مصاصو الطاقة: بين الخرافة وخطر العزلة الفكرية والاجتماعية
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم جديدة بين الشباب والمجتمع العربي، مثل "مصاصي الطاقة" و"الطاقة الإيجابية والسلبية". كثير من هذه المصطلحات جاءت من ثقا
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم جديدة بين الشباب والمجتمع العربي، مثل "مصاصي الطاقة" و"الطاقة الإيجابية والسلبية". كثير من هذه المصطلحات جاءت من ثقافات وممارسات غربية أو شرقية، وارتبطت أحيانًا بما يسمى "علم الطاقة" أو "البرمجة العصبية" أو غيرها من الدورات التي تدّعي تطوير الذات ورفع الوعي. لكن ما حقيقة هذه المفاهيم؟ وما أثرها على الفرد والمجتمع؟ وهل هناك مخاطر خفية وراء هذه الدعوات؟
في التراث الشعبي العربي، كنا نسمع عن "مصاصي الدماء" أو "أم العباءة" وغيرها من القصص التي كانت الجدات يروينها لتخويف الأطفال من الذهاب لأماكن معينة. اليوم، ظهر مصطلح جديد: "مصاصو الطاقة". يقال إنهم أشخاص يمتصون طاقتك الإيجابية ويشعرونك بالإحباط والفشل. لكن من هم هؤلاء فعلاً؟
يتم تصنيف مصاصي الطاقة عادة إلى ثلاثة أنواع:
- الشخص الفاشل: الذي لا يستطيع النجاح، ويشعر بالغيرة أو الحسد من نجاح الآخرين.
- الشخص الجبان: الذي يخاف من تجربة الجديد، ويثبط عزيمة من حوله.
- الشخص المحب لكن محدود المعرفة: الذي يحبك، لكنه يعيش في سجن أفكاره ومعتقداته، ولا يعرف إلا ما تربى عليه.
عندما تشارك هؤلاء بأي فكرة جديدة، مشروع، أو حتى رغبة في تغيير نمط حياتك، ستجدهم يواجهونك إما بالسخرية، أو بالنقد السلبي، أو بالتقليل من شأنك. قد يذكّروك بفشلك السابق، أو يقارنونك بغيرك ممن لم ينجحوا، أو يحبطونك بحجة المزاح أو الحرص عليك.
بعيدًا عن الجانب النفسي، هناك خطر أكبر يكمن في هذه المفاهيم، وهو العزلة الفكرية والاجتماعية. بعض المدربين أو مروجي "علم الطاقة" يدعون المتدربين إلى الابتعاد عن أسرهم وأصدقائهم، ويصورون كل من ينصحهم أو يحذرهم بأنه "مصاص طاقة" أو "عدو للنجاح". هذا يؤدي إلى فقدان الثقة في الأسرة، والعلماء، والمجتمع، وحتى في الدين نفسه.
يتم عزل المتدرب تدريجيًا عن كل من يمكن أن يقدم له نصيحة حقيقية أو يوجهه للطريق الصحيح. يصبح المدرب أو المعلم هو المصدر الوحيد للمعرفة، ويُغرس في ذهن المتدرب أن كل من يخالفه هو سلبي أو "مصاص طاقة". بهذه الطريقة، يفقد الفرد القدرة على التمييز بين النصيحة الصادقة والتحذير الحقيقي، ويقع فريسة لأفكار قد تضر بعقيدته وهويته وانتمائه.
من أخطر ما في هذه الممارسات هو التشكيك في ثوابت الدين، والعلم، والعلاقة الأسرية. يتم تصوير العلماء والأطباء والمشايخ على أنهم متآمرون أو مخادعون، وأنهم يمنعون الناس من الوصول إلى "الحقيقة الكبرى". بل يصل الأمر أحيانًا إلى التشكيك في القرآن والسنة، والدعوة لفهم الدين بطريقة جديدة خارجة عن منهج النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
هذا المنهج يؤدي إلى الانحراف عن العقيدة الصحيحة، ويفتح الباب أمام الشرك والممارسات الوثنية، بل وحتى الإلحاد واللادينية. وقد أظهرت التجارب أن نسبة كبيرة ممن انخرطوا في هذه الدورات أو الممارسات انتهى بهم المطاف إلى الشك في الدين أو تركه تمامًا.
الإسلام دين الجماعة والتشاور، وليس دين العزلة والانفراد بالرأي. قال تعالى: "وأمرهم شورى بينهم"، وقال: "واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا". حتى النبي صلى الله عليه وسلم، المؤيد بالوحي، كان يشاور أصحابه ويأخذ برأيهم.
العزلة عن الجماعة وترك التشاور مع أهل الخبرة والعلم تفتح الباب للوقوع في الخطأ والضلال. فمن يبتعد عن أسرته وعلمائه ومجتمعه، ويأخذ دينه أو علمه من مصدر واحد فقط، يصبح عرضة للتلاعب الفكري والروحي.
- تعلم العقيدة الصحيحة: لا بد من تعلم أسس التوحيد والعقيدة، وفهم الدين من مصادره الصحيحة.
- الرجوع للعلماء الثقات: في كل مسألة شرعية أو علمية، يجب استشارة أهل الخبرة والعلم، وعدم الاعتماد على مدربين أو دعاة مجهولين.
- الحفاظ على الروابط الأسرية والاجتماعية: الأسرة والمجتمع هما الحصن الأول ضد الانحراف الفكري والسلوكي.
- التمييز بين النصيحة الحقيقية والتثبيط: ليس كل من ينصحك أو يحذرك هو عدو لك، بل قد يكون حريصًا على مصلحتك.
- الاعتدال في فهم الدين: لا نعبد الله بالخوف وحده، ولا بالحب وحده، ولا بالرجاء وحده، بل نجمع بينها جميعًا كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم.
مصطلحات مثل "مصاصي الطاقة" قد تبدو بريئة أو حتى مسلية في ظاهرها، لكنها تحمل في طياتها مخاطر كبيرة إذا تم استخدامها لعزل الفرد عن أسرته ومجتمعه ودينه. علينا أن نكون واعين لهذه الدعوات، وأن نتمسك بالجماعة، والشورى، والعلم الصحيح، وأن نحصّن أبناءنا بالمعرفة والإيمان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون يد على من سواهم". فلنحافظ على وحدتنا، ونحذر من كل دعوة تفرقنا أو تبعدنا عن ديننا وهويتنا.
نسأل الله أن يحفظنا ويحفظ أبناءنا من كل فتنة، وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه.
https://www.youtube.com/watch?v=HMsYfkKT190