مخاطر التوكيدات والطاقة: رحلة العودة إلى الفطرة والإيمان
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين كثير من الناس مفاهيم وممارسات مثل التوكيدات، والطاقة، والتنمية البشرية، والتنجيم، وغيرها من المدارس التي تدّعي القدرة ع
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين كثير من الناس مفاهيم وممارسات مثل التوكيدات، والطاقة، والتنمية البشرية، والتنجيم، وغيرها من المدارس التي تدّعي القدرة على تغيير الواقع وجلب السعادة والنجاح بمجرد ترديد عبارات أو ممارسة طقوس معينة. لكن، هل هذه الممارسات فعلاً تحقق السعادة والراحة النفسية؟ وما علاقتها بالإيمان والتوكل على الله؟ وكيف يمكن أن تؤثر على حياة الإنسان وعلاقاته ومعتقداته؟
في هذا المقال، نعرض لكم نقاشًا ثريًا دار بين مجموعة من المتخصصين والناجين من هذه الممارسات، حيث تناولوا تجربتهم الشخصية، وأثر هذه الأفكار على حياتهم، وسبل العودة إلى الفطرة السليمة والإيمان الصحيح.
ما هي التوكيدات؟ ولماذا هي خطيرة؟
التوكيدات هي عبارات يرددها الإنسان لنفسه بشكل متكرر، مثل: "أنا قوي"، "أنا ناجح"، "سأحقق كل ما أريد"... وتروج بعض مدارس التنمية البشرية والطاقة لفكرة أن تكرار هذه العبارات سيغير قناعات الإنسان، وبالتالي سلوكه، مما يؤدي لتحقيق الأمنيات والأهداف.
لكن الخطر يكمن في أن هذه الفكرة تتعارض مع الإيمان بالقضاء والقدر، ومع مفهوم التوكل على الله. إذ يصبح الإنسان معتمدًا على نفسه فقط، ويعتقد أن القوة الحقيقية في داخله، وأنه هو من يصنع قدره، متجاهلاً أن الله هو المدبر والمقدر لكل شيء. وهذا قد يؤدي إلى ضعف الإيمان، والشعور بالوحدة والعزلة، بل والانفصال عن المجتمع والأسرة.
التوكل على الله: السكينة الحقيقية
في السيرة النبوية، نجد أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام كانوا يتوكلون على الله في كل أمورهم، ويأخذون بالأسباب، لكنهم يعلمون أن النتائج بيد الله وحده. فعندما أُخبر النبي أن الناس قد جمعوا له بعد غزوة أحد، قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل". وكذلك فعل إبراهيم عليه السلام عندما ألقي في النار. فكانت النتيجة معجزة وحفظ من الله.
التوكل لا يعني الاستسلام أو الكسل، بل هو الجمع بين الأخذ بالأسباب والثقة بالله. كما قال النبي: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز".
لماذا يلجأ الناس إلى هذه الممارسات؟
من خلال تجارب الناجين، يتضح أن كثيرًا ممن دخلوا عالم الطاقة والتنمية البشرية كانوا يبحثون عن حل لمشاكلهم النفسية أو الجسدية، أو كانوا يعانون من الألم، أو الوحدة، أو الفقر، أو الفشل في العلاقات. فوجدوا في هذه الممارسات وعودًا براقة بالشفاء والسعادة والنجاح.
لكن الواقع كان مختلفًا. فهذه الممارسات قائمة على الانفرادية والعزلة، وتدفع الإنسان للاعتماد على نفسه فقط، واعتقاد أن كل الحلول داخله، دون اللجوء إلى الله أو طلب المساعدة من الآخرين. وهذا يزيد من الشعور بالحزن والكآبة، ويعمق الألم بدلًا من معالجته.
التغلغل الخفي: كيف تدخل هذه الأفكار إلى بيوتنا؟
الكثير من الممارسات المرتبطة بالطاقة أصبحت شائعة حتى بين من لا يعرفون أصلها، مثل تنظيف البيت بالملح لطرد "الطاقة السلبية"، أو تعليق الأحجار، أو ترديد عبارات معينة لجلب الرزق أو الحظ. وتروج هذه الأفكار أحيانًا على أنها "سنة نبوية" أو جزء من التراث، رغم عدم وجود أي دليل شرعي عليها.
وهذا التغلغل يحدث بسبب ضعف الوعي الديني، وانتشار المعلومات المغلوطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وغياب التوجيه الصحيح.
حركة العصر الجديد: دين بلا نصوص
تحدث المشاركون عن "حركة العصر الجديد" (New Age Movement)، وهي حركة فكرية تضم آلاف المنظمات التي تروج لفلسفات ومعتقدات مستمدة من الديانات الشرقية والوثنية، لكنها تقدم نفسها بطرق عصرية، مثل التنمية البشرية، العلاج بالطاقة، اليوغا، التنجيم، وغيرها.
هذه الحركة لا تملك نصوصًا مقدسة أو قيادة مركزية، لكنها تسعى إلى نشر أفكارها في كل المجتمعات، وتدمجها أحيانًا مع الدين الإسلامي عبر ربطها بآيات أو أحاديث بشكل مغلوط، مما يشكل خطرًا كبيرًا على العقيدة.
العودة إلى الفطرة: كيف ننجو؟
الناجون من هذه الممارسات يؤكدون أن النجاة تبدأ بالعودة إلى الله، والتوبة الصادقة، واليقين بأن لا قوة إلا بالله، والتمسك بالصلاة والأذكار والقرآن. كما ينصحون بقطع كل العلاقات مع المدربين والممارسين لهذه العلوم، وعدم متابعة قنواتهم أو مجموعاتهم، وعدم الانشغال بتهديداتهم أو تخويفهم.
ويشددون على أهمية طلب العلم الشرعي من مصادره الموثوقة، وعدم الاستهانة بأي فكرة أو ممارسة تخالف العقيدة، حتى لو بدت بسيطة أو شائعة.
الرقيّة الشرعية: شفاء القلوب والأبدان
من الأخطاء الشائعة أن البعض يظن أن الرقية الشرعية تحتاج لعزلة أو طقوس خاصة، بينما هي ببساطة قراءة الفاتحة والمعوذات وآية الكرسي بنية الشفاء، مع اليقين بالله. وكلما زاد الإيمان واليقين، كان الشفاء أسرع بإذن الله.
ويؤكد المشاركون أن كثيرًا من الأعراض النفسية أو الجسدية التي تظهر بعد ممارسة هذه العلوم، تزول تدريجيًا مع التوبة والالتزام بالعبادات، وأحيانًا تحتاج لمتابعة طبية أو دعم نفسي، خاصة إذا كان هناك نقص في الفيتامينات أو المعادن.
السعادة الحقيقية: رضا الله وراحة القلب
ختامًا، يؤكد الجميع أن السعادة الحقيقية لا تأتي من ترديد التوكيدات أو ممارسة طقوس الطاقة أو البحث عن أسرار الكون في التنجيم والفلك، بل تأتي من الرضا بالله، والقرب منه، والعيش في كنف الأسرة والمجتمع، والتمتع بالعلاقات الإنسانية الحقيقية، والابتعاد عن العزلة والوحدة.
إن العودة إلى الفطرة والإيمان، والتمسك بالقرآن والسنة، وطلب العلم من العلماء الربانيين، هو السبيل للنجاة من هذه الموجة الفكرية الخطيرة، وحماية النفس والأبناء من الوقوع في شرك الأفكار الدخيلة.
نصيحة لكل من مر بهذه التجربة
- لا تستسلم للتهديدات أو التخويف من المدربين أو الممارسين.
- اقطع كل صلة بهذه المجموعات أو القنوات.
- تمسك بالصلاة والأذكار والقرآن.
- اطلب العلم من العلماء الموثوقين.
- شارك تجربتك مع الآخرين لتوعيتهم.
- تذكر أن التوبة الصادقة يمحو الله بها الذنوب، ويبدل السيئات حسنات.
- السعادة والسكينة من عند الله وحده، وليست في طقوس أو عبارات أو مدربين.
ختامًا:
احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، وكن من المتوكلين عليه، ولا تغتر بالدعايات البراقة التي تعدك بالسعادة السريعة. فالسعادة الحقيقية في طاعة الله، وراحة القلب في الإيمان، والنجاة في العلم الشرعي، والمجتمع الصالح.
اللهم ثبتنا على الحق، ونجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
https://www.youtube.com/watch?v=AcgAtTn5tw8