اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

مصادر المعرفة في العقيدة الإسلامية: رحلة بين الفطرة والعقل والوحي

الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. نصلي ونسلم على نبينا محمد، الذي أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
7 دقائق

الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. نصلي ونسلم على نبينا محمد، الذي أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، وجعل الله أمته خاتمة الأمم. أما بعد:

في هذا المقال، سنناقش موضوعًا محوريًا في حياة كل إنسان، وهو: من أين نأخذ معرفتنا؟ وما هي مصادر العقيدة الصحيحة في الإسلام؟ هذا الموضوع ليس جديدًا، لكنه أساسي لترتيب أفكارنا، وتحديد مسيرتنا، والتمييز بين الحق والباطل، والصواب والخطأ.

من أين تبدأ المعرفة؟

منذ ولادة الإنسان وحتى مماته، يعيش رحلة بحث عن المعرفة. لكن، ما هي المصادر التي يعتمد عليها الإنسان في اكتساب المعرفة، خاصة فيما يتعلق بالعقيدة والدين؟

1. الفطرة:

عندما يولد الطفل، نجد أنه مزود بقدرات فطرية تساعده على البقاء، مثل الرضاعة والشعور بالجوع والعطش. هذه القدرات ليست مكتسبة، بل هي جزء من الفطرة التي أودعها الله في الإنسان، كما قال تعالى: "فطرة الله التي فطر الناس عليها" (الروم: 30).

الفطرة أيضًا تقود الإنسان إلى التساؤل عن خالقه، وعن سر وجوده. فكل إنسان، مهما بلغ من العلم أو الجهل، يحمل في داخله تساؤلات فطرية عن الكون، وعن نفسه، وعن الغاية من الحياة.

2. الحواس:

الحواس الخمس (البصر، السمع، اللمس، الشم، التذوق) هي وسائل الإنسان الأولى لاكتساب المعلومات عن العالم من حوله. من خلال الحواس، يتعرف الإنسان على الأشياء، ويميز بين النافع والضار.

3. العقل:

العقل هو الأداة التي يستخدمها الإنسان لتحليل المعلومات، وربط الأسباب بالنتائج، واستخلاص الاستنتاجات. بالعقل، يستطيع الإنسان أن يدرك أن لكل حادث محدثًا، وأن النظام الموجود في الكون لا يمكن أن يكون صدفة.

4. الخبر الصادق:

الخبر الصادق هو المعلومات التي تصلنا من مصادر موثوقة، سواء كانت عن طريق النقل أو التجربة. في العقيدة الإسلامية، الخبر الصادق الأعلى هو الوحي: القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.

موقف الإسلام من مصادر المعرفة

الإسلام لا ينكر أيًا من هذه المصادر، بل يضع لكل منها مكانته وحدوده. فالفطرة والعقل والحواس أدوات مهمة، لكنها محدودة في الوصول إلى تفاصيل الغيب، مثل معرفة صفات الله، واليوم الآخر، وما بعد الموت.

ولهذا، جعل الله الوحي هو المصدر الأعلى والأوثق في مسائل العقيدة. قال تعالى: "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب" (البقرة: 2-3). فالإيمان بالغيب هو جوهر العقيدة، ولا يمكن للعقل أو الحواس وحدها أن تدرك تفاصيله.

لماذا يحتاج الإنسان إلى الدين؟

قد يتساءل البعض: هل الدين ضرورة للجميع؟ هل يمكن للإنسان أن يعيش بلا دين أو عقيدة؟

الإجابة: الإنسان مفطور على العبادة، ولا يمكن أن يعيش بلا معبود. حتى من يدعي الإلحاد أو رفض الأديان، تجده يعبد هواه أو المال أو الشهرة أو غيرها. قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (الذاريات: 56).

إذًا، السؤال ليس: هل سأعبد؟ بل: من سأعبد؟ وهنا تأتي أهمية العقيدة الصحيحة، التي ترشد الإنسان إلى عبادة الله وحده، دون شريك.

مصادر العقيدة في الإسلام

عند الحديث عن مصادر العقيدة الإسلامية، نجد أنها تعتمد أساسًا على:

  • القرآن الكريم: كلام الله المنزل، والمصدر الأول للتشريع والعقيدة.
  • السنة النبوية الصحيحة: ما ثبت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.
  • الإجماع: اتفاق علماء الأمة على أمر من أمور الدين، بشرط أن يكون مبنيًا على القرآن والسنة.

أما الفطرة والعقل والحواس، فهي مصادر مساندة، تدل على وجود الله وكماله، لكنها لا تستطيع وحدها أن تحدد تفاصيل العقيدة.

الإيمان بالغيب: جوهر العقيدة

أركان الإيمان الستة (الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره) كلها تتعلق بأمور غيبية. لا يمكن للعقل أو الحواس وحدها إدراكها. ولهذا، جاء الوحي ليخبرنا بها.

مثلاً: لا نستطيع أن نرى الله أو الملائكة، ولا نعرف تفاصيل اليوم الآخر أو القدر إلا من خلال القرآن والسنة.

القضاء والقدر: مراتب الإيمان به

الإيمان بالقضاء والقدر ركن أساسي من أركان الإيمان. وله أربع مراتب يجب معرفتها:

  • العلم: الإيمان بأن الله علم كل شيء قبل أن يكون، علم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون.
  • الكتابة: أن الله كتب كل شيء في اللوح المحفوظ.
  • المشيئة: أن كل ما يجري في الكون هو بمشيئة الله، فلا يحدث شيء إلا بإذنه.
  • الخلق: أن الله خلق كل شيء، بما في ذلك أفعال العباد.

وهنا يجب التفريق بين ما هو داخل تحت اختيار الإنسان (كالإيمان والعمل الصالح) وما هو خارج عن إرادته (كالمرض والموت والبيئة التي ولد فيها). الإنسان يحاسب على ما يختاره بإرادته، ولا يحاسب على ما لا يملك تغييره.

العقل والوحي: أيهما الأصل؟

أكد علماء أهل السنة أن الأصل في العقيدة هو الاتباع، أي: اتباع ما جاء في القرآن والسنة، وليس تقديم العقل على الوحي. فالعقل له دور في الفهم والاستدلال، لكن لا يجوز أن يكون هو الحَكم في أمور الغيب التي لا يدركها.

قال الإمام السمعاني: "الفرق بيننا وبين المبتدعة أن المبتدعة أسسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الاتباع تبعًا للعقل، أما أهل السنة فجعلوا الأصل الاتباع، والعقل تبعًا له."

لماذا لا نأخذ العقيدة من غير الوحي؟

لأن العقل محدود، وقد يختلف من شخص لآخر. ولو جعلنا العقل هو المرجع، لتعددت العقائد والآراء، ووقع الناس في الضلال. أما الوحي فهو من عند الله، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

تطبيقات عملية: كيف نتعامل مع القدر؟

من فهم مراتب القدر، ارتاح قلبه واطمأن، ولم يقع في القلق أو الوساوس. فكل ما يصيب الإنسان من خير أو شر هو بقدر الله، وما كان له أن يصيبه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. ولهذا، نجد أن كثيرًا من الأمراض النفسية والقلق سببها ضعف الإيمان بالقدر.

خاتمة

العقيدة الإسلامية بنيان متين، أساسه الوحي، ويدعمه العقل والفطرة والحواس. من أراد النجاة في الدنيا والآخرة، فعليه أن يأخذ دينه من القرآن والسنة، ويبتعد عن الخرافات والبدع، ويعلم أن الله لا يظلم أحدًا، وأنه سيحاسب كل إنسان على ما اختاره بإرادته.

نسأل الله أن يثبتنا على الحق، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

ملاحظة: في المقال القادم بإذن الله، سنناقش عقيدة الجزاء في الإسلام، ونرد على بعض الخرافات المنتشرة حول الكارما وتناسخ الأرواح، فتابعونا.

https://www.youtube.com/watch?v=84-j2BNVErc

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك