مقال تعليمي: فهم قانون الاستحقاق بين المفهوم الروحي والواقع العملي
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم التنمية الذاتية والطاقة وقوانين الجذب والاستحقاق بشكل واسع بين الشباب والفتيات في العالم العربي. كثيرون وجدوا في هذه
مقدمة
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم التنمية الذاتية والطاقة وقوانين الجذب والاستحقاق بشكل واسع بين الشباب والفتيات في العالم العربي. كثيرون وجدوا في هذه المفاهيم بريق أمل لتحقيق النجاح والسعادة، لكنهم في الوقت ذاته اصطدموا بآثار سلبية لم تكن في الحسبان، خاصة عندما تم فهم هذه القوانين بشكل خاطئ أو مبالغ فيه. في هذا المقال، سنسلط الضوء على قانون الاستحقاق، ونوضح الفرق بين الاستحقاق الحقيقي والمزيف، وكيف يؤثر ذلك على علاقاتنا، وصحتنا النفسية، وعقيدتنا، وسنقدم نصائح عملية للخروج من دوامة الإحباط والتشتت.
أولاً: ما هو قانون الاستحقاق؟
قانون الاستحقاق كما يُطرح في بعض مدارس الطاقة والتنمية الذاتية، يقوم على فكرة أن الإنسان "يستحق" كل ما يتمناه من ثراء وسعادة وصحة بمجرد أن يؤمن بذلك ويؤكده لنفسه. يُقال لك: "ردد أنا أستحق، وسوف تحصل على ما تريد". لكن هل هذا كافٍ؟ وهل هو واقعي ومنطقي؟
الاستحقاق بين الطرح الروحي والواقع
في المفهوم الروحي الإسلامي، الاستحقاق لا يُنتزع بالتمني فقط، بل يتحقق بالسعي والعمل والتوكل على الله، مع الاعتراف بأن كل نعمة هي من فضل الله وليست من حول الإنسان وقوته فقط. الأنبياء والصالحون لم يقولوا "أنا أستحق" بمعنى التعالي أو الغرور، بل نسبوا الفضل لله، وسعوا واجتهدوا، ثم شكروا الله على ما أعطاهم.
ثانياً: آثار الفهم الخاطئ لقانون الاستحقاق
1. تدمير العلاقات الأسرية والاجتماعية
عندما يعتقد الإنسان أنه "يستحق" أكثر من غيره، يبدأ بالنظر للآخرين بدونية. تظهر مشكلات في العلاقات بين الأزواج، بين الأبناء والآباء، وحتى بين الأصدقاء. كثير من حالات الطلاق اليوم بدأت بعبارة "أنا أستحق أفضل"، دون النظر إلى مسؤولية السعي والإصلاح والتضحية.
2. الإحساس بالغربة والوحدة
الفرد الذي ينغمس في هذه المفاهيم بشكل مبالغ فيه، قد يشعر بالعزلة عن محيطه. يرى نفسه في مرتبة أعلى من الجميع، ويبتعد عن أسرته وأصدقائه، ويعيش في عالم من الأوهام.
3. فقدان الهدف الحقيقي
كثيرون يكتبون أهدافهم على أوراق أو يعلقونها في البالونات أو يدفنونها تحت التراب، معتقدين أن الكون سيحققها لهم دون جهد. لكن سرعان ما يصطدمون بالواقع ويشعرون بالفراغ والإحباط إذا لم تتحقق هذه الأماني.
ثالثاً: الاستحقاق الحقيقي في ضوء الشريعة والعقل
1. الاستحقاق المادي
هو أن تطالب بحقك المشروع: كأن تطالب الزوجة بالنفقة، أو يطالب الشعب بأرضه المغتصبة. هذا استحقاق واقعي له طرقه المشروعة في القضاء والمحاكم.
2. الاستحقاق الباطني
هو أن يعتقد الإنسان أنه يستحق السعادة أو الثراء أو الصحة لمجرد أنه يريد ذلك، دون سعي أو توكل أو شكر لله. هذا النوع من الاستحقاق قد يقود إلى التطاول على الذات الإلهية، ويزرع في النفس الغرور والكبر.
3. التواضع ونسبة الفضل لله
الأنبياء والصالحون كانوا يذكرون نعم الله عليهم ويشكرونه عليها، ولم ينسبوا الفضل لأنفسهم. داود وسليمان عليهما السلام قالا: "الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين". والنبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد".
رابعاً: الابتلاءات والبحث عن الحكمة
كثير من الناس يتساءلون: "لماذا أمرضني الله؟ لماذا لم أحقق ما أريد؟". ينسى البعض أن الدنيا دار ابتلاء واختبار، وأن الصحة والمال ليستا دليلاً على رضا الله، كما أن المرض والفقر ليسا دليلاً على غضبه. يقول الله تعالى: "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين".
الابتلاءات أنواع: مرض، فقر، فقدان، وحتى الفتن الفكرية. المهم هو الصبر والرضا والتوكل على الله، والبحث عن الحكمة في كل ما يصيبنا.
خامساً: كيف نضع أهدافنا بشكل صحيح؟
كتابة الأهداف أمر جيد إذا كان الهدف منها ترتيب الأفكار ووضع خطة واضحة للسعي والعمل. لكن الخطر يكمن في ربط تحقيق الأهداف بقوانين الطاقة والجذب، والاعتقاد أن الكون سيحققها دون جهد أو سعي أو توكل على الله. النجاح يتحقق بالعمل الجاد، وحسن التوكل، والدعاء، وليس بمجرد التمني أو ترديد العبارات.
سادساً: نصائح عملية للخروج من دوامة الإحباط
- اعرف من أنت ولماذا خُلقت: اسأل نفسك الأسئلة الكبرى: من أين أتيت؟ لماذا أتيت؟ إلى أين سأذهب؟ ستجد الإجابة في القرآن والسنة.
- تقبل الابتلاءات: اعلم أن كل إنسان مبتلى بشكل أو بآخر. لا أحد يعيش حياة مثالية بلا مشاكل.
- اجتهد واسعى: لا تنتظر أن تتحقق أحلامك دون جهد. تعلم، اعمل، طور نفسك، واطلب العون من الله.
- تواصل مع أسرتك وأصدقائك: لا تعش في عزلة. شارك مشاعرك ومشاكلك مع من تثق بهم.
- ابتعد عن جلد الذات: لا تكثر من لوم نفسك على الماضي. خذ منه العبرة وابدأ من جديد.
- حافظ على صلتك بالله: بالصلاة، الدعاء، الذكر، وقراءة القرآن. في القرب من الله راحة وسكينة.
سابعاً: قصص واقعية وقدوات ملهمة
تحدثت بعض المشاركات عن تجارب شخصية مع المرض، أو السحر، أو الوساوس القهرية، وكيف كان اللجوء إلى الله والتوكل عليه سبباً في الثبات والنجاة. حتى كبار العلماء مروا بابتلاءات عظيمة: الإمام البخاري مات مطروداً، وابن تيمية مات مسجوناً، وسعيد بن جبير قُتل مظلوماً. لكنهم جميعاً صبروا واحتسبوا، فخلد الله ذكرهم ورفع قدرهم.
ثامناً: الخلاصة
- الاستحقاق الحقيقي لا يُنال بالتمني أو ترديد العبارات، بل بالسعي والعمل والتوكل على الله.
- النعم من الله وحده، والفضل له، والشكر واجب في السراء والضراء.
- لا تجعل من مفاهيم الطاقة والجذب وسيلة للهروب من الواقع أو الترفع عن الناس.
- احرص على عقيدتك، وكن قدوة في الصبر والتواضع والشكر.
- إذا أصابك هم أو مرض أو ابتلاء، فاعلم أن الله معك، وأن الصبر مفتاح الفرج.
دعوة للتأمل
تذكر دائماً: "ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون". مهما اشتدت عليك المصائب، احمد الله على نعمة الإسلام، وعلى حسن العقيدة، وعلى أن الله أنجاك من الضلال. وتذكر أن كل ما يصيبك هو في ميزان حسناتك إذا صبرت واحتسبت.
ختاماً
الحياة ليست جنة ولا دار راحة، بل هي دار عمل وابتلاء. لا تغتر بنعمك ولا تيأس من مصائبك. اجعل قلبك معلقاً بالله، واسعَ في حياتك، وكن متواضعاً شاكراً صابراً. ففي ذلك السعادة الحقيقية والنجاة في الدنيا والآخرة.
بقلم فريق منتدى نور الحقيقة
للمزيد من المقالات والدروس، تابعونا عبر منصاتنا التعليمية.
ولا تنسوا: "كونوا في رعاية الله ومعيته، واستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه."
https://www.youtube.com/watch?v=cZnnjxmgpKY