اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

مفهوم القوة بين الإسلام والمفاهيم الحديثة: رؤية تربوية شاملة

الحمد لله رب العالمين، الذي له القوة والعزة، والذي إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم. نستمد منه ا

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
5 دقائق

الحمد لله رب العالمين، الذي له القوة والعزة، والذي إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم. نستمد منه القوة، ونسأله الخير كله ونعوذ به من الشر كله، ونسأله أن ينير بصائرنا ويجعلنا من المهتدين الآمنين.

القوة في القرآن والسنة: نموذج إبراهيم عليه السلام

عندما نتأمل في القرآن الكريم، نجد أن القوة الحقيقية ليست في البطش أو الجبروت، بل في الثبات على الحق والتوكل على الله. انظروا إلى موقف إبراهيم عليه السلام عندما واجه المشركين بثبات وقوة إيمان، قائلاً: "وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانًا" (الأنعام: 81). هنا يظهر نوعان من القوة: قوة حقيقية مستمدة من التوحيد، وقوة موهومة مبنية على الشرك والباطل.

الله عز وجل يوضح أن الأمن الحقيقي لمن آمن ولم يخلط إيمانه بظلم (أي بشرك)، فهؤلاء لهم الأمن وهم مهتدون. القوة إذًا ليست في المظاهر أو الادعاءات، بل في صدق الإيمان ونقاء العقيدة.

تشويه مفهوم القوة في بعض مدارس التنمية البشرية

في عصرنا الحديث، انتشرت مفاهيم مغلوطة عن القوة عبر بعض مدارس التنمية البشرية والطاقة والوعي. كثير من الكتب والدورات تروج لفكرة أن القوة تنبع من الداخل، وأن هناك "شرارة إلهية" في داخل الإنسان، وأنه يستطيع أن يصنع قدره ويتحكم في كل شيء حوله. عبارات مثل "قوة الآن"، "قوة العقل الباطن"، و"القوة في داخلك" أصبحت شعارات رائجة.

هذه المفاهيم قد تبدو براقة، لكنها تحمل في طياتها انحرافًا خطيرًا عن العقيدة الصحيحة. فهي تزرع في النفس وهم الاستغناء عن الله، وتدعو الإنسان إلى الاعتماد على نفسه فقط، بل وتصل أحيانًا إلى ادعاء الألوهية أو الاتحاد مع الله – تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.

الإسلام يدعو إلى القوة... ولكن من أين؟

الإسلام دين القوة، لكنه يضع الأمور في نصابها الصحيح. يقول الله تعالى: "وخلق الإنسان ضعيفًا" (النساء: 28)، ويذكرنا بأصلنا المتواضع من تراب ونطفة. لكن في الوقت ذاته، كرم الله بني آدم وفضلهم، ودعاهم إلى القوة والعزة والكرامة، بشرط أن تكون مستمدة من الله وحده.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير". القوة هنا ليست في البطش أو الغرور، بل في الإيمان، في القدرة على ضبط النفس، وفي الصبر والثبات.

مظاهر القوة الحقيقية في الإسلام

  • القوة في ضبط النفس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". فالقوة الحقيقية هي في التحكم في الانفعالات، وليس في التغلب الجسدي على الآخرين.
  • القوة في الحياء: الحياء صفة نبيلة، وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه لحيائه الشديد، وقال: "دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير". الحياء قوة، وليس ضعفًا كما يروج البعض.
  • القوة في مواجهة الباطل: المسلم القوي هو الذي يواجه الشرك والباطل بثبات، كما فعل إبراهيم عليه السلام، وكما واجه موسى عليه السلام فرعون، وكما ثبت النبي صلى الله عليه وسلم أمام قريش.
  • القوة في العبادة والطاعة: الاستمرار في الطاعة، والصبر على الأذى في سبيل الله، والرجوع إلى الله عند الزلل، كلها مظاهر قوة روحية عظيمة.

التحذير من المفاهيم المنحرفة

من أخطر ما تروج له بعض المدارس الحديثة هو فكرة أن الإنسان "إله" أو أنه يتحد مع الله، أو أن الجنة والنار مجرد حالات وعي داخلية. هذه الأفكار تخرج الإنسان من دائرة التوحيد، وتدخله في متاهات الشرك والضلال. علينا أن نحذر من هذه العبارات الملغومة، وأن نأخذ المنظومة كاملة كما جاء بها الإسلام.

القوة الموهومة وزيفها في التاريخ

القرآن الكريم يضرب لنا أمثلة عن أقوام امتلكوا قوة مادية هائلة، مثل قوم عاد وثمود وفرعون، لكنهم لما طغوا وتكبروا، أهلكهم الله وجعلهم عبرة. القوة الحقيقية ليست في المال أو السلطة أو البنيان، بل في طاعة الله والتواضع له.

التوازن بين القوة والضعف

الإسلام يعلّمنا التوازن: أن نتذكر ضعفنا البشري، فلا نغتر أو نتكبر، وفي الوقت ذاته نستمد القوة من الله، ونسعى للعزة والكرامة في طاعته. نطلب منه العون في كل أمورنا، ونذكر دائمًا: "لا حول ولا قوة إلا بالله".

خاتمة: دعوة للتوبة والرجوع إلى الله

في نهاية المطاف، القوة الحقيقية هي في الإيمان والتوحيد، في الصبر والثبات، في الحياء وضبط النفس، في العمل الصالح، وفي الرجوع إلى الله عند كل ضعف أو زلل. وباب التوبة مفتوح، والله رحيم كريم يقبل من عباده التائبين.

اللهم اجعلنا من المؤمنين الأقوياء، وامنحنا القوة في طاعتك، والعزة في التوحيد، والثبات على الحق. واجعلنا من الذين لهم الأمن وهم مهتدون، وارزقنا حسن الخاتمة، واجمعنا بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم.

ملخص عملي للمتعلم:

  • القوة في الإسلام ليست في البطش أو الجبروت، بل في الإيمان وضبط النفس والحياء.
  • المفاهيم الحديثة التي تدعو إلى القوة الذاتية المطلقة أو الاتحاد مع الله أفكار منحرفة وخطيرة.
  • التوازن بين الاعتراف بضعفنا البشري واستمداد القوة من الله هو جوهر التربية الإسلامية.
  • علينا أن نكون يقظين تجاه العبارات والممارسات الدخيلة على ديننا، وأن نرجع دومًا للقرآن والسنة في فهم معنى القوة الحقيقية.

للمزيد من الفهم: اقرأ بتدبر قصص الأنبياء في القرآن، وتأمل كيف واجهوا الشدائد بقوة الإيمان، وراجع الأحاديث النبوية التي تتناول مفهوم القوة والحياء والصبر.

https://www.youtube.com/watch?v=8d1NaKybM9o

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك