اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

نقد فلسفة "الوعي الطاقي": كيف تهدد بعض الأفكار الحديثة علاقاتنا الأسرية والاجتماعية؟

في السنوات الأخيرة، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب وتيك توك موجة من الدورات والمحتوى الذي يروج لما يسمى بـ"الوعي الطاقي" أو "تحرير الكا

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب وتيك توك موجة من الدورات والمحتوى الذي يروج لما يسمى بـ"الوعي الطاقي" أو "تحرير الكارما". هذه المفاهيم، رغم أنها تبدو في ظاهرها دعوة للتنمية الذاتية والتحرر من القيود النفسية، إلا أنها تحمل في طياتها أفكارًا خطيرة تهدد بنية الأسرة والمجتمع، وتعيد تشكيل مفاهيم العلاقات الإنسانية بطرق قد تكون مدمرة.

فكرة الكارما وتحميل الفرد مسؤولية علاقاته الأسرية

من أكثر الأفكار المتداولة في هذه الدورات أن كل علاقة سلبية في حياتك هي من "اختيارك" أنت، وأنك وحدك من جلبت لنفسك أبًا سيئًا أو أمًا مهملة أو إخوة متسلطين أو زوجًا نرجسيًا، وذلك بسبب "كارما" أو طاقة سلبية ورثتها من حيوات سابقة. ويُقال لك: "جميعها دروس جاءت لتعلمك، وأنت وحدك من يقرر التحرر من هذه السلسلة أو الاستمرار فيها".

هذه الفكرة تحمل في طياتها دعوة ضمنية للتمرد على الأسرة، بل وتحميل الضحية مسؤولية ما تعرضت له من أذى، واعتبار أن أي علاقة أسرية سيئة هي نتيجة لاختياراتك السابقة، حتى لو لم تكن واعيًا بها!

ضرب قيم البر والإحسان وصلة الرحم

أخطر ما في هذه الأفكار أنها تهدم القيم الأساسية التي قامت عليها المجتمعات، مثل بر الوالدين، وصلة الرحم، والرحمة والتعاون الأسري. فبدلاً من الحث على التسامح والصبر والإحسان، نجد دعوات صريحة لقطع العلاقات مع الأهل، بل وأحيانًا التحريض على الانتقام منهم، بحجة أن وجودهم في حياتك هو "عقاب كارمي" يجب التحرر منه.

وقد يصل الأمر إلى أن يُطلب من المتدربات استخدام أدوات "طاقية" أو تعاويذ ضد آبائهن وأمهاتهن إذا شعرن بأي أذى أو رفض، فيتحول الأمر من محاولة إصلاح الذات إلى قطيعة وعداوة أسرية.

قصص واقعية: آثار مدمرة على الأسر

للأسف، هذه الأفكار لم تبقَ حبيسة الشاشات والدورات، بل بدأت تظهر آثارها في الواقع. هناك قصص حقيقية لأمهات فقدن أبناءهن بسبب انخراطهم في هذه الدورات، حيث هجروهن وقطعوا علاقاتهم بهن، بل ووصل الأمر ببعض الأبناء إلى تهديد أمهاتهم بالطرد أو حتى الإيذاء الجسدي.

إحدى الأمهات روت كيف أن ابنها، بعد أن أصبح ممارسًا للطاقة، أغلق على نفسه باب غرفته لثلاثة أيام، وعندما حاولت الحديث معه، هددها بالطرد من المنزل الذي تديره هي وتصرف عليه! وأخرى هددها ابنها بكسر رجلها إن حضرت زفافه، بعد أن هجرها هو وأخواته.

التلاعب بالمشاعر وتدمير الدفاعات النفسية

تعتمد هذه الدورات على أسلوب خطير في التلاعب بالمشاعر، حيث يُطلب من الشخص أن يعيد استرجاع ذكريات الطفولة ويبحث عن "جروح الأم أو الأب"، ويُقنع بأن كل ألم مر به كان نتيجة "اختياراته الكارمية". ويُقال له: "أنت وحدك من تقرر التحرر من هذه السلسلة"، فيشعر أنه ضحية وسيد في آن واحد، لكنه في الحقيقة يُسلب منه الإحساس بالانتماء والدعم الأسري والاجتماعي.

تغيير المرجعيات وتدمير الهوية

لا تقف خطورة هذه الأفكار عند حدود الأسرة، بل تمتد لتغيير المرجعيات الدينية والأخلاقية للفرد. فبعد أن يُنسف الدين وتُبدل القيم، يُطلب من الشخص أن يقتدي بقدوات جديدة من خارج ثقافته ودينه، فيصبح فريسة سهلة لأي فكر منحرف أو جماعة تستغل ضعفه وعزلته.

الانحراف عن الفطرة والدين

الدين الإسلامي، كما في قوله تعالى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا" (الإسراء: 23)، يحثنا على الإحسان للوالدين حتى لو كانا مخالفين لنا في الدين، ويمنعنا حتى من قول "أف" لهما، فكيف بمن يدعو إلى قطيعتهم أو إيذائهم؟!

آثار نفسية واجتماعية خطيرة

هذه الدورات لا تقدم حلولًا حقيقية للمشكلات النفسية، بل تزيد من الضغط النفسي على الفرد، وتزرع فيه الشك والعداوة تجاه أقرب الناس إليه. وقد تؤدي أحيانًا إلى الاكتئاب الشديد أو حتى الانتحار، كما حدث مع إحدى الفتيات التي تعرضت لهلوسات سمعية أثناء جلسات "تنظيف الطاقة"، وأوهمت بأن والدها أذاها في طفولتها، رغم أن ذلك لم يحدث، فانتهى بها الأمر إلى الانتحار.

العلاج الحقيقي: الصبر واللجوء للمختصين

إذا كان لديك مشكلة نفسية حقيقية أو جرح من الطفولة يؤثر على حياتك، فالحل ليس في دورات الطاقة أو الأفكار الكارمية، بل في اللجوء إلى المختصين النفسيين والمعالجين المعتمدين. الصبر على البلاء، والرضا بالقضاء والقدر، والتماس العذر للأهل، كلها قيم إسلامية وإنسانية تحمي الفرد والمجتمع من التفكك.

الخلاصة: احذروا من هذه الدعاوى

في الختام، يجب أن نكون واعين بخطورة هذه الأفكار التي تهدم الأسرة والمجتمع باسم التحرر والوعي. لا تسمح لأي فكر أو شخص أن يزرع فيك الشك تجاه أهلك أو يدفعك لقطع صلتك بهم. الأسرة هي رأس مال الإنسان في الدنيا، وبعد الله سبحانه وتعالى، هم سندك الحقيقي.

إذا شعرت بضيق أو ألم، فالجأ إلى الله أولًا، ثم إلى المختصين الأمناء، ولا تتبع كل صيحة أو موضة فكرية قد تفسد عليك دينك ودنياك.

حفظ الله لنا آباءنا وأمهاتنا وأهلنا وأزواجنا وأبناءنا، ورزقنا البر والإحسان وصلة الرحم.

هذا المقال دعوة للتأمل والحذر، وليس رفضًا لأي تطوير ذاتي حقيقي قائم على العلم والرحمة، بل تحذير من الأفكار الدخيلة التي تهدم ولا تبني.

https://www.youtube.com/watch?v=YApcR-h0jt8

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك