اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

مدارس الطاقة والروحانيات: بين الحقيقة والوهم في ضوء العقيدة الإسلامية

في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع مفاهيم الطاقة الروحانية، اليوغا، الشاكرات، "طاقات القرآن"، ومدارس "النورانيين" في العالم العربي والإسلامي. كثير م

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
7 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع مفاهيم الطاقة الروحانية، اليوغا، الشاكرات، "طاقات القرآن"، ومدارس "النورانيين" في العالم العربي والإسلامي. كثير من الناس، خاصة الشباب، أصبحوا يتلقون هذه المفاهيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وغالبًا ما يتم تسويقها بغطاء ديني أو علمي، ما يسبب خلطًا كبيرًا في الفهم والاعتقاد. في هذا المقال، سنستعرض هذه المفاهيم ونحللها بموضوعية، مع توضيح الموقف الإسلامي منها، ونكشف كيف يمكن أن تؤدي إلى الانحراف عن العقيدة الصحيحة.

1. البداية: لماذا يبحث الناس عن الطاقة الروحانية؟

يميل الإنسان بطبيعته للبحث عن الطمأنينة والسعادة والراحة النفسية، خاصة في أوقات الفراغ أو الأزمات. في ظل تسارع الحياة وضغوطها، يبحث كثيرون عن حلول سريعة تحقق لهم التوازن النفسي والروحي. هنا تظهر مدارس الطاقة الشرقية (كاليوغا، الريكي، الشاكرات) التي تدعي أنها تمنح الإنسان طاقة إيجابية، وتفتح له أبواب السعادة والنجاح.

ومع الوقت، ظهرت محاولات "أسلمة" هذه المفاهيم، فصار البعض يربط بين تلاوة القرآن أو أسماء الله الحسنى وبين "تفعيل الطاقة"، أو يدعي أن لكل آية أو اسم طاقة خاصة يمكن تفعيلها بطقوس معينة.

2. أسلمة الطاقة: كيف دخلت المفاهيم الشرقية إلى مجتمعاتنا؟

عندما حاول مروّجو الطاقة الشرقية دخول المجتمعات الإسلامية، اصطدموا بحاجز العقيدة. فحتى المسلم العاصي يرفض الشرك أو عبادة الأصنام. فكان الحل هو "تغليف" هذه الممارسات بغلاف إسلامي: بدل ترديد أسماء أصنام أو رموز بوذية، يتم استبدالها بآيات قرآنية أو أسماء الله الحسنى، مع الحفاظ على نفس الطقوس (جلسات تأمل، خلوات، ترديد أرقام، استخدام البخور والأحجار...).

ظهر بذلك ما يسمى "مدرسة النورانيين" أو "طاقات القرآن"، التي تدّعي أن لكل آية أو اسم من أسماء الله طاقة خاصة، وأن هناك "خدامًا" من الجن أو الملائكة يحرسون هذه الطاقات، ويمكن امتلاكها عبر طقوس معينة أو خلوات روحية.

3. مدرسة النورانيين: المفاهيم والطقوس

تدّعي هذه المدرسة أن لديها أسرار الحروف والأرقام، وأنها قادرة على تسخير الجن "العلوي" أو "النوراني" لخدمة الإنسان، وأن هناك كرامات وهبات ربانية خاصة لأشخاص معينين أو "سلالة مختارة".

تشمل طقوسهم:

  • جلسات تأمل عميقة (تسمى أحيانًا "الرابطة" أو "اليوغا الإسلامية").
  • خلوات روحية وصيام خاص.
  • ترديد أسماء وأرقام معينة بزعم "تفعيل الطاقة".
  • استخدام البخور والأحجار الكريمة بطريقة طقسية.
  • الاعتقاد بوجود "ملوك الجن" أو "خدام الآيات" الذين يمنحون القوة أو الشفاء.
  • ربط الشاكرات بمفاهيم قرآنية مثل "السبع المثاني".

هذه الطقوس في حقيقتها ليست سوى إعادة إنتاج لممارسات وثنية أو بوذية أو هندوسية، مع تغيير المسميات فقط، لكنها تظل في جوهرها بعيدة عن الدين الصحيح.

4. أين الخلل؟ ولماذا هي خطيرة؟

أ. الانحراف العقدي

أخطر ما في هذه المدارس أنها تعزل الإنسان عن التوحيد الخالص، وتجعله يعتقد أن البركة أو الشفاء أو السعادة تأتي من طقوس أو طاقات خفية، لا من الله وحده. بل قد يصل الأمر إلى الاستعانة بالجن أو الشياطين تحت مسمى "خدام الآيات" أو "الجن المسلم"، وهو باب واسع من أبواب الشرك والسحر.

ب. استغلال الجهل والفراغ

غالبًا ما يقع ضحايا هذه المدارس من الشباب أو النساء الباحثين عن حلول لمشاكلهم النفسية أو الاجتماعية. يجدون في هذه الطقوس نوعًا من السيطرة أو التميز، لكنهم في الحقيقة يدخلون في دوامة من الأوهام، وقد يتعرضون لمشاكل نفسية أو مس شيطاني أو استغلال مادي.

ج. الخلط بين الدين والخرافة

يتم تسويق هذه الأفكار عبر ربطها بالقرآن أو السنة أو كرامات الأولياء، ما يجعل البعض يظن أنها جزء من الدين، بينما هي في حقيقتها دخيلة عليه.

5. موقف الإسلام: التفكر والتأمل المشروع

الإسلام يدعو إلى التفكر في خلق الله، وإعمال العقل، والتأمل في آيات الكون، لكن ليس بالمعنى الذي تدعو إليه مدارس الطاقة. فالتأمل في الإسلام هو إعمال للعقل والقلب في معرفة عظمة الخالق، وليس "إفراغ العقل" أو "اسكات الحواس" كما في التأمل الشرقي.

النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف ويتحنث في غار حراء، أي يتعبد ويتأمل في خلق الله، لكنه لم يكن يمارس طقوسًا غامضة أو يستدعي طاقات خفية.

أما ادعاء وجود طاقات خفية في القرآن أو أن لكل آية خدامًا من الجن، أو أن هناك أسرارًا لا يعرفها إلا "النورانيون"، فهذه كلها خرافات لا أصل لها في الشريعة.

6. الرد على الشبهات الشائعة

  • هل هناك طاقة في القرآن؟

القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين، لكن ليس بمعنى الطاقة الغيبية أو السحرية. الشفاء يكون ببركة كلام الله، وليس بطقوس أو أرقام أو خلوات.

  • هل يوجد جن مسلم يساعد في العلاج؟

التعامل مع الجن، حتى لو ادعى أحدهم أنه "مسلم"، باب خطير من أبواب السحر والشرك، وقد نهى عنه الشرع. الشفاء الحقيقي يكون بالرقية الشرعية والدعاء والتوكل على الله.

  • هل التأمل جزء من الدين؟

التأمل المشروع هو التفكر في خلق الله، وليس جلسات التأمل الشرقية التي تعتمد على إفراغ العقل أو استدعاء الطاقات.

7. نصائح عملية للوقاية من هذه الانحرافات

  • التمسك بالعقيدة الصحيحة: اعلم أن كل خير وبركة وسعادة من الله وحده، وليس من طقوس أو طاقات خفية.
  • الرجوع للعلماء الثقات: إذا أشكل عليك أمر، فاسأل أهل العلم والدين، ولا تأخذ دينك من مدربي الطاقة أو "المستبصرين".
  • الحذر من الدورات المشبوهة: كثير من الدورات التي تدعي العلاج بالطاقة أو تفعيل الشاكرات أو توأم الشعلة هي باب للاستغلال المادي والمعنوي.
  • الانشغال بالعبادة والعمل: الفراغ هو أرض خصبة للأوهام، فاملأ وقتك بما ينفعك في دينك ودنياك.
  • التمييز بين البركة والخرافة: البركة الحقيقية في الذكر والدعاء والعمل الصالح، لا في الأحجار أو البخور أو الطقوس الغامضة.

8. تجارب واقعية: ضحايا الطاقة والشعوذة

شارك بعض الحاضرين تجاربهم المؤلمة مع هذه المدارس، حيث تعرضوا لمشاكل نفسية وجسدية، بل وصل الأمر إلى التحرش الشيطاني أو فقدان المال أو تدمير العلاقات الأسرية. كثير منهم بدأوا الطريق بحثًا عن الشفاء أو الطمأنينة، لكنهم وجدوا أنفسهم في دوامة من الأوهام والكوابيس.

9. خلاصة القول: دين الله كامل وواضح

الإسلام دين واضح وبسيط، لا يحتاج إلى طقوس غامضة أو أسرار خفية أو وسطاء بين العبد وربه. كل من يدعي وجود "طاقات" أو "خدام آيات" أو "أسرار" لا يعرفها إلا هو، فهو إما جاهل أو دجال أو مستغل.

قال تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا" (المائدة: 3).

10. كلمة أخيرة

احرص على عقيدتك، وارجع دائمًا إلى القرآن والسنة وفهم السلف الصالح. لا تدع أحدًا يلبس عليك دينك أو يسرق منك طمأنينتك باسم الطاقة أو البركة أو النورانية. واعلم أن الشفاء والبركة والسعادة كلها بيد الله وحده، فاستعن به، وتوكل عليه، وابتعد عن كل ما يشوب عقيدتك أو يفسد قلبك.

مصادر موثوقة للعلم الشرعي:

  • القرآن الكريم وتفسيره من العلماء المعتمدين.
  • صحيح البخاري وصحيح مسلم وشروح العلماء.
  • فتاوى العلماء الكبار في مسائل الرقية والشفاء والتعامل مع الجن.
  • كتب العقيدة الإسلامية المعتمدة.

تنبيه:

كل ما ورد في هذا المقال هو تلخيص وتحليل لمجموعة من النقاشات الواقعية والتجارب الشخصية، ويهدف إلى التوعية والتحذير من الانحرافات العقدية المنتشرة في عصرنا.

شارك المقال مع من تحب، فقد تكون سببًا في إنقاذ شخص من الوقوع في براثن الدجل والشعوذة.

https://www.youtube.com/watch?v=BcTCzggK9-Y

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك