اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

الإيمان بالقضاء والقدر: مفتاح السكينة والتوازن في حياة المسلم

الحياة الدنيا متاع زائل، والآخرة هي دار القرار. هذه الحقيقة المحورية تشكل أساس نظرتنا للأحداث والتقلبات التي نمر بها في حياتنا. ومن أعظم ما يميز العقي

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
7 دقائق

الحياة الدنيا متاع زائل، والآخرة هي دار القرار. هذه الحقيقة المحورية تشكل أساس نظرتنا للأحداث والتقلبات التي نمر بها في حياتنا. ومن أعظم ما يميز العقيدة الإسلامية أنها ترسخ في قلب المؤمن الإيمان بالقضاء والقدر، ذلك الركن الأصيل الذي لا يكتمل إيمان المسلم إلا به. فما هو القضاء والقدر؟ ولماذا أمرنا الله بالإيمان به؟ وكيف يؤثر ذلك على سلوكنا وراحتنا النفسية؟

ما هو القضاء والقدر؟

القضاء والقدر هو إيمان المسلم بأن كل ما يحدث في هذا الكون إنما هو بعلم الله وإرادته وحكمته المطلقة، وأن كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض. فالله هو الملك القدير العليم، الذي لا يظلم أحداً، وكل ما يجري في الكون يجري بعلمه وتقديره.

لماذا أمرنا الله بالإيمان بالقضاء والقدر؟

الإيمان بالقضاء والقدر ليس مجرد فكرة فلسفية، بل هو ركن من أركان الإيمان، لا يصح إيمان العبد إلا به. فالله سبحانه وتعالى بحكمته أراد أن يختبر عباده، وجعلهم مكلفين، يأمرهم وينهاهم، ويحاسبهم على أعمالهم. ومن عدله أنه لا يحاسب العبد إلا على ما اختاره بنفسه، وما كان قادراً عليه، ولا يحاسب أحداً على ما أكره عليه أو كان خارجاً عن إرادته.

هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟

من الأسئلة الشائعة: هل الإنسان مجبر على أفعاله أم مخيّر؟ والجواب أن الله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان القدرة على الاختيار، وبيّن له طريق الخير والشر، وأرسل الرسل وأنزل الكتب. فكل إنسان مسؤول عن اختياره، ولن يحاسبه الله إلا على ما فعله بإرادته. أما علم الله السابق بما سيختاره العبد، فهو من كمال علم الله، لكنه لا يجبر الإنسان على فعل معين.

ولتقريب الصورة، تخيل أماً تعرف طباع أبنائها جيداً، وتعلم من منهم سيطيعها ومن سيخالفها عندما تضعهم في موقف معين. معرفتها المسبقة لا تعني أنها أجبرتهم على السلوك، بل كل واحد اختار بإرادته. ولله المثل الأعلى، فعلم الله الشامل لا يعني أن الإنسان مجبر، بل هو مختار مسؤول عن أفعاله.

عدل الله في القضاء والقدر

من كمال عدل الله أنه لا يحاسب الإنسان على ما لا يستطيع، ولا على ما أكره عليه. قال تعالى: "فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه"، أي أن من أُجبر على فعل محرم أو اضطر إليه فلا إثم عليه. وكذلك من أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، لا يُحاسب كمن فعل ذلك طواعية. فالله رحيم بعباده، يعلم ضعفهم، ويجازيهم بعدله ورحمته.

كيف نتعامل مع القضاء والقدر في حياتنا؟

الإيمان بالقضاء والقدر يمنح المسلم توازناً فريداً في حياته، ويحقق له الطمأنينة والسكينة. فهو يدرك أن كل ما يصيبه من خير أو شر إنما هو بتقدير الله، وأن عليه أن يبذل الأسباب، ثم يرضى بالنتائج. فلا يركن إلى الكسل ويترك العمل بحجة أن كل شيء مقدر، ولا يجزع إذا لم تتحقق أمانيه، بل يقول: "قدر الله وما شاء فعل".

بذل الأسباب والتوكل

المؤمن يجمع بين بذل الأسباب والتوكل على الله. فإذا أراد النجاح في امتحان، يذاكر ويجتهد، ثم يتوكل على الله ويرضى بما قسم له. وإذا لم يحصل على ما يريد رغم اجتهاده، يعلم أن الله اختار له الخير، فيرضى ويسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعقلها وتوكل"، أي اربط الناقة، ثم توكل على الله.

التوازن في الفرح والحزن

قال تعالى: "لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم". فالإيمان بالقضاء والقدر يمنع المسلم من الحزن الشديد على ما فاته، أو الفرح المفرط بما ناله من نعم، لأنه يعلم أن كل شيء زائل، وأن الله قادر أن يعطي ويمنع متى شاء. فالنعم ليست دائمة، والمصائب ليست أبدية، وكل شيء بيد الله.

الرضا والطمأنينة

من أعظم ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر: الرضا بما قسم الله، والراحة النفسية العجيبة التي يشعر بها المؤمن. فهو يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. فلا يعيش في قلق دائم، ولا يلوم نفسه أو غيره على ما جرى، بل يسلم أمره لله، ويعيش مطمئناً راضياً.

التخلص من الشرك

الإيمان بالقضاء والقدر يخلص القلب من التعلق بغير الله، فلا يرى في الأسباب أو الأشخاص مصدراً للرزق أو الحفظ، بل يعلم أن الله هو الرزاق، وهو الحافظ، وهو المدبر. فلا يلجأ إلى الخرافات أو التعلق بالناس، بل يوجه قلبه إلى الله وحده.

حكم المصائب والابتلاءات

قد يتساءل البعض: لماذا يبتلينا الله بالمصائب؟ والجواب أن للمصائب حكم عظيمة، منها:

  • تعريف العبد بضعفه وحاجته إلى الله: عندما يفقد الإنسان نعمة كان يظنها دائمة، يدرك أنه ضعيف عاجز، وأن الله هو القوي القادر.
  • إيقاظ القلب من الغفلة: قد يعتاد الإنسان على الطاعة حتى تصبح عادة بلا روح، فإذا أصابته مصيبة، عاد إلى الله بقلب خاشع ودعاء مخلص.
  • تكفير الذنوب ورفع الدرجات: قد يكون البلاء سبباً في مغفرة الذنوب، ورفعة الدرجات عند الله.
  • تقدير النعم: لا يشعر الإنسان بقيمة النعمة إلا إذا فقدها، فيتعلم الشكر ويزداد قرباً من الله.
  • الزهد في الدنيا: المصائب تذكر الإنسان بأن الدنيا فانية، وأن السعادة الحقيقية في الآخرة.

الإيمان بالقضاء والقدر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كانت مليئة بالابتلاءات: فقد والده وهو في بطن أمه، ثم أمه، ثم جده، وفقد زوجته وأحب الناس إليه خديجة، وحوصر في الشعب، وذاق الجوع والفقر، ومع ذلك كان دائم الرضا، كثير الشكر، مبتسماً، متوكلاً على الله، لا يندم على ما فاته من الدنيا، ولا يفرح فرحاً يوقعه في الغرور بما ناله.

خلاصة

الإيمان بالقضاء والقدر ليس مجرد عقيدة نظرية، بل هو منهج حياة يمنح المسلم التوازن، والطمأنينة، والرضا، ويحرره من القلق والحزن المفرط، ويجعله متوكلاً على الله، شاكراً في النعم، صابراً في البلاء. فكن مؤمناً بالقضاء والقدر، وابذل الأسباب، وارضَ بما قسم الله لك، تكن أسعد الناس.

اللهم ارزقنا الرضا بقضائك، واليقين بحكمتك، وطمأنينة القلب بالإيمان بك، واجعلنا من السعداء الراضين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

https://www.youtube.com/watch?v=VnwhtoAUMeA

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك