اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

مساج خمس قارات: بين الحقيقة والخرافة – كشف أسرار تقنيات الطاقة الحديثة

في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الدورات والممارسات التي تدّعي قدرتها على تحسين الصحة النفسية والجسدية من خلال ما يُسمى "تقنيات الطاقة"، ومن أشهره

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الدورات والممارسات التي تدّعي قدرتها على تحسين الصحة النفسية والجسدية من خلال ما يُسمى "تقنيات الطاقة"، ومن أشهرها ما يُعرف بـ"مساج خمس قارات". فما حقيقة هذا المساج؟ وما هي جذوره الفكرية؟ وهل هو مجرد تدليك للاسترخاء أم يحمل في طياته معتقدات خطيرة تمس العقيدة؟

في هذا المقال، سنكشف الستار عن هذه الممارسات، ونوضح حقيقتها العلمية والدينية، لنساعد القارئ على اتخاذ موقف واعٍ منها.

بداية القصة: من نصيحة بسيطة إلى ممارسات خطيرة

تبدأ الحكاية غالبًا بنصيحة تبدو بريئة، كأن يُقال لأحدهم: "انثر الملح في بيتك لطرد الطاقة السلبية". تتكرر عبارات مثل "تنظيف الطاقة" و"التخلص من الطاقات السلبية"، حتى تتطور الأمور إلى اقتراحات أكثر تعقيدًا مثل جلسات المساج أو التدليك الخاصة، التي يُقال إنها تزيل الطاقة السلبية وتحسن العلاقات الزوجية والصحة النفسية.

في البداية، تبدو هذه النصائح مغرية وسهلة التطبيق، لكنها في الحقيقة بداية طريق طويل قد ينتهي بممارسات شركية ووثنية، دون أن يدرك الشخص ذلك إلا بعد فوات الأوان.

ما هو مساج خمس قارات؟

يُروَّج لمساج خمس قارات على أنه تقنية تجمع أفضل أنواع التدليك حول العالم في جلسة واحدة، ويدّعي ممارسوه أنه يعمل على استرخاء الجسد وتطهيره من الصدمات، ويساعد على تدفق الطاقة الحيوية في الجسم. ويزعمون أيضًا أنه يعيد الاتصال بالمصدر الكوني، ويعزز الشفاء الذاتي، ويحرر الذكريات العاطفية السلبية، بل ويطلق طاقة المتعة والحياة والرغبة الجنسية!

صاحب التقنية، أوليفي هسب، سويسري الأصل، يصفها بأنها مزيج من تقنيات التدليك، المغناطيسية، الريكي، والعلاجات العطرية، تُطبق باستخدام زيوت يُقال إنها مشحونة بالطاقة ومستوردة من قارات العالم الخمس.

الطقوس الخفية: فلسفة الأرض الأم (جايا) وعبادة الطبيعة

ما لا يُقال في البداية أن جلسة مساج خمس قارات تبدأ بطقس روحي مستمد من عقائد وثنية قديمة، حيث يُطلب من المشاركين الوقوف في دائرة، يمسكون أيدي بعضهم البعض، ويبدؤون في تقديم الشكر والامتنان للأرض، بل ويطلبون منها البركة والعطاء، وكأنها كائن واعٍ يسمع ويستجيب.

هذه الممارسات مستوحاة من فلسفة "جايا" اليونانية، التي تعتبر الأرض إلهة حية يجب شكرها وعبادتها. وتنتشر هذه الفكرة في العديد من الديانات الوثنية القديمة، مثل الهندوسية (بومي)، والمصرية القديمة (إيزيس)، والرومانية (أفروديت)، والعربية (العُزّى).

في هذه الدورات، يُروَّج لفكرة أن الأرض ليست جمادًا، بل كائن حي واعٍ، له مشاعر، ويجب علينا أن نرسل له مشاعر إيجابية، ونتجنب إرسال الطاقة السلبية حتى لا يغضب ويصيبنا بالكوارث!

رموز وأساطير: من إيزيس إلى الكونداليني

يتم دمج رموز وأساطير متعددة في هذه الممارسات، مثل:

  • إيزيس: إلهة مصرية قديمة، تُعتبر أم الكون وبوابة الحياة، وتُصوَّر غالبًا بتاج الشمس بين قرني بقرة، وترتبط بالسحر والشفاء.
  • الكونداليني: مفهوم هندي يُصوَّر كثعبان نائم في أسفل العمود الفقري، ويُقال إنه عند "إيقاظه" يصعد عبر الشاكرات ليمنح الإنسان الحكمة والاستنارة والقدرات الخارقة.
  • الريكي والأكسس بارز: تقنيات طاقة أخرى يُزعم أنها تفتح مسارات الطاقة في الجسم وتمنح الشفاء الذاتي، وغالبًا ما يُدمج بعضها في جلسات مساج خمس قارات.

كل هذه الرموز والمفاهيم تعود في أصلها إلى عقائد وثنية، وتستبدل التوحيد بعبادة قوى الطبيعة أو الكون أو الطاقة الكونية.

الزيوت المقدسة: تجارة مربحة تحت ستار الروحانية

جزء أساسي من جلسات مساج خمس قارات هو استخدام زيوت يُقال إنها مشحونة بالطاقة، مستخرجة من نباتات مقدسة في مختلف القارات. تُباع هذه الزيوت بأسعار باهظة، ويُقال إن لها قدرات علاجية وروحانية خارقة، بينما هي في الحقيقة جزء من تجارة مربحة تستغل حاجة الناس للعلاج والراحة النفسية.

مخاطر هذه الممارسات على العقيدة والصحة

تكمن خطورة هذه الممارسات في أنها:

  • تروج لعقائد شركية: مثل عبادة الأرض، أو الاعتقاد بأن الكون أو الطاقة هو الإله، أو أن الإنسان يمكنه أن يخلق واقعه بنفسه.
  • تستبدل التوكل على الله بالاعتماد على قوى مجهولة: كطلب الشفاء أو البركة من الأرض أو الطاقة، بدلاً من الله عز وجل.
  • تفتح الباب للانحرافات الروحية والنفسية: حيث يُطلب من المشاركين أداء طقوس غريبة، وترديد تعويذات، والانخراط في ممارسات قد تسبب اضطرابات نفسية أو حتى مسًّا شيطانيًا، كما حدث مع بعض من جربوا هذه الدورات.
  • تستغل جهل الناس لتحقيق أرباح طائلة: من خلال بيع الدورات والزيوت والجلسات بأسعار خيالية، دون أي أساس علمي مثبت.

الرد العلمي والديني

من الناحية العلمية، لم تثبت أي دراسة موثوقة فعالية هذه الممارسات في علاج الأمراض أو تحسين الصحة النفسية، بل إن كثيرًا من التجارب أثبتت أن تأثيرها لا يخرج عن دائرة "البلاسيبو" أو التأثير النفسي المؤقت.

أما من الناحية الدينية، فالإسلام يحذر من كل ما يمس العقيدة أو يشوب التوحيد، ويؤكد أن الشفاء والرزق بيد الله وحده، وأن الأرض وكل ما فيها مخلوقات مسخرة للإنسان وليست آلهة تُعبد أو تُشكر أو يُطلب منها العطاء.

قال تعالى:

"أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى"

[النجم: 19-20]

وقال أيضًا:

"يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ"

[الجمعة: 1]

نصيحة للقراء

لا تنخدعوا بالشعارات البراقة مثل "الطاقة الإيجابية" و"التوازن الروحي" و"تفعيل الكونداليني"، فغالبها ستار لعقائد باطلة أو تجارة وهمية. إذا أردت الراحة النفسية والجسدية، فابحث عن الطرق العلمية الموثوقة، وكن حذرًا من كل ما يمس عقيدتك أو يدخلك في ممارسات مشبوهة.

وتذكر دائمًا:

"إياك نعبد وإياك نستعين"

خلاصة

مساج خمس قارات وغيره من تقنيات الطاقة الحديثة ليست مجرد جلسات استرخاء، بل تحمل في طياتها أفكارًا وعقائد دخيلة على مجتمعاتنا، قد تضر دينك وصحتك ومالك. كن واعيًا، وابحث عن الحقيقة، ولا تترك نفسك فريسة للجهل أو الطمع أو البحث عن حلول سحرية لمشاكلك.

اللهم احفظنا وأولادنا من كل شر، واهدنا إلى الصراط المستقيم.

https://www.youtube.com/watch?v=vIDjasb_oyg

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك