اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

الوعي بين المفهوم الإسلامي والانحرافات المعاصرة: رؤية شرعية تربوية

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في زمن كثرت فيه المفاهيم الوافدة والمصطلحات الغريبة، أصبح من الضروري أن نميز بين الحق والباطل، وأن نعيد النظر في بعض المصطلحات التي انتشرت بين الناس، خاصة تلك التي تتعلق بتطوير الذات والتنمية البشرية، مثل "الوعي" و"الطاقة" و"الاستنارة". فما هو الوعي في المفهوم الإسلامي؟ وما الفرق بينه وبين ما يُروَّج له في بعض مدارس التنمية البشرية والطاقة؟

درجات الناس يوم القيامة... ومراتب الوعي

يخبرنا القرآن الكريم أن الناس يوم القيامة يتفاوتون في الدرجات، كما جاء في سورة الواقعة:

“وكنتم أزواجًا ثلاثة، فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة، والسابقون السابقون أولئك المقربون.”

فهناك السابقون في العمل الصالح، وأصحاب اليمين، وأصحاب الشمال. وكل مرتبة لها صفاتها ونتائجها، ويكون التفاضل بينهم بحسب العمل والتقوى والثبات على الصراط المستقيم.

مفهوم الوعي في اللغة والشرع

عندما نعود إلى معاجم اللغة العربية، نجد أن "الوعي" يعني حفظ الشيء وفهمه وتقبله. جاء في الحديث: "لا يعذب الله قلبًا وعى القرآن"، أي حفظه وفهمه وعمل به. فليس الوعي مجرد حفظ أو تلقين، بل هو فهم عميق واستيعاب للمعاني.

وفي القرآن الكريم والسنة النبوية، وردت كلمة "وعي" ومشتقاتها بمعنى الجمع والحفظ والفهم الصحيح للأمور، والتمييز بين الحق والباطل. فالمسلم الواعي هو الذي يدرك حقيقة الأمور، ويزنها بميزان الشرع، ويفرق بين الغث والسمين.

الوعي في مدارس التنمية البشرية والطاقة: تحريف وتبديل

أما في مدارس التنمية البشرية والطاقة، فقد تم تحريف مصطلح "الوعي" ليصبح له معانٍ دخيلة على ديننا. فهم يروجون لفكرة أن الإنسان يستطيع أن "يرتقي" في درجات الوعي حتى يصبح "متحدًا مع المطلق" أو "جزءًا من الإله"، وأنه يستطيع أن يغير أقداره بنفسه، ويصنع واقعه بعيدًا عن الإيمان بالقضاء والقدر.

ويُلبَّس هذا الأمر بعبارات براقة مثل: "كن واعيًا"، "أطلق قدراتك"، "تحكم في مشاعرك"، "انفصل عن الخارج وركز على الداخل"... إلى غير ذلك من الشعارات التي تبدو في ظاهرها تطويرًا للذات، لكنها في حقيقتها دعوة إلى الانفصال عن تعاليم الإسلام، وإلى الغرور والكبرياء، بل وإلى الشرك بالله عز وجل.

خطورة التلاعب بالمصطلحات

من أخطر ما يواجه المسلم اليوم هو التلاعب بالمصطلحات. فقد يأخذ أصحاب هذه المدارس كلمات من الشريعة أو اللغة أو حتى من الطب وعلم النفس، ويعطونها معاني جديدة تخدم أغراضهم. فمثلاً، كلمة "الوعي" عندهم لا تعني الفهم الصحيح أو الإدراك السليم، بل تعني الوصول إلى حالة من الاستنارة أو الاتحاد بالمطلق، وهو مفهوم دخيل على الإسلام.

لذلك يجب علينا أن نكون على وعي تام بمعاني الكلمات والمصطلحات، وأن نرجع إلى أصولها الشرعية واللغوية قبل أن نتبناها أو نروج لها.

الوعي الحقيقي في الإسلام: تزكية النفس والارتقاء بالطاعة

الوعي الذي يدعو إليه الإسلام هو وعي القلب، وفهم الدين، والتمييز بين الحق والباطل، والسعي لتزكية النفس وتطهيرها من الشرك والمعاصي. قال تعالى:

“قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها” (الشمس: 9-10).

والتزكية هنا ليست مجرد شعور داخلي أو حالة نفسية، بل هي عمل واجتهاد في الطاعة، ومجاهدة للنفس، وثبات على الصراط المستقيم حتى الموت. قال تعالى:

“واعبد ربك حتى يأتيك اليقين” (الحجر: 99)،

واليقين هنا هو الموت، وليس كما يروج له أصحاب الطاقة بأنه "الاستنارة" أو "الاتحاد بالمطلق".

الانحرافات العقدية في مفهوم الوعي الطاقي

من أشد الانحرافات التي انتشرت في بعض الدورات والبرامج ما يلي:

  • الدعوة إلى الاتحاد بالمطلق أو الحلول: أي أن الإنسان يصبح جزءًا من الإله أو يتحد به، وهذا كفر صريح.
  • الادعاء بأن الإنسان يصنع أقداره بنفسه: وهذا يناقض الإيمان بالقضاء والقدر.
  • تفريغ العبادات من محتواها: فيُقال للناس صلوا وصوموا، لكن النية تكون للكون أو للطاقة، وليس لله عز وجل.
  • الدعوة للانفصال عن المجتمع والأسرة: بحجة أن "وعيهم منخفض"، مما يؤدي إلى قطع الأرحام والعزلة والغرور.
  • الخلط بين المفاهيم الشرعية والمصطلحات الدخيلة: كاستخدام مصطلحات مثل "الوعي الأنثوي"، "الين واليانج"، وغيرها من الأفكار الشرقية والوثنية.

دور المسلم الواعي في مواجهة هذه الانحرافات

على المسلم أن يكون فطنًا، وأن يتحقق من كل مصطلح قبل أن يتبناه. فليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل ما يُقال عن تطوير الذات صحيحًا. يجب علينا أن نرجع إلى الكتاب والسنة، وأن نعرض المفاهيم الجديدة عليهما، فما وافقهما أخذناه، وما خالفهما تركناه.

كما يجب أن نربي أبناءنا وبناتنا على الفهم الصحيح للدين، وأن نحذرهم من الدورات والبرامج التي تروج لهذه الأفكار، خاصة تلك التي تستهدف الفتيات تحت مسميات مثل "الأنثى الواعية" أو "الوعي الأنثوي".

التواضع سمة العلماء والصالحين

من علامات الوعي الحقيقي التواضع، وليس الغرور أو الانفصال عن الناس. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخالط الفقراء والمساكين ويدعو الكفار إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يكن ينظر إلى أحد باستعلاء.

وكذلك كان العلماء الكبار مثل الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهم الله، يتواضعون للصغير والكبير، ويستمعون للنصيحة من الجميع.

خلاصة القول

الوعي في الإسلام هو الفهم الصحيح للدين، والعمل به، وتزكية النفس، والثبات على الطاعة حتى الموت. أما ما يُروج له في بعض المدارس المعاصرة من مفاهيم الوعي الطاقي أو الاستنارة أو الاتحاد بالمطلق، فهو انحراف عن الصراط المستقيم، ويجب الحذر منه.

فلنكن واعين بحق، ولنحرص على التمسك بالكتاب والسنة، ولنحذر من التلاعب بالمصطلحات والانحرافات العقدية.

نسأل الله أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه، وأن يثبتنا على دينه حتى نلقاه.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

نصائح عملية للتمييز بين المفاهيم الصحيحة والمنحرفة:

  • ارجع دائمًا إلى القرآن والسنة لفهم المصطلحات.
  • لا تتبنى أي مفهوم جديد حتى تتأكد من معناه عند أصحابه.
  • احذر من الدورات والبرامج التي تروج لفكرة التحكم بالقدر أو الاتحاد بالمطلق.
  • ربِّ نفسك وأبناءك على التواضع، وابتعد عن الغرور والانفصال عن المجتمع.
  • اجتهد في تزكية نفسك بالطاعة والعمل الصالح، ولا تغتر بالشعارات البراقة.

وفقنا الله جميعًا لما يحب ويرضى، وجعلنا من عباده المتقين الواعين.

https://www.youtube.com/watch?v=IPhDnfkomKo

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك