أنا أجذب المال"، "كل شيء يعمل لصالحي". الهدف المعلن منها هو برمجة العقل على التفكير الإيجابي، وزيادة الثقة بالنفس، وتحقيق الأهداف.
لكن هنا يجب التفريق بين نوعين من التوكيدات:
- التوكيدات في علم النفس:
تُستخدم التوكيدات كأداة مساعدة في العلاج النفسي السلوكي المعرفي، وتكون تحت إشراف مختصين معتمدين، وضمن خطة علاجية واضحة لعلاج مشكلات مثل القلق، الاكتئاب، أو الإدمان. هذه العبارات توجه للعقل الواعي لإعادة ترتيب الأفكار السلبية، ولا تُعتبر علاجًا قائمًا بذاته، بل جزءًا من منظومة علاجية متكاملة.
- التوكيدات في مدارس الطاقة والوعي:
هنا تتحول التوكيدات إلى عبارات روحية وعقدية، تُردد بهدف مخاطبة "الكون" أو "المصدر" أو "الطاقة العليا"، ويُروج لها على أنها قادرة على تغيير القدر، وجذب المال، وشفاء الأمراض، وجلب الشريك، وغير ذلك. وتُربط غالبًا بطقوس سحرية، وأفكار فلسفية دخيلة على العقيدة الإسلامية والمنطق العلمي.
ثانيًا: كيف تروج مدارس الطاقة للتوكيدات؟
مدارس الطاقة والوعي لا تكتفي بترديد العبارات، بل تضيف إليها طقوسًا وطرقًا غريبة، مثل:
- ترديد التوكيدات بصوت عالٍ أو أمام المرآة.
- كتابتها على ورق وحرقها أو وضعها تحت الوسادة أو في المحفظة.
- استخدام موسيقى "تحويلية" أو "سبليمنال" (برمجة سمعية خفية).
- مشاهدة صور مشحونة بالطاقة أو رموز سرية.
- ربط التوكيدات بمراحل القمر أو عدد معين من الأيام (21 أو 30 يومًا).
- دمجها مع طقوس الشاكرات أو التأمل أو حتى استخدام الأحجار.
كل هذه الممارسات تُقدم على أنها "علمية" أو "روحية"، بينما حقيقتها أنها مستمدة من فلسفات وثنية قديمة (الهندوسية، البوذية، الكابالا)، وتستند إلى أفكار العصر الجديد (New Age) التي تروج لتأليه الإنسان وجعل الكون هو المانح والمقدر.
ثالثًا: أخطر مفاهيم التوكيدات الطاقية
1. تأليه النفس والعقل الباطن
يروج مدربو الطاقة لفكرة أن "العقل الباطن" هو الإله الصغير في داخلك، وأنك تستطيع خلق واقعك وتغيير قدرك بمجرد تكرار العبارات الإيجابية. ويُربط ذلك بفكرة أن الكون هو الإله الأكبر الذي يستجيب لذبذباتك ونيتك، متجاهلين تمامًا وجود الله وقدرته ومشيئته.
2. إحلال الكون محل الله
تُحوّل التوكيدات هنا إلى نوع من الدعاء والرجاء، لكن ليس لله، بل للكون أو الطاقة أو المصدر. تُقال عبارات مثل: "اسمح للكون أن يمنحني الثراء"، "أنا أستحق الوفرة"، "كل شيء يتحقق لي كما أريد". وهذا انحراف خطير عن التوحيد، واستبدال للدعاء المشروع بطقوس شركية.
3. القوانين الكونية المزعومة
تروج هذه المدارس لما يسمى "قوانين الكون" مثل قانون الجذب، قانون الذبذبة، قانون المطابقة، وقانون النية. وتدعي أن تكرار التوكيدات يرفع ذبذباتك لتتوافق مع ذبذبات الكون، فيتحقق المطلوب! بينما لا يوجد أي دليل علمي أو شرعي على صحة هذه المزاعم.
4. الربط بالسحر والطقوس الوثنية
الكثير من طقوس التوكيدات مستمدة من السحر والشعوذة، مثل حرق الورق، استخدام الرموز، تفعيل العناصر الأربعة (النار، الماء، الهواء، التراب)، أو حتى تقديم القرابين (معنويًا) للكون. بل إن بعض التوكيدات تُكتب بأكواد سحرية أو رموز خيميائية، وتُربط بالكواكب والقمر.
رابعًا: الأضرار النفسية والدينية للتوكيدات الطاقية
- الانهيار النفسي والإحباط:
ينجرف الكثيرون وراء التوكيدات أملاً في تحقيق أحلامهم، وعندما لا يتحقق شيء، يدخلون في دوامة من الإحباط، المقارنات، جلد الذات، وربما الاكتئاب أو حتى الانفصام.
- إضعاف العلاقة بالله:
مع الوقت، يبدأ الممارس في الاعتماد على الكون والطاقة بدلًا من الله، ويضعف التوكل والدعاء، وتقل العبادات، ويحل الشك محل اليقين.
- الانحراف العقدي:
التوكيدات الطاقية تضرب صلب التوحيد، وتؤسس لعقيدة جديدة قائمة على تأليه النفس والكون، وتفتح الباب للبدع والخرافات والشركيات.
- فتح بوابات الوساوس والهلاوس:
بعض أنواع التوكيدات (خاصة السمعية والبصرية) قد تسبب اضطرابات عقلية، أرق، هلاوس، أو حتى وساوس قهرية، خصوصًا مع تكرار الطقوس الغريبة.
- الاستغلال المالي والعاطفي:
كثير من المدربين يستغلون حاجة الناس، ويبيعون لهم دورات وكورسات واشتراكات بمبالغ طائلة، دون أي فائدة حقيقية، بل قد يدفعونهم لمزيد من الاعتماد على هذه الدورات الوهمية.
خامسًا: التوكيدات في الإسلام وعلم النفس الحقيقي
- في الإسلام:
الدعاء والتوكل على الله، والأخذ بالأسباب المشروعة، والصبر، وحسن الظن بالله، هي الأسس الحقيقية لتحقيق الأمنيات وتجاوز الأزمات. أما أن يعتقد الإنسان أن الكون أو الطاقة أو العقل الباطن هو المانح والمقدر، فهذا انحراف خطير عن العقيدة.
- في علم النفس:
التوكيدات الإيجابية تُستخدم فقط كأداة مساعدة، وتحت إشراف مختصين، وضمن خطة علاجية واضحة. ولا يُروج لها على أنها قادرة على تغيير القدر أو جلب المال أو شفاء الأمراض دون أسباب واقعية.
سادسًا: كيف تحمي نفسك وأهلك من فخ التوكيدات الطاقية؟
- الوعي والمعرفة:
تعرّف على جذور هذه الممارسات، وكن ناقدًا لأي فكرة أو طقس يُروج له دون دليل علمي أو شرعي.
- اللجوء للمختصين:
إذا كنت تعاني من مشكلة نفسية أو سلوكية، راجع مختصًا معتمدًا، ولا تلجأ للمدربين أو المدربات غير المؤهلين.
- الحفاظ على عقيدتك:
اجعل توكلك ودعاءك لله وحده، وخذ بالأسباب المشروعة، وابتعد عن كل ما يشوب التوحيد أو يدخل في دائرة الشرك أو البدع.
- تحذير أبنائك وبناتك:
علّم أبناءك وبناتك مخاطر هذه الممارسات، وراقب ما يتابعونه على وسائل التواصل، خاصة المقاطع التي تروج للتوكيدات البصرية أو السمعية أو الطقوس الغريبة.
- عدم الانجرار وراء القصص الوهمية:
كثير من قصص النجاح التي تُنشر في مجموعات الطاقة والوعي مفبركة أو وهمية، الهدف منها فقط جذب المزيد من الضحايا.
خلاصة
التوكيدات ليست كلها شرًا، لكنها ليست الحل السحري الذي يروج له مدربو الطاقة والوعي. التوكيدات في علم النفس أداة علاجية محدودة، أما التوكيدات الطاقية فهي فخ كبير يهدد عقيدتك وعقلك ومالك وصحتك النفسية. كن واعيًا، وابحث دائمًا عن الدليل العلمي والشرعي، ولا تجعل نفسك فريسة للأوهام والخرافات.
وتذكر دائمًا:
"ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك".
اللهم احفظنا وأهلنا من الفتن، واهدنا للحق، وانصرنا على من يريد إضلالنا، وارزقنا العلم النافع والعمل الصالح.
شارك المقال مع من تحب، فربما تنقذ به عقلًا أو عقيدة أو نفسًا من الضياع.
https://www.youtube.com/watch?v=thFHJlcKNTc