مدربات الطاقة وسحر العصر الحديث: كشف الخفايا والأخطار
في السنوات الأخيرة، انتشرت في مجتمعاتنا العربية والإسلامية موجة جديدة من "مدربات الطاقة والوعي"، وهن نساء من بيئتنا يتحدثن بلغتنا ويرتدين ملابسنا، ويق
في السنوات الأخيرة، انتشرت في مجتمعاتنا العربية والإسلامية موجة جديدة من "مدربات الطاقة والوعي"، وهن نساء من بيئتنا يتحدثن بلغتنا ويرتدين ملابسنا، ويقدمن أنفسهن كخبيرات في تطوير الذات وتحقيق السعادة والسلام الداخلي. لكن خلف هذا المظهر العصري، يكمن منهج خطير يرتبط بممارسات السحر والشعوذة، وإن كان مغلفًا بمصطلحات علمية أو روحية حديثة.
السحر بثوب عصري
قديماً، كان يُنظر إلى الساحر على أنه رجل مسن يعيش في غرفة مظلمة، يمارس طقوساً غامضة ويستخدم البخور والتعاويذ، ويقصده الناس طلباً للرزق أو الشفاء أو حل المشكلات. أما اليوم، فقد تغيرت الصورة تماماً. أصبحت "مدربة الطاقة" شابة أنيقة تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي، تروج لفكرة "نسختك الجديدة" وتوهم المتابعين بأنهم قادرون على تغيير حياتهم جذرياً من خلال دورات أو جلسات طاقة أو تأمل.
هذه المدربات يستخدمن أساليب تسحر أعين وأسماع الناس: صور من رحلات فاخرة، ووعود بحلول سريعة وسحرية لمشكلات الحياة، وجمل غامضة توحي بعمق معرفي أو قدرات خارقة. لكن في الحقيقة، كثير من هذه الممارسات ليست سوى إعادة إنتاج لطقوس السحر والشعوذة، وإن اختلفت الأسماء والشعارات.
كيف يخدع السحر الحديث العقول؟
تعتمد مدارس الطاقة الحديثة على استيراد فلسفات شرقية وغربية مثل الريكي، الشاكرات، التانترا، الأكسس بارز وغيرها. وتقوم هذه الفلسفات على أفكار غيبية، مثل وجود "طاقة كونية" يمكن التحكم بها، أو رموز سرية تمنح قوى خاصة، أو استحضار أرواح وتواصل مع عوالم خفية.
لكن عند التدقيق العلمي، نجد أن هذه المفاهيم لا تملك أي أساس تجريبي أو دليل علمي حقيقي. فلا توجد وحدة قياس للطاقة المزعومة، ولا يمكن رصدها أو التأكد من وجودها بأجهزة علمية. حتى الأجهزة التي يُروَّج لها مثل "كاميرا كيرليان" التي تزعم تصوير الهالة، ثبت أنها مجرد خدعة تعتمد على تأثيرات ضوئية للغازات المحيطة بالأجسام.
لماذا تستهدف هذه الموجة النساء بشكل خاص؟
تشير النقاشات إلى أن طبيعة المرأة العاطفية وحبها للبحث عن السعادة والسلام الداخلي يجعلها أكثر قابلية للانخداع بهذه الأفكار. كما أن المدربات يجدن سهولة في التواصل مع النساء الأخريات، ويستطعن التأثير عليهن بشكل أكبر من الرجال، خاصة في مجتمعاتنا المحافظة حيث قد يكون التواصل بين الجنسين محدودًا.
إضافة إلى ذلك، يتم استغلال صورة المرأة الجميلة والجذابة في التسويق لهذه الدورات، ما يجذب حتى بعض الشباب الذين قد لا يكون لديهم اهتمام سابق بهذه المواضيع، فينخدعون بالمظهر قبل أن يدركوا حقيقة المحتوى.
النتائج الخطيرة لممارسة "علوم الطاقة"
من خلال تجارب واقعية لعدد من المشاركات في هذه الدورات، تبين أن الانخراط العميق في ممارسات الطاقة يؤدي إلى آثار سلبية متعددة:
- الصحة الجسدية: كثير من الممارسات تؤدي إلى ظهور أعراض جسدية غامضة مثل آلام مزمنة، إرهاق، اضطرابات هرمونية، دون وجود سبب طبي واضح. وغالباً ما تكون هذه نتيجة التأثر النفسي أو حتى تلاعب الجن والشياطين كما يحذر بعض المختصين الشرعيين.
- الصحة النفسية: يعاني الكثير من الممارسات من مشاعر الإحباط، القلق، فقدان التوازن النفسي، رغم الصورة السعيدة التي يظهرن بها على وسائل التواصل.
- الدين والعقيدة: مع الوقت، يضعف الالتزام الديني لدى بعض الممارسات، وتبدأ الأفكار الإلحادية أو العقائد المنحرفة في التسلل إلى عقولهن، مثل الإيمان بوحدة الوجود أو نكران الثوابت الدينية، بل ويصل الأمر أحياناً إلى التعامل المباشر مع الجن والشياطين.
- تفكك الأسرة والمجتمع: استهداف المرأة بهذه الموجة له أثر خطير على الأسرة والأجيال القادمة، إذ أن الأم هي المدرسة الأولى للأبناء، وإذا انحرفت عن الطريق القويم، تأثر بذلك المجتمع بأكمله.
سحر العقول لا يقل خطورة عن سحر الطلاسم
ليس كل سحر هو طلاسم وتعاويذ فقط. هناك سحر العقول، وهو القدرة على خداع الناس وإقناعهم بأفكار باطلة تحت غطاء العلم أو التنمية الذاتية. هذه الخدعة تستخدم مصطلحات براقة مثل "الطاقة الإيجابية"، "التأمل"، "السلام الداخلي"، لكنها في جوهرها تفتح أبواباً للانحراف العقدي والسلوكي.
دور وسائل الإعلام والمسلسلات
زاد من انتشار هذه الأفكار المسلسلات والبرامج التي تروج للغموض والسحر والشعوذة، خاصة في مواسم مثل رمضان، حيث تزداد نسب المشاهدة. وتجد هذه المواضيع رواجًا كبيرًا بين الشباب والفتيات، بسبب حبهم لاكتشاف المجهول أو الهروب من الواقع.
كيف نحمي أنفسنا ومجتمعاتنا؟
- الوعي والتثقيف: يجب نشر الوعي بحقيقة هذه الممارسات وخطورتها، وتوضيح الفروق بين العلم الحقيقي والعلوم الزائفة.
- العودة للثوابت الدينية: الالتزام بتعاليم الدين والرجوع للقرآن والسنة يحمي الإنسان من الوقوع في فخ هذه الأفكار المنحرفة.
- التأكد من مصادر المعلومات: عدم الانجراف خلف كل ما يُنشر على وسائل التواصل، والبحث عن الأدلة العلمية والشرعية قبل تصديق أي فكرة أو ممارسة جديدة.
- دعم الأسرة: تقوية الروابط الأسرية وتقديم الدعم النفسي للأبناء، حتى لا يبحثوا عن حلول سحرية لمشكلاتهم خارج إطار الأسرة والدين.
خلاصة القول
مدربات الطاقة والوعي هن ساحرات العصر الحديث، وإن اختلفت الأسماء والملابس. السحر لم يعد في الغرف المظلمة فقط، بل انتقل إلى الشاشات والدورات ووسائل التواصل الاجتماعي. الحذر كل الحذر من الانخداع بهذه المظاهر، فخلفها أخطار عظيمة على الدين والصحة والعقل والمجتمع.
لنكن واعين، ولنحمي أنفسنا وأسرنا من هذا السحر الجديد.
https://www.youtube.com/watch?v=5Tl0Eizloj8