اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

مفهوم القوة بين الرؤية الإسلامية وخرافات التنمية البشرية

في عالم اليوم، يزداد الحديث عن "القوة" الشخصية والثقة بالنفس، وتنتشر برامج التنمية البشرية وورشات الطاقة والوعي، حتى أصبح كثير من الناس يبحثون عن أسرا

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
5 دقائق

في عالم اليوم، يزداد الحديث عن "القوة" الشخصية والثقة بالنفس، وتنتشر برامج التنمية البشرية وورشات الطاقة والوعي، حتى أصبح كثير من الناس يبحثون عن أسرار النجاح والتغيير في هذه الدورات. لكن، هل ما يُقدّم في هذه البرامج يتوافق حقًا مع المفهوم الإسلامي للقوة؟ أم أن هناك انحرافًا خطيرًا عن المسار الصحيح الذي رسمه لنا ديننا الحنيف؟

في هذا المقال، نستعرض مفهوم القوة في الإسلام، ونكشف كيف استُغل هذا المفهوم في بعض المدارس الحديثة بشكل سلبي، لنحذر من الوقوع في شباك الوهم والانحراف.

القوة في الإسلام: مفهوم متكامل

الإسلام دين واقعي يُراعي طبيعة الإنسان، ويعلمنا أن الإنسان في أصله ضعيف، كما قال الله تعالى:

"وخلق الإنسان ضعيفًا" (النساء: 28).

فالإنسان لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا إلا بإذن الله، مهما بلغ من مال أو صحة أو مكانة. ومع ذلك، يدعونا الإسلام إلى السعي لاكتساب القوة في جميع الجوانب: قوة الإيمان، قوة البدن، قوة الفكر، قوة الأخلاق، وقوة العمل.

قال النبي ﷺ:

"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير" (رواه مسلم).

القوة هنا ليست مجرد قوة عضلية أو مادية، بل هي قوة شاملة تشمل كل ما يعين المسلم على طاعة الله وخدمة دينه ونفع نفسه وأمته.

نماذج من الصحابة: كيف غيّرهم الإسلام؟

تأملوا في سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي كان قبل الإسلام مجرد راعٍ للغنم، غليظ القلب، لا يُؤبه له. لكن بعد أن أسلم، أصبح من أقوى البشر إيمانًا وقيادةً، حتى أن الشيطان كان يفر منه!

وكذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي لم يكن قبل الإسلام كما أصبح بعده: رمزًا للقوة في الصدق والثبات.

هذه التحولات العظيمة لم تكن نتيجة دورات تحفيزية أو تمارين طاقة، بل كانت ثمرة الإيمان الصادق، والتوكل على الله، والتمسك بالمنهج الرباني.

كيف نكتسب القوة الحقيقية؟

إذا كنا في الأصل ضعفاء، فكيف نصبح أقوياء؟

الجواب في كلمة عظيمة نرددها في الأذان:

"لا حول ولا قوة إلا بالله"

أي: لا تحول من حال إلى حال، ولا قوة على الطاعة أو دفع الشر إلا بالله وحده.

القوة الحقيقية إذن ليست من ذات الإنسان، بل هي عطاء من الله، يمنحها لمن يشاء من عباده إذا صدقوا في الإيمان، واستعانوا به، وسلكوا طريق الطاعة.

قال تعالى:

"إن الله يدافع عن الذين آمنوا" (الحج: 38).

خرافات التنمية البشرية: القوة الوهمية

في المقابل، نجد في بعض مدارس التنمية البشرية والوعي والطاقة مفاهيم خطيرة، تُقدّم للناس على أنها أسرار النجاح والسعادة، بينما هي في حقيقتها أوهام وانحرافات عن المنهج الصحيح.

من هذه الخرافات:

  • "أنت مغناطيس يجذب كل شيء"
  • "كل ما تحتاجه هو أن تؤمن بنفسك وتفكر إيجابيًا"
  • "أطلق العملاق بداخلك، واكتشف قدراتك الخارقة"
  • "الكون سينفذ أوامرك إذا أرسلت له التوكيدات"
  • "أنت الإله في داخلك، وقوتك تنبع من ذاتك"

هذه العبارات تُسوّق للناس فكرة أن الإنسان يستطيع أن يحقق كل شيء بنفسه، دون حاجة إلى الله، ودون اعتبار للقدر أو السنن الكونية. بل وصل الأمر ببعضهم إلى إنكار الذنب والجنة والنار، والتجرؤ على الله والأنبياء!

مخاطر هذه المفاهيم

  • تضخيم الذات: يصبح الإنسان أنانيًا، لا يرى إلا نفسه، ويعتقد أنه محور الكون، فيبتعد عن التعاون، والإيثار، والتواضع، وهي من أعظم أخلاق الإسلام.
  • الانفصال عن المجتمع: يُشجَّع الفرد على قطع علاقاته بأهله وأصدقائه إذا لم يحققوا له "الطاقة الإيجابية"، بحجة أنه يجب أن "يحب نفسه أولًا".
  • الجرأة على الله والدين: يصل الأمر ببعض المدربين إلى تحريف معاني القرآن والسنة، والتشكيك في الثوابت، بل والدعوة إلى الاستغناء عن الله!
  • الاعتماد على الأوهام: يُطلب من المتدرب أن يكتب توكيدات ويعيش في الخيال، ويعتقد أن الكون سيستجيب له، بينما يهمل الأسباب الحقيقية للنجاح.

الفرق بين القوة الحقيقية والوهمية

القوة في الإسلام تعني:

  • الاعتماد على الله مع الأخذ بالأسباب
  • التواضع وطلب العون من الله
  • الاعتراف بالضعف البشري
  • العمل الجاد، والصبر، والتعاون مع الآخرين
  • استخدام القوة في الخير، لا في التعدي والظلم

أما القوة الوهمية التي تروج لها بعض مدارس التنمية البشرية، فهي:

  • غرور وكبرياء فارغ
  • انفصال عن الواقع والمجتمع
  • اعتماد على الخيال دون عمل حقيقي
  • تعدي على حدود الله والدين

نماذج قرآنية توضح المفهوم الصحيح للقوة

في قصة سليمان عليه السلام وملكة سبأ، نجد مثالًا بديعًا على الجمع بين القوة البشرية والاعتراف بفضل الله.

  • ملكة سبأ كانت قوية في ملكها، لكن لما جاءها كتاب سليمان عليه السلام، لم تغتر بقوتها، بل استشارت قومها، وأقرت بضعفها أمام الحق.
  • سليمان عليه السلام، رغم ما أوتي من ملك وجنود وقدرات خارقة، قال حين رأى عرش ملكة سبأ أمامه:

"هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر"

لم ينسب الفضل لنفسه، بل لله، وعرف أنه في اختبار دائم.

  • في النهاية، اعترفت ملكة سبأ بضعفها، وأسلمت لله:

"قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين"

خلاصة: كيف نحصّن أنفسنا؟

  • ارجع إلى القرآن والسنة: افهم معاني القوة من كلام الله ورسوله، وابتعد عن التفسيرات المحرفة.
  • استعن بالله دائمًا: لا تعتمد على نفسك وحدها، بل اطلب العون من الله في كل أمر.
  • تعاون مع الآخرين: القوة في الجماعة، والتكامل، والتشاور، لا في العزلة والأنانية.
  • احذر من الدورات المشبوهة: لا تنخدع بالكلمات البراقة والوعود الكاذبة، ولا تدفع مالك لمن يبيعك الوهم.
  • اعترف بضعفك، واطلب القوة من الله: فالقوة الحقيقية هي في التواضع والعبودية لله، لا في ادعاء الألوهية أو الاستغناء عن الخالق.

دعاء

اللهم قونا في طاعتك، وارحم ضعفنا، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وكن لنا ولا تكن علينا.

اللهم ردنا إليك ردًا جميلًا، واهدنا إلى الحق، وثبتنا عليه.

في الختام:

القوة الحقيقية ليست في عضلاتك، ولا في خيالك، ولا في ترديد التوكيدات، بل في قلبك الموصول بالله، وفي عملك الصالح، وفي أخلاقك العالية.

فكن قويًا بالله، تكن أعظم الناس.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

https://www.youtube.com/watch?v=7rwwD84jQt4

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك