نقد علمي لفكرة الأبراج العائلية وجذورها الفلسفية
في السنوات الأخيرة، انتشرت في العالم العربي العديد من المفاهيم والتقنيات النفسية المستوردة من الغرب، من بينها ما يُعرف بـ"الأبراج العائلية" أو "الوقوف
في السنوات الأخيرة، انتشرت في العالم العربي العديد من المفاهيم والتقنيات النفسية المستوردة من الغرب، من بينها ما يُعرف بـ"الأبراج العائلية" أو "الوقوف العائلي". ورغم أن هذه المفاهيم تُطرح أحيانًا تحت غطاء التنمية البشرية أو العلاج النفسي، إلا أن من المهم التوقف عند جذورها الفكرية وأسسها الفلسفية، خاصة عندما يتعلق الأمر بتأثيرها على المجتمع والأسرة.
من هو مؤسس الأبراج العائلية؟
مؤسس تقنية الأبراج العائلية هو بيرت هيلينجر، وهو قسيس ألماني كان يعمل مبشرًا في إفريقيا. من الجدير بالذكر أن هيلينجر لم يكن عالمًا نفسيًا بالمعنى الأكاديمي، بل استند في أفكاره إلى مزيج من الطقوس الدينية القديمة وبعض المعتقدات الغنوصية والباطنية. للأسف، نجد أن بعض المجتمعات الإسلامية والعربية تتبنى هذه الأفكار دون تمحيص، رغم أنها في أصلها بعيدة كل البعد عن القيم الإسلامية والعلمية.
الفكرة الأساسية للأبراج العائلية
تعتمد فكرة الأبراج العائلية على ما يسمى "التطهير النفسي"، وهي فكرة قديمة جدًا تعود جذورها إلى عقائد فلسفية مثل الغنوصية ونظرية التطهير الأرسطية. هذه النظريات تقوم على الاعتقاد بأن الإنسان يتكون من عدة أرواح أو طبقات روحية (مثل الروح القرين، والروح الإنسانية، والروح الحيوانية)، وأنه يمكن "تطهير" النفس من الصدمات والمشاكل النفسية عبر طقوس أو ممارسات معينة.
مع عصر النهضة الأوروبية، أعيد إحياء هذه الأفكار عبر أكاديميات فلسفية مثل الأكاديمية الأفلاطونية في إيطاليا، حيث تم البحث في المخطوطات القديمة وإعادة صياغتها وتقديمها في قوالب جديدة مثل الفلسفة والطب وعلم النفس والاجتماع. معظم فلاسفة عصر النهضة تبنوا الفكر الغنوصي، الذي يسعى إلى نقل الإنسان من الظاهر إلى الباطن، ومن العقل إلى الروح، عبر سلسلة من التقنيات والمعتقدات.
العلاقة بحركة العصر الجديد
مع بروز حركة "العصر الجديد" (New Age)، أعيد تقديم هذه المفاهيم بشكل يتناسب مع متطلبات العصر الحديث، وأصبحت تُطرح تحت مسميات مثل "التصوف الكمي" الذي يحاول الربط بين الغنوصية وبعض مفاهيم الفيزياء الحديثة. يجدر التنويه إلى أن التصوف الكمي ليس له أي أساس علمي معترف به في الأوساط الأكاديمية.
بيرت هيلينجر نفسه ابتكر تقنية "الرنين الصخري"، وهي فكرة لا تستند إلى أي أساس علمي، بل هي مجرد اجتهادات شخصية. ويُلاحظ أن هذه التقنيات كلها تدور حول فكرة واحدة: التحرر من التوتر والمشاكل النفسية عبر طقوس أو ممارسات لا علاقة لها بالعلم أو بالدين الصحيح.
إعادة تدوير الأفكار القديمة
اللافت أن هذه الأفكار ليست جديدة، بل هي إعادة تدوير لمعتقدات قديمة تعود إلى عصور ما قبل النهضة، بل وحتى إلى زمن القبالاه (الكابالا) في القرن الثاني أو الثالث الميلادي. مع مرور الوقت، يتم إعادة صياغة هذه الأفكار وتقديمها تحت مسميات جديدة مثل "الأكسس بارز" أو "الهيلينج"، لكن الجوهر واحد: تشريح الإنسان والنفس الإنسانية وفق رؤية باطنية غنوصية.
الأهداف الخفية وراء هذه التقنيات
من المهم الإشارة إلى أن هذه التقنيات لا تهدف فقط إلى ما يُسمى "العلاج النفسي"، بل لها أهداف أعمق تتعلق بتفكيك الأسرة ونشر مفاهيم غريبة عن المجتمع العربي والإسلامي. فهذه الفلسفات تدعو إلى كره الجسد، التنفير من الزواج، قطع النسل، وتشجيع العلاقات غير الطبيعية، انطلاقًا من اعتقاد أن الجسد شر يجب التخلص منه، وأن الروح وحدها هي النور.
في هذه الرؤية، تصبح الأسرة عبئًا، ويُنظر إلى إنجاب الأطفال على أنه جلب مزيد من الأرواح إلى عالم مليء بالمعاناة. لذلك، تدعو هذه الفلسفات إلى حياة بلا أسرة أو أطفال، بل وحتى إلى تشجيع الشذوذ الجنسي كطريقة "للتصالح مع الذات" حسب المفهوم الغنوصي.
كيف دخلت هذه الأفكار إلى العالم العربي؟
دخلت هذه المفاهيم إلى العالم العربي عبر أشخاص مثل جميلة شرودر، التي ترجمت كتب بيرت هيلينجر إلى العربية، وحاولت تكييف المصطلحات لتناسب الثقافة العربية. لكن الخطر يكمن في أن هذه الأفكار تمهد لما يُسمى "الدين المعنوي" أو "الفلسفة المعنوية"، والتي تقوم على تفكيك الأسرة وقطع النسل وتشويه العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة.
الخلاصة
من المهم أن نكون واعين لجذور هذه التقنيات والمفاهيم، وألا ننجرف وراء كل جديد دون تمحيص أو تدقيق. فالكثير من هذه الممارسات ليست سوى إعادة تدوير لأفكار قديمة خطيرة، تتعارض مع قيمنا الدينية والاجتماعية، وتهدف في النهاية إلى تفكيك الأسرة والمجتمع.
لذلك، يجب علينا أن نبحث عن مصادر العلم والمعرفة من منطلقات علمية ودينية صحيحة، وأن نكون حذرين من استيراد أفكار لا تتناسب مع هويتنا وقيمنا. المعرفة الحقيقية هي التي تبني الإنسان والأسرة والمجتمع، لا التي تهدمها تحت شعارات براقة.
https://www.youtube.com/watch?v=vvBHDmdqIwA