اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

نقد علمي وشرعي لقانون الجذب: رؤية إسلامية

في عصرنا الحديث، انتشرت العديد من المفاهيم والدورات التي تدعو إلى ما يُسمى بـ"قانون الجذب" (Law of Attraction)، والذي رُوِّج له بشكل كبير في كتب مثل "

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

في عصرنا الحديث، انتشرت العديد من المفاهيم والدورات التي تدعو إلى ما يُسمى بـ"قانون الجذب" (Law of Attraction)، والذي رُوِّج له بشكل كبير في كتب مثل "السر" لروندا بايرن، ولاقى رواجًا واسعًا بين الشباب والكبار على حد سواء. فما هو هذا القانون؟ وما مدى توافقه مع العقل، والأخلاق، والأهم من ذلك: مع تعاليم الإسلام؟

أصل الإنسان وغاية وجوده

يبدأ الحديث دائمًا بتذكير مهم: الله سبحانه وتعالى هو خالق الإنسان وخالق كل شيء، وهو الذي أنزل الشرائع ليهدي البشر إلى طريق الخير والصواب. لم يتركنا الله في هذه الدنيا دون توجيه أو هداية، بل أرسل إلينا الأنبياء ليعلمونا كيف نعبده، وكيف نسير في الطريق الذي يرضيه، حتى نكون أهلاً لدخول الجنة.

خلق الله الإنسان من طين، كما أخبرنا في القرآن الكريم، وخلق الجن من نار. وبيّن لنا سبحانه أن الغاية من وجودنا ليست السعي وراء الشهوات فقط، بل العمل الصالح واتباع هدى الله. قال تعالى: "فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى" (طه: 123).

السعي المشروع في الحياة

أباح الله لنا الطيبات، وطلب منا أن نسعى في الأرض ونطلب الرزق بالعمل والجد والاجتهاد. قال تعالى: "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" (الملك: 15). وأوضح لنا أن الزينة والمال والأولاد من متاع الحياة الدنيا، لكن الطريق إلى تحقيقها يجب أن يكون مشروعًا، أي وفق ما أباحه الله وشرعه لنا.

ما هو قانون الجذب؟

يروج قانون الجذب لفكرة أن "النظير يجذب النظير"، وأن الإنسان يستطيع أن يجذب إليه كل ما يريد بمجرد التفكير فيه بقوة، وإرسال "ذبذبات" إيجابية أو سلبية إلى الكون، فيستجيب الكون لهذه الذبذبات ويحقق للإنسان ما يتمناه، دون حاجة إلى عمل أو سعي حقيقي.

تتلخص الفكرة في ثلاث خطوات: "اطلب، آمن، تلقَّ" (Ask, Believe, Receive). أي أن عليك فقط أن تطلب ما تريده من الكون، وتؤمن تمامًا بأنه سيتحقق، ثم تنتظر أن يأتيك ما طلبته.

نقد قانون الجذب من منظور إسلامي وعقلي

1. مخالفته للعقيدة الإسلامية

في الإسلام، نحن نؤمن بأن الله وحده هو المدبر، وأن كل شيء يقع بمشيئته وقدره. قال تعالى: "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين" (التكوير: 29). أما قانون الجذب فيجعل الإنسان هو المتحكم في القدر، وكأن الكون يستجيب لرغباته دون الرجوع إلى مشيئة الله، وهذا انحراف خطير يصل إلى الشرك بالله.

2. إلغاء دور العمل والسعي

يدعو هذا القانون إلى ترك العمل والاجتهاد، والاكتفاء بالتفكير والتخيل والتكرار اللفظي لما نريده. وهذا مخالف للفطرة والعقل، ومخالف لما جاء به الإسلام من الحث على العمل والأخذ بالأسباب. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يحث أصحابه على السعي والاجتهاد، ويعلمهم أن الدعاء وحده لا يكفي دون عمل.

3. النتائج الوهمية والآثار السلبية

كثير من الناس الذين جربوا هذا القانون أصيبوا بالإحباط والاكتئاب عندما لم تتحقق أحلامهم، رغم التكرار والتخيل. ويُلقي مروجو القانون باللوم على الشخص نفسه، مدعين أن السبب هو ضعف الذبذبات أو عدم الإيمان الكافي، ويطلبون منه الاستمرار في الدورات ودفع المزيد من الأموال.

4. الأنانية وتدمير القيم

يغرس قانون الجذب في النفس الأنانية وحب الذات، ويجعل الإنسان يطلب ما يشاء دون اعتبار للحلال والحرام، أو لمصلحة المجتمع من حوله. كما أنه يُضعف روح التضامن والعمل الجماعي، ويشجع على الكسل وترك الإنتاج والابتكار.

5. تزييف المفاهيم الشرعية

يحاول بعض المروجين لهذا القانون الاستدلال بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية، لكنهم يحرّفون معانيها ويخرجونها عن سياقها، فيخلطون بين الدعاء المشروع والتوكل على الله، وبين التوهم بأن الكون هو الذي يستجيب للطلبات.

قصص من القرآن ترد على قانون الجذب

لو كان قانون الجذب صحيحًا، لكان فرعون نجا من مصيره، ولغلب السحرة موسى عليه السلام، ولما خاف موسى عند مواجهة السحرة. لكن الواقع أن موسى عليه السلام خاف، وكان يدعو الله ويتوكل عليه، ولم يكن يعتمد على "ذبذبات" أو "قوة العقل"، بل على ربه سبحانه. وكذلك الأنبياء جميعًا، لم يكونوا يحققون أهدافهم بمجرد التفكير، بل كانوا يسعون ويعملون ويدعون الله ويأخذون بالأسباب.

الفرق بين الدعاء وقانون الجذب

الدعاء في الإسلام هو توجه القلب واللسان إلى الله، مع الأخذ بالأسباب والعمل الجاد، وحسن الظن بالله، والرضا بما يقدره الله، سواء تحقق المراد أم لا. أما قانون الجذب، فهو تعلق بالكون، وتوهم أن الإنسان يصنع قدره بنفسه، دون اعتبار لمشيئة الله أو الأخذ بالأسباب.

الخلاصة: الطريق الصحيح لتحقيق الأهداف

  • اعمل واجتهد: خذ بالأسباب المشروعة، واسعَ لتحقيق أهدافك بالعمل الجاد.
  • ادعُ الله وتوكل عليه: اجعل ثقتك بالله، واطلب منه وحده، وأحسن الظن به.
  • ارضَ بالقدر: اعلم أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وارضَ بما قسمه الله لك.
  • احذر من الانحرافات الفكرية: لا تنخدع بالدعايات البراقة التي تروج للأوهام وتخالف الشرع والعقل.

في النهاية، نسأل الله أن يهدينا جميعًا إلى الصواب، وأن يرزقنا الفهم الصحيح لديننا، وأن يحفظنا من كل ضلال وزيغ. والله ولي التوفيق.

بقلم: [اسم الكاتب]

مدوّنة التربية الإسلامية والتطوير الذاتي

https://www.youtube.com/watch?v=ANCfksiis70

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك