اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

الوقوف العائلي: حقيقة الممارسة وأبعادها النفسية والدينية

في السنوات الأخيرة، انتشر في العالم العربي ما يُعرف بـ"الوقوف العائلي" أو "أبراج الأسرة"، وهو نوع من الجلسات الجماعية التي يُزعم أنها تساعد على حل الم

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشر في العالم العربي ما يُعرف بـ"الوقوف العائلي" أو "أبراج الأسرة"، وهو نوع من الجلسات الجماعية التي يُزعم أنها تساعد على حل المشكلات النفسية والاجتماعية من خلال استحضار أو تمثيل صدمات الأجداد والأسلاف. في هذا المقال، سنستعرض أصل هذه الممارسة، آلياتها، مدى صحتها من الناحية العلمية والدينية، ونحذر من مخاطرها.

ما هو الوقوف العائلي؟

الوقوف العائلي هو ترجمة لمصطلح أجنبي يُعرف بـ"Family Constellations"، وقد أسسه الألماني بيرت هيلينجر (1925-2019) الذي عاش فترة طويلة في جنوب إفريقيا وتأثر بثقافة الزولو ومعتقداتهم حول أرواح الأسلاف. تقوم فكرة الوقوف العائلي على الاعتقاد بأن مشاكلنا الحالية، سواء كانت نفسية أو اجتماعية، قد تكون ناتجة عن صدمات أو أحداث مأساوية عاشها أجدادنا ولم تُحل، مثل القتل أو الانتحار أو الهجرة أو الكوارث الطبيعية.

خلال جلسة الوقوف العائلي، يجتمع عدد من الأشخاص في غرفة، ويقومون بتمثيل أفراد عائلة الشخص الذي يعاني من مشكلة ما. يُطلب من المشاركين الوقوف في أماكن معينة بناءً على إحساس العميل، ثم يُراقب المدرب أو الميسر التفاعلات بينهم، ويُزعم أن هذه العملية تكشف عن "ديناميكيات خفية" داخل الأسرة وتساعد على الشفاء.

الجذور الثقافية والدينية للممارسة

يرتبط الوقوف العائلي بمعتقدات قديمة لدى شعوب جنوب إفريقيا، خاصة الزولو، الذين يؤمنون بقوة أرواح الأسلاف وقدرتها على التدخل في حياة الأحياء. رغم أن معظمهم يعتنق المسيحية اليوم، إلا أنهم ما زالوا يمارسون طقوس استحضار الأرواح، ويعتبرون أن الشفاء أو الحماية من المصائب يمكن أن يتحقق عبر التواصل مع عالم الأرواح.

بيرت هيلينجر، مؤسس الوقوف العائلي، تأثر بهذه المعتقدات أثناء إقامته في جنوب إفريقيا، ودمجها في فلسفته العلاجية. ومن هنا انتقلت هذه الأفكار إلى أوروبا ثم إلى العالم العربي، حيث بدأت تُروج تحت مسميات مختلفة، أحيانًا بلمسة "إسلامية" أو "علمية" زائفة.

كيف تُمارس جلسات الوقوف العائلي؟

  • تجهيز الجلسة: يجتمع من 5 إلى 12 شخصًا في غرفة تحت إشراف مدرب أو ميسر.
  • اختيار المشاركين: يُختار بعض المشاركين لتمثيل أفراد عائلة الشخص صاحب المشكلة.
  • التمثيل: يقف كل مشارك في مكان معين بناءً على إحساس العميل، ويفترض أن كل واحد منهم يجسد مشاعر أو صدمات أحد أفراد العائلة.
  • المراقبة والتوجيه: يراقب الميسر الحوار والتفاعل بين المشاركين، ويقترح عبارات أو حركات معينة يُقال إنها تساعد في "حل المشكلة".
  • الاستبدال: في نهاية الجلسة، يُطلب من العميل أن يحل محل أحد الممثلين ليشعر بـ"الشفاء" أو "التحرر" من الصدمة.

يُقال إن هذه الجلسة كافية لعلاج صدمة واحدة فقط، ويجب تكرارها لكل مشكلة أو صدمة أخرى، ما يجعلها عملية لا تنتهي أبدًا.

نقد علمي وديني لممارسة الوقوف العائلي

الوقوف العائلي لا يستند إلى أي أساس علمي معترف به في علم النفس الحديث. بل يوصف أحيانًا بأنه نوع من "التصوف الكمي" أو "العلوم الزائفة"، حيث يتم الخلط بين مفاهيم فيزيائية وروحانية بلا دليل. لا توجد أبحاث موثوقة تثبت فعالية هذه الجلسات في علاج المشكلات النفسية أو الاجتماعية.

من أخطر ما في الوقوف العائلي أنه يقوم على فكرة استحضار أرواح الأجداد والتواصل معهم لطلب الشفاء أو حل المشكلات. في العقيدة الإسلامية، أرواح الموتى لا تتواصل مع الأحياء، ولا تظل معلقة في الدنيا بعد الموت، بل تنتقل إلى حياة البرزخ. قال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة}، وقال أيضًا: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}. أي أن الإنسان لا يُحاسب على ذنب غيره، ولا تنتقل إليه "لعنة" أو "كارما" أجداده.

كما أن ادعاء المدرب أو الميسر بمعرفة الغيب أو الاطلاع على "حقل المعرفة" أو "اللوح المحفوظ" هو من الأمور التي تتعارض مع قوله تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا}.

تستغل هذه الممارسات حاجة الناس للعلاج أو الشفاء، وتُروج لدورات باهظة الثمن دون أي ضمان للنتائج. كما أن بعض المدربين يطلبون من المشاركين الركوع أو أداء طقوس غريبة، بحجة تسليم النفس أو استحضار أرواح الأسلاف، وهو ما قد يفتح الباب للاستغلال الروحي والنفسي.

بدلًا من الشفاء، قد تؤدي هذه الجلسات إلى زيادة القلق والتوتر، بل وأحيانًا إلى اضطرابات نفسية جديدة بسبب الإيحاءات السلبية أو استحضار الذكريات المؤلمة. كما أن الاعتماد على تفسيرات غيبية أو "لعنة الأجداد" قد يدفع الشخص إلى الاستسلام للمشكلات بدل مواجهتها وحلها بشكل واقعي.

هل هناك دليل شرعي على انتقال الذنوب أو "اللعنة" عبر الأجيال؟

يحاول بعض المروجين للوقوف العائلي الاستشهاد بأحاديث نبوية أو آيات قرآنية لتبرير ممارساتهم، مثل حديث "العرق دساس" أو غيره. لكن معظم هذه الأحاديث إما ضعيفة أو لا تدل على انتقال الذنوب أو اللعنات، بل تشير فقط إلى انتقال بعض الصفات الجسدية أو الأخلاقية عبر الوراثة، وليس الذنوب أو المصائب.

أما عن الروح "المعلقة" بسبب الدين، فقد بيّن العلماء أن هذا يخص من تعمد عدم سداد دينه، وليس له علاقة باستحضار الأرواح أو الوقوف العائلي.

تجارب واقعية وتحذيرات

شارك بعض الأشخاص تجاربهم مع الوقوف العائلي، وأكدوا أن المدربين لا يشرحون حقيقة الجلسات قبل الدفع، ويكتفون بعبارات غامضة مثل "ستعرفين كل شيء بعد المشاركة". كما لاحظوا أن كل فترة تظهر "موضة" جديدة في عالم الطاقة، وكلها تدور حول نفس الفكرة: ربط مشكلات الحاضر بصدمات الماضي أو "كارما الأجداد".

وقد حذروا من الانسياق وراء هذه الدورات، خاصة مع انتشار تبريرات غير منطقية مثل الاستشهاد بمسلسل تركي أو قصص خيالية لإثبات صحة الوقوف العائلي.

الخلاصة: كيف نتعامل مع مشكلاتنا النفسية؟

  • الرجوع للعلم: إذا كنت تعاني من مشكلة نفسية أو اجتماعية، فاللجوء إلى مختصين معتمدين في العلاج النفسي هو الخيار الأفضل.
  • التمسك بالعقيدة: لا يوجد في الإسلام ما يسمى بلعنة الأجداد أو انتقال الذنوب عبر الأجيال. الدعاء والصدقة هما السبيل لمساعدة الأموات، وليس استحضار أرواحهم أو أداء طقوس غامضة.
  • الحذر من الشعوذة: لا تنخدع بالمظاهر العلمية أو الدينية الزائفة، فالكثير من هذه الممارسات لا تعدو كونها شعوذة واستغلالًا لحاجة الناس.
  • التثقيف الذاتي: اقرأ وابحث وتأكد من مصادر المعلومات قبل المشاركة في أي دورة أو جلسة علاجية غير معتمدة.

ختامًا

الوقوف العائلي ليس سوى موضة جديدة في عالم الطاقة والشعوذة، تستغل حاجات الناس وتخالف العلم والدين. احمِ نفسك وأهلك من الوقوع في فخ هذه الممارسات، وكن واعيًا لما يُروج له في وسائل التواصل الاجتماعي. ديننا واضح، وعلم النفس الحديث يوفر حلولًا علمية وآمنة لمشكلاتنا، فلا داعي للبحث عن الشفاء في طرق غامضة وخطيرة.

مصادر إضافية للقراءة:

  • القرآن الكريم والسنة النبوية
  • كتب علم النفس المعتمد
  • محاضرات عن خطر الشعوذة والطاقة في القنوات المتخصصة

دمتم بخير ووعي.

https://www.youtube.com/watch?v=fVfuMzjIRDM

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك