نقد علمي وشرعي لكتاب "السماح بالرحيل" لديفيد هاوكنز: كشف الانحرافات العقدية والفكرية
في السنوات الأخيرة، انتشرت كتب ديفيد هاوكنز، خاصة كتابه "السماح بالرحيل"، بشكل واسع في العالم العربي والإسلامي، وأصبحت تجد طريقها إلى بيوت المسلمين وع
في السنوات الأخيرة، انتشرت كتب ديفيد هاوكنز، خاصة كتابه "السماح بالرحيل"، بشكل واسع في العالم العربي والإسلامي، وأصبحت تجد طريقها إلى بيوت المسلمين وعقول أبنائهم وبناتهم، لا سيما في سن المراهقة. ولخطورة هذه الأفكار، نقدم في هذا المقال قراءة نقدية علمية وشرعية لهذا الكتاب، مع بيان أبرز الانحرافات العقدية التي يحملها، وتحذير من الوقوع في شراكها.
من هو ديفيد هاوكنز؟
ديفيد هاوكنز يُقدَّم نفسه كعالم نفس وطبيب، ويدعي أنه باحث في الوعي والحالات الروحية المتقدمة. اشتهر بابتكاره ما يُسمى "سلم هاوكنز للوعي"، وهو مقياس غير معترف به علمياً، ويعتمد على أفكار فلسفية شرقية وهندية، مثل "الأوبنشاد" و"البهاجافاد جيتا" من التراث الهندوسي، بالإضافة إلى مفاهيم من التصوف اليهودي (الكابالا).
هاوكنز يزعم في كتبه أنه بلغ التنوير الروحي عبر تجربة شخصية، ويصف نفسه بأنه أصبح "إلهاً في داخله"، وأنه شُفي ذاتياً من أمراض مزمنة بمجرد وصوله إلى حالة التنوير. كما يصرح بتحوله إلى الإلحاد بعد أن فقدت التعاليم الدينية التقليدية معناها بالنسبة له، ويرى أن الروحانية تحل محل الدين.
ما هو "مقياس هاوكنز للوعي"؟
هذا المقياس يُبنى على فكرة أن الإنسان يترقى في درجات الوعي حتى يبلغ مرتبة "الاستنارة" أو الاتحاد مع الإله. يعتمد المقياس على مفاهيم الشاكرات الهندية، ويمنح كل مركز طاقة (شاكرة) قيمة رقمية، فكلما ارتفع الإنسان في سلم الوعي، اقترب من حالة التنوير، التي يزعم أنها قمة الوجود الإنساني.
يرى هاوكنز أن المشاعر والأفكار عبارة عن طاقات وذبذبات تؤثر في الواقع المادي، وأن الإنسان قادر على خلق واقعه والتحكم في مصيره إذا وصل إلى هذه المستويات العليا من الوعي. ويزعم أن كل شيء في الكون يبث ذبذبات، وأن المشاعر الإيجابية ترفع من طاقة الإنسان وتجعله أقرب إلى "الإله" في داخله.
الانحرافات العقدية في كتاب "السماح بالرحيل"
1. نسبية الحقيقة وهدم الدين والأخلاق
يروج هاوكنز لفكرة أنه لا توجد حقيقة مطلقة، وأن كل القيم والأخلاق نسبية، فلا يوجد خير أو شر مطلق، بل كل شيء يخضع للظروف والمواقف. هذه الفكرة تهدم أسس الدين والأخلاق، وتخالف نصوص القرآن والسنة التي تؤكد وجود الحق المطلق في الإسلام.
2. تأليه الذات الإنسانية ووحدة الوجود
يدعو الكتاب إلى أن الإنسان هو الإله في داخله، وأنه إذا تخلص من "الأنا المزيفة" (الإيغو)، فإنه يتحد مع الوعي الكوني أو الإله. هذه عقيدة وحدة الوجود التي تساوي بين الخالق والمخلوق، وتنفي وجود إله منفصل عن المخلوقات، وهو كفر صريح.
3. الشفاء الذاتي ومنازعة الله في صفاته
يزعم هاوكنز أن الذات العليا للإنسان قادرة على شفاء الجسد وخلق الفرص المادية والعلاقات، وهو ادعاء ينازع الله في خصائص ربوبيته، فالله وحده هو الشافي والمتصرف في الكون.
4. طلب الحاجات من الكون (قانون الجذب)
يدعو الكتاب إلى ما يسمى "قانون الجذب"، أي أن الإنسان يرسل ذبذباته إلى الكون ليحقق له ما يريد، من صحة ومال وسعادة. هذا شرك صريح، إذ أن الطلب لا يكون إلا من الله، وليس من الكون المخلوق.
5. الاعتماد على الحدس والطاقات في معرفة الحقائق
يعتبر هاوكنز أن الحدس والطاقات الداخلية كافية لمعرفة الخير والشر، ويهمل النصوص الشرعية والعقل السليم، ويزعم أن كل شيء يمكن معرفته عبر الطاقات والذبذبات، وهذا مخالف للمنهج العلمي والشرعي.
6. مقارنة شخصيات مثل الأم تريزا وهتلر في مقياس الوعي
يضع هاوكنز شخصيات مثل الأم تريزا وهتلر على سلم الوعي، ويزعم أن طاقات البشر تتراوح بينهما، وهو مقياس غير منضبط علمياً ولا أخلاقياً، ويخالف معايير التقييم الشرعي للأفعال والأشخاص.
7. تعميم الحب لكل شيء بما في ذلك الكفار والملحدين
يدعو الكتاب إلى حب كل الموجودات بلا تمييز، حتى الكفار والملاحدة، ويهدم بذلك عقيدة الولاء والبراء في الإسلام، التي تقتضي البراءة من الكفار ودياناتهم الباطلة.
8. تأويل الموت والقيامة والخلود
ينكر هاوكنز وجود يوم القيامة بمعناه الشرعي، ويؤول الموت بأنه مجرد انتقال للروح إلى المصدر، وأن الإنسان خالد في جوهره، وهو مخالف لصريح القرآن الكريم.
الرد الشرعي والعلمي على هذه الانحرافات
- الحقيقة المطلقة: الإسلام دين الحق، ولا يقبل النسبية في العقيدة والأخلاق. قال تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" (آل عمران: 85).
- وحدة الوجود وتأليه الذات: عقيدة التوحيد تقتضي الفصل بين الخالق والمخلوق، ولا يجوز نسبة الألوهية للإنسان أو لأي مخلوق.
- الشفاء والتدبير: الله وحده هو الشافي والمتصرف في الكون، ولا يجوز نسبة هذه الصفات لأي مخلوق.
- قانون الجذب: الطلب والدعاء لا يكون إلا لله، والاعتقاد بأن الكون يستجيب للإنسان شرك بالله.
- الحدس والطاقات: معرفة الخير والشر لا تُؤخذ من الحدس أو الطاقات، بل من الوحي والعقل السليم.
- الولاء والبراء: من أصول العقيدة الإسلامية الولاء للمؤمنين والبراءة من الكفار والمشركين.
- اليوم الآخر: الإيمان باليوم الآخر من أركان الإيمان، ولا يجوز تأويله أو إنكاره.
أسئلة شائعة حول الممارسات المرتبطة بالطاقة والقمر
1. ربط قص الشعر أو الأظافر بمراحل القمر
لا يوجد في الإسلام دليل على أن للقمر تأثيراً حسياً أو غيبياً على نمو الشعر أو الأظافر. الاعتقاد بذلك يدخل في باب التنجيم المحرم، خاصة إذا اعتُقد أن للقمر طاقات خفية تؤثر في الإنسان.
2. دفن الشعر أو الأظافر بعد قصها
دفن الشعر أو الأظافر بعد قصها مباح من باب النظافة، وليس عبادة أو طقساً روحياً، ولا يجوز ربطه بمعتقدات وثنية أو طقوس هندوسية أو بوذية.
3. صيام الأيام البيض وعلاقته بالقمر
صيام الأيام البيض (13، 14، 15 من الشهر القمري) عبادة تعبدية لا علاقة لها بتأثير القمر أو طاقاته، بل هو تشريع تعبدي لا يُبحث عن علته خارج النص الشرعي.
4. الكسوف والخسوف
صلاة الكسوف والخسوف شُرعت للاتعاظ والتذكير بقدرة الله، وليس بسبب تأثيرات فلكية أو طاقات كونية.
تحذير من كتب الوعي والطاقة
ينبغي الحذر من كتب ديفيد هاوكنز وأمثاله من دعاة الفلسفات الشرقية والروحانية الحديثة، فهي تحمل في طياتها انحرافات عقدية خطيرة، وتروج للإلحاد ووحدة الوجود وتأليه الإنسان، وتدعو إلى هدم الدين والأخلاق. كما أن كثيراً من هذه الأفكار تُسوق تحت شعارات تطوير الذات والتنمية البشرية، بينما هي في حقيقتها تدمير للذات وهدم للعقيدة.
نصيحة للقراء
- لا تأخذوا دينكم إلا من العلماء الربانيين المعتبرين.
- احذروا من الشبهات الفكرية والعقدية المنتشرة في كتب الوعي والطاقة.
- التزموا بالكتاب والسنة وفهم سلف الأمة في مسائل العقيدة.
- اغلقوا أبواب الشبهات، وعبدوا الله كما أمر، ولا تلتفتوا إلى الدعاوى البراقة التي تخالف التوحيد.
اللهم احفظ أبناءنا وبناتنا من الفتن والشبهات، وثبتنا جميعاً على عقيدة التوحيد حتى نلقاك غير مغيرين ولا مبدلين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
https://www.youtube.com/watch?v=illPBI5S84I