اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

الإيمان بالقضاء والقدر: سر السعادة وراحة النفس

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: يُعد الإيمان بالقضاء والقدر أحد أعظم أركان الإيمان في الإسلام، وهو من المفاهيم العميقة التي تمنح الق

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

يُعد الإيمان بالقضاء والقدر أحد أعظم أركان الإيمان في الإسلام، وهو من المفاهيم العميقة التي تمنح القلب طمأنينة والعقل راحة، وتساعد المسلم على مواجهة تقلبات الحياة بثبات ويقين. في هذا المقال، سنستعرض مفهوم القضاء والقدر، مراتبه، أنواعه، وأثر الإيمان به في حياة المسلم، مع الرد على بعض الشبهات المنتشرة في عصرنا.

ما هو القضاء والقدر؟

القضاء والقدر هما إيمان بأن كل ما يحدث في الكون من خير أو شر، صغير أو كبير، إنما هو بعلم الله وإرادته ومشيئته وخلقه. لا يخرج شيء عن تقديره سبحانه، فهو العليم الحكيم الذي أحاط بكل شيء علمًا، وكتب كل شيء في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.

قال تعالى:

"وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر..." (الأنعام: 59)

أركان الإيمان ومراتب القدر

الإيمان بالقضاء والقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان، ولا يصح إيمان العبد إلا به. وقد بين العلماء أن للقدر أربع مراتب يجب الإيمان بها:

  • العلم: الإيمان بأن الله تعالى علم كل شيء، ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وأن علمه شامل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
  • الكتابة: أن الله كتب مقادير كل شيء في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.

قال النبي ﷺ: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة." (رواه مسلم)

  • المشيئة: أن كل ما يقع في الكون إنما يقع بمشيئة الله، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
  • الخلق: أن الله خالق كل شيء، حتى أفعال العباد، فهو الذي خلقهم وخلق أعمالهم.

أنواع التقدير

للقضاء والقدر أنواع بحسب التفصيل الزمني:

  • التقدير العام: وهو ما كتبه الله في اللوح المحفوظ من مقادير كل الخلق.
  • التقدير العمري: حين يُكتب للإنسان وهو في بطن أمه رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد بعد نفخ الروح فيه.
  • التقدير السنوي: في ليلة القدر من كل عام، حيث يُقدَّر ما سيحدث في السنة القادمة من أرزاق وأعمار وأحداث.
  • التقدير اليومي: قال تعالى: "كل يوم هو في شأن" (الرحمن: 29)، أي أن الله يدبر شؤون الخلق ويقضي بينهم كل يوم.

أثر الإيمان بالقضاء والقدر في حياة المسلم

الإيمان بالقضاء والقدر يمنح الإنسان راحة نفسية عظيمة، ويجعله راضيًا مطمئنًا مهما واجه من مصاعب أو ابتلاءات. فهو يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن كل شيء بقضاء الله وحكمته ولطفه.

قال النبي ﷺ:

"واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك." (رواه الترمذي)

من آثار الإيمان بالقدر:

  • الرضا وعدم الاعتراض: فلا يجزع الإنسان عند المصيبة، ولا يغتر عند النعمة، بل يشكر الله في السراء ويصبر في الضراء.
  • العمل بالأسباب مع التوكل: يبذل المسلم جهده ويسعى في حياته، لكنه يعلم أن النتائج بيد الله، فيرتاح قلبه ولا يلوم نفسه أو القدر إذا لم يحصل على ما أراد.
  • التحرر من الحسد والحقد: لأن كل إنسان يأخذ نصيبه من الرزق والنجاح والجمال والصحة بحسب ما كتبه الله له.
  • الثبات أمام الشبهات: فالمؤمن بالقدر لا ينخدع بأقوال الدجالين أو المنجمين أو دعاة الطاقة وغيرهم ممن يدّعون التحكم في الأقدار أو معرفة الغيب.

الرد على الشبهات المعاصرة

في زمن انتشرت فيه مفاهيم الطاقة والتنمية البشرية والفكر البشري المنحرف، ظهرت دعاوى تقول إن الإنسان يصنع قدره بنفسه، أو أن الحظ هو مجرد اجتهاد شخصي، أو أن هناك من يملك أسرار الكون ويستطيع تغيير الأقدار. هذه كلها أقوال باطلة تخالف صريح القرآن والسنة.

  • الحظ في القرآن: نعم، ورد ذكر الحظ في القرآن، لكن معناه هو نصيب الإنسان الذي قدره الله له، وليس كما يدعي البعض أنه من صنع الإنسان فقط.
  • الدعاء والقدر: الدعاء من أعظم أسباب دفع البلاء وتغيير القدر المعلق، أما القدر المبرم المكتوب في اللوح المحفوظ فلا يتغير، لكن الله قد يجعل الدعاء سببًا لتغيير ما أطلع عليه الملائكة من الأقدار.
  • الاعتماد على الأسباب: الإسلام يأمر بالأخذ بالأسباب، لكن النتائج بيد الله وحده، فلا يحق للإنسان أن يغتر بجهده أو ييأس إذا لم يحصل على ما أراد.

كيف نرسخ الإيمان بالقضاء والقدر؟

  • تعرف على الله وصفاته: كلما ازداد علمك بالله وعظمته وحكمته ولطفه، ازداد يقينك بأن كل ما يجري في الكون هو خير لك، ولو لم تدرك حكمته الآن.
  • تدبر القرآن والسنة: اقرأ آيات القضاء والقدر، وتأمل قصص الأنبياء والصالحين وكيف واجهوا الابتلاءات برضا ويقين.
  • تجنب مصادر الشبهات: لا تستمع لمن يشكك في أقدار الله أو يدعي التحكم فيها، وابتعد عن الدجالين والمنجمين ودعاة الطاقة.
  • الرضا والتسليم: إذا أصابك ما تكره، فقل: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، واحتسب الأجر عند الله، وذكر نفسك بأن اختيار الله لك خير من اختيارك لنفسك.

خلاصة

الإيمان بالقضاء والقدر هو سر السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة، وهو الذي يمنح القلب الطمأنينة ويبعد عنه القلق والحزن. فكل ما يحدث لنا مكتوب ومقدر بعلم الله وحكمته، وما علينا إلا أن نرضى ونسلم ونحسن الظن بالله، ونعمل بالأسباب المشروعة، ونبتعد عن الشبهات وأهل الضلال.

نسأل الله أن يرزقنا إيمانًا راسخًا ويقينًا صادقًا، وأن يجعلنا من الراضين بقضائه وقدره، وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مراجع للاستزادة:

  • كتاب "شرح العقيدة الطحاوية"
  • كتاب "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل" لابن القيم
  • صحيح البخاري ومسلم، باب الإيمان بالقدر

تنبيه:

احرص دائمًا على تلقي العلم من مصادره الصحيحة، وابتعد عن الدورات والمصادر المشبوهة، فالعلم الشرعي هو النور الذي يهديك إلى الحق ويجنبك الوقوع في الضلال والبدع.

وأخيرًا:

الحياة مليئة بالأقدار المتنوعة، وما دمت مؤمنًا بأن الله هو المدبر الحكيم، فاعلم أن كل ما يجري لك هو خير، فاطمئن وارضَ وكن من الشاكرين.

https://www.youtube.com/watch?v=f26l_WyMAT4

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك