اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

نقد فلسفات "مدارس الوعي": بين الحقيقة والادعاء

في السنوات الأخيرة، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي العديد من المنشورات والدورات التي تحمل مسميات مثل "مدربات الوعي" و"مدارس الوعي". تدّعي هذه الدو

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

مقدمة

في السنوات الأخيرة، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي العديد من المنشورات والدورات التي تحمل مسميات مثل "مدربات الوعي" و"مدارس الوعي". تدّعي هذه الدورات أنها تقدم للإنسان معرفة جديدة حول ذاته، وتعده بالتحرر من القيود النفسية والاجتماعية، بل وتمنحه القدرة على "صناعة واقعه" وتغيير قدره بنفسه. لكن ما حقيقة هذه الادعاءات؟ وما مدى توافقها مع العقل والدين والمنطق؟

في هذا المقال، سنناقش أبرز الأفكار التي تروجها هذه المدارس، ونبين مخاطرها الفكرية والاجتماعية والدينية، مستندين إلى الحوار النقدي الذي يدور بين مجموعة من المختصين والمهتمين بهذا الشأن.

الفكرة الأساسية: الإنسان هو الخالق والمخرج لحياته

تدور منشورات "مدربات الوعي" حول فكرة أن الإنسان هو من اختار أن "ينزل إلى التجربة الأرضية"، وأنه نسي قدراته الحقيقية وذاته العليا، وأن كل ما يمر به من مشاعر وألم وسلطة هو جزء من "اللعبة" التي اختارها بنفسه ليختبر الحياة ويتطور.

بحسب هذه الرؤية، أنت المنتج والمخرج لقصة حياتك، اخترت عائلتك وشكلك وسعادتك وألمك، وأتيت إلى الأرض فقط لتعيش "مسرحية الوجود". بعد انتهاء التجربة، تعود إلى "الأصل" أو "المصدر"، وكأنك كنت إلهاً في السماء، وهبطت إلى الأرض لتجرب الحياة البشرية، ثم تعود مرة أخرى إلى الألوهية.

نقد الفكرة: أين الله في هذه المعادلة؟

يطرح النقاد عدة تساؤلات جوهرية حول هذه الفلسفة:

  • من الذي اختار؟ هل الإنسان فعلاً هو من اختار أن ينزل إلى الأرض، أم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقه وابتلاه بهذه الحياة؟
  • ما الهدف من الحياة؟ هل هي مجرد تجربة أو لعبة، أم أنها ابتلاء واختبار للعبادة والطاعة؟
  • أين مكان الله في هذه الرؤية؟ لماذا يتم تغييب الخالق تماماً، ويُختزل كل شيء في قوة الإنسان ووعيه؟
  • هل الإنسان خالق أم مخلوق؟ إذا كان الإنسان هو المنتج والمخرج والمتحكم في كل شيء، فأين الإيمان بالقضاء والقدر؟ وأين التسليم لله؟

هذه الأسئلة تكشف أن فلسفة "مدارس الوعي" تقوم على نفي أركان الإيمان الأساسية، مثل الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر. بل وتذهب إلى أبعد من ذلك، فتجعل الإنسان هو الإله، وتلغي الحاجة لأي مرجعية دينية أو أخلاقية خارجية.

جذور هذه الفلسفات: وحدة الوجود والكَرْما

يشير المتخصصون إلى أن هذه الأفكار ليست جديدة، بل هي امتداد لفلسفات قديمة مثل "وحدة الوجود" التي ترى أن الله حالٌّ في كل شيء، وأن الإنسان جزء من الإله أو من "العقل الكلي". كذلك تتبنى بعض مدارس الوعي فكرة الكَرْما، أي أن الإنسان يختار حياته الحالية بناءً على أفعال في حياة سابقة، ويجب عليه أن يعيش تجارب معينة ليصل إلى "الكمال" أو "الاستنارة".

هذه الفلسفات تتعارض بشكل صارخ مع العقيدة الإسلامية التي تؤمن بأن الله خالق كل شيء، وأن الإنسان عبد لله، وأن الحياة ابتلاء واختبار، وأن لكل إنسان قدره الذي كتبه الله عليه.

مخاطر اجتماعية وأخلاقية

لا تتوقف خطورة هذه الفلسفات عند الجانب العقدي فقط، بل تمتد لتؤثر على العلاقات الاجتماعية والأسرية. فحين يُقنع الإنسان بأنه "المخرج" لحياته، يصبح من السهل عليه أن يتخلى عن عائلته أو يقطع رحمه أو يبرر لنفسه أي تصرف بدعوى أنه "يخلق واقعه" أو "يغير قدره". بل وتظهر مفاهيم مثل "العائلة الروحية" و"الأم الروحية" التي تحل محل الأسرة الحقيقية، مما يؤدي إلى تفكك الروابط الأسرية والاجتماعية.

أما على المستوى الأخلاقي، فإلغاء فكرة الحلال والحرام، واعتبار أن كل إنسان هو مرجع نفسه، يفتح الباب أمام الفوضى الأخلاقية، ويدعو إلى التحرر من كل الضوابط الشرعية والاجتماعية.

تحريف النصوص الدينية

من أخطر ما تقوم به هذه المدارس هو تحريف معاني القرآن والسنة لتتماشى مع أفكارهم. فهم يفسرون الآيات والأحاديث بعيداً عن سياقها، ويستخدمونها لدعم فلسفاتهم، حتى أصبح القرآن بالنسبة لهم مجرد "كتاب حكمة" يشبه كتب البوذية والهندوسية، وليس كتاب هداية وتشريع.

لماذا ينجذب البعض لهذه الأفكار؟

يشير النقاد إلى أن هذه الفلسفات تدغدغ مشاعر الكثيرين، خاصة من يبحثون عن التميز أو يعظمون ذواتهم أو يريدون التحرر من المسؤولية والقيود. كما أن تكرار الاستماع لهذه الأفكار عبر الدورات والمنشورات يساهم في "برمجة" العقول وتغيير القناعات تدريجياً، حتى يصبح الإنسان مقتنعاً بأنه قادر على كل شيء بنفسه، وينسى فضل الله عليه.

الخلاصة: العودة إلى الفطرة والعقل والدين

في النهاية، يدعو المتخصصون إلى ضرورة التمسك بالعقيدة الصحيحة، والتسلح بالعلم الشرعي والعقلي، وعدم الانسياق وراء كل دعوة براقة أو فلسفة جديدة. فالحياة ليست لعبة، والإنسان ليس خالقاً لنفسه، بل هو عبد لله، مأمور بالعبادة والطاعة، ومسؤول عن أفعاله أمام الله يوم القيامة.

كما يحذرون من خطورة هذه الدورات والمنشورات على الأجيال الجديدة، ويدعون إلى الحوار الهادئ والنقاش العلمي لبيان زيف هذه الأفكار، وحماية المجتمع من آثارها السلبية.

نصيحة للقراء

إذا صادفت منشوراً أو دورة تدعو إلى مثل هذه الأفكار، فاسأل نفسك: أين الله في هذه المعادلة؟ ما مصدر هذه الفلسفة؟ هل تتوافق مع عقيدتي وعقلي ومنطقي؟ ولا تتردد في طلب العلم من مصادره الموثوقة، واستشر أهل العلم إذا التبس عليك أمر.

ختاماً:

الوعي الحقيقي هو أن تعرف نفسك كعبد لله، وتدرك حدود قدراتك، وتؤمن أن الله هو الخالق المدبر، وأن الحياة ابتلاء واختبار، لا لعبة أو مسرحية. فاحذر من كل فلسفة ترفع الإنسان فوق قدره، وتغيّب الخالق عن المشهد.

https://www.youtube.com/watch?v=gWJUd2efcmE

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك