مفهوم "الطاقة الكونية" بين العلم والادعاءات: رؤية نقدية علمية
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من المفاهيم المرتبطة بما يُسمى "الطاقة الكونية" أو "الطاقة الحيوية" في مجالات التنمية الذاتية والعلاج البديل. كثيراً
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من المفاهيم المرتبطة بما يُسمى "الطاقة الكونية" أو "الطاقة الحيوية" في مجالات التنمية الذاتية والعلاج البديل. كثيراً ما نسمع عن مصطلحات مثل "الريكي"، "اللمسة الشفائية"، "تشي"، "برانا"، وحتى "وعي الكوانتم". فهل لهذه المفاهيم أساس علمي حقيقي؟ أم أنها مجرد ترجمات غير دقيقة لمفاهيم روحية وفلسفية قديمة؟ في هذا المقال، سنناقش هذه التساؤلات من منظور علمي ونوضح الفروق الجوهرية بين العلم والادعاءات غير المثبتة.
ترجمة مصطلح "الطاقة": إشكالية لغوية ومفاهيمية
من النقاط الأساسية التي يجب التوقف عندها أن كلمة "الطاقة" كما تُستخدم في هذه السياقات هي ترجمة غير دقيقة لمصطلحات شرقية مثل "تشي" في الفلسفة الصينية أو "برانا" في الفلسفة الهندية. وقد أشار إلى ذلك عدد من المفكرين، مثل هيلينا بلافاتسكي في كتابها "العقيدة السرية"، حيث أوضحت أن زوجها ومساعدها في تأسيس الجمعية الثيوصوفية حاول إيجاد ترجمة مناسبة لهذه المفاهيم، فاستخدم "الطاقة الكونية" أو "القوة الكونية". لكن في الفيزياء، هناك فرق واضح بين "القوة" و"الطاقة" من حيث القوانين والتعريفات.
حتى ديباك شوبرا، أحد أشهر مناصري مفهوم "وعي الكوانتم"، صرح أكثر من مرة أن استخدامه لمصطلحات الفيزياء الكمية هو مجرد استعارة أو تشبيه وليس حقيقة علمية.
الأدلة العلمية: ماذا تقول الأبحاث المحكمة؟
عند البحث في المصادر العلمية الموثوقة، نجد أن معظم المجلات العلمية المحكمة ذات التصنيف العالي (مثل مجلة الجمعية الطبية الأمريكية JAMA) قد تناولت هذه المواضيع بشكل دقيق. على سبيل المثال، في عام 1998، أُجري بحث شهير بقيادة الدكتورة إميلي روزا والبروفيسور ستيفن بارت، رئيس المنظمة الوطنية الأمريكية لمناهضة التحايل الطبي، حول ما يُسمى بـ"اللمسة الشفائية" (Therapeutic Touch). خلصت هذه الدراسة إلى أنه لا يوجد أي دليل فيزيائي على وجود "طاقة كونية" أو ما شابهها، وبالتالي لا يمكن تفسير هذه الظواهر إلا في إطار السحر أو الخرافة.
كما أن دكتور ستيفن بارت نشر العديد من الأبحاث التي تنفي وجود ما يُسمى بـ"الطاقة الحيوية" من الناحية الفيزيائية، ويمكن الاطلاع عليها في مواقع علمية موثوقة مثل Quackwatch.
أما بالنسبة لمفهوم "الكوانتم" أو "الفيزياء الكمية" كما يُروج له في بعض كتب التنمية الذاتية، فقد أشار علماء مثل إرفين لاسزلو (صاحب كتاب "سجلات الأكاشا") إلى أن استخدام مصطلحات الفيزياء الكمية في هذه السياقات هو استخدام مجازي فقط، ولا يمت للعلم بصلة.
موقف المؤسسات العلمية العالمية
من المهم الرجوع إلى مواقع المؤسسات البحثية الكبرى مثل المعهد الوطني للصحة (NIH) في الولايات المتحدة، وهو أكبر مؤسسة بحثية طبية في العالم. عند مراجعة الأبحاث المتعلقة بالعلاجات بالطاقة مثل الريكي، نجد أن الخلاصة دائماً هي: "لا يوجد دليل علمي على وجود طاقة فيزيائية يمكن قياسها أو إثباتها". وهذا ما تؤكده أيضاً نتائج الأبحاث المنشورة على مواقع مثل جامعة ستانفورد وغيرها من الجامعات المرموقة.
العلم الزائف في علم النفس السريري
هناك كتاب هام يُوصى بقراءته بعنوان "Pseudo-Science in Clinical Psychology" (العلم الزائف في علم النفس السريري)، شارك في تأليفه 44 بروفيسور من أكبر الجامعات العالمية. يناقش الكتاب المفاهيم الزائفة مثل "الطاقة"، "الريكي"، و"العلاج بالتنصت EFT"، ويؤكد أن جميع هذه المفاهيم لا أساس لها من الصحة من الناحية العلمية.
هل يمكن إثبات السحر أو الطاقة فيزيائياً؟
السحر والظواهر الغيبية لا يمكن إثباتها أو نفيها من خلال العلم التجريبي، لأنها ببساطة خارج نطاق البحث العلمي الذي يعتمد على الملاحظة والتجربة. لذلك، محاولة ربط مفاهيم الطاقة الكونية أو السحر بالعلم الحديث هو أمر غير منطقي وغير مقبول علمياً.
الخلاصة: أين يكمن الخلل؟
المشكلة الأساسية تكمن في محاولة البعض إعطاء مفاهيم روحية أو فلسفية قديمة صبغة علمية حديثة، إما عن طريق ترجمة مصطلحات مثل "تشي" و"برانا" إلى "طاقة"، أو عن طريق استخدام مصطلحات فيزيائية مثل "الكوانتم" بشكل غير دقيق. العلم الحديث لا يعترف بوجود "طاقة كونية" أو "وعي كوانتم" بالمعنى الذي يروج له في هذه الدوائر، ولا توجد أي أبحاث علمية محكمة تثبت وجود هذه الظواهر.
لذلك، من المهم العودة إلى المصادر العلمية الموثوقة، وعدم الانسياق وراء الادعاءات غير المثبتة التي قد تضر بالفرد والمجتمع على حد سواء. العلم التجريبي له مجاله وحدوده، والدين له مجاله وحدوده، ولا يجب الخلط بينهما.
نصيحة أخيرة:
قبل أن تؤمن بأي مفهوم أو علاج جديد، ابحث عن مصدره العلمي وتأكد من وجود أدلة واضحة تدعمه. فالعلم لا يقبل إلا ما يمكن إثباته بالتجربة والدليل.
بارك الله فيكم جميعاً، ودمتم على طريق العلم والمعرفة.
https://www.youtube.com/watch?v=MiFjCWD1pQA