نقد مدرسة الوعي ومفاهيم الطاقة: رؤية إسلامية
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من المفاهيم والممارسات الجديدة تحت مسمى "مدرسة الوعي" أو "علوم الطاقة"، والتي تدّعي أنها تقدم حلولًا للسلام الداخلي
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من المفاهيم والممارسات الجديدة تحت مسمى "مدرسة الوعي" أو "علوم الطاقة"، والتي تدّعي أنها تقدم حلولًا للسلام الداخلي والاتصال بالذات وتحقيق الرغبات. ورغم أن هذه الأفكار تبدو جذابة للبعض، إلا أنها تحمل في طياتها العديد من المغالطات الخطيرة التي تتعارض مع العقيدة الإسلامية وأصول التوحيد.
السلام الداخلي والاتصال بالذات: حقيقة أم وهم؟
يروج أنصار مدرسة الوعي لفكرة أن الإنسان كلما اتصل بذاته، اقترب من خالقه، وأن الخالق موجود بداخل كل إنسان. ويزعمون أن تحقيق السلام الداخلي يأتي من العودة إلى "الحقيقة الروحية" للإنسان ومعرفة "عظمته" الذاتية، وليس من خلال العبادات أو التقرب إلى الله كما جاء في الإسلام.
هذه الأفكار تحمل ألغامًا عقائدية خطيرة، حيث يتم استبدال مفهوم التوحيد الخالص بفكرة حلول الخالق في المخلوق، أو اتحاد الإنسان بالخالق، وهو ما يخالف صريح العقيدة الإسلامية التي تؤكد على تفرّد الله سبحانه وتعالى بالخلق والتدبير، وأنه لا يوجد في داخله أحد من خلقه.
من يخلق الواقع؟
إحدى الأفكار التي تروج لها هذه المدارس أن الإنسان هو من يخلق واقعه بقوة الخالق التي "يمتلكها"، وليس بقوة الله سبحانه وتعالى وحده. ويُقدَّم الخالق في هذه المفاهيم على أنه ليس هو الإله الذي نعرفه في القرآن، بل هو "خالق الماتركس" أو "الوعي الكوني"، بينما الإنسان عندهم يصبح خالقًا مشاركًا عندما يتصل بذاته.
هذا الطرح فيه طعن واضح في توحيد الربوبية، إذ أن الإسلام يؤكد أن الله وحده هو الخالق والموجد والمدبر، ولا يشاركه في ذلك أحد. قال تعالى: "أَمَّنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ" [النحل: 17]. فكل من يدعي أن للإنسان قوة خلق مطلقة أو أن الخالق هو ذاته الإنسان، فقد وقع في الشرك الأكبر المخرج من الملة.
صورة الخالق في مدرسة الوعي
من أخطر ما تروج له هذه المدرسة هو تصوير الخالق على أنه مجرد "حب مطلق"، لا يعذب ولا ينتقم ولا يحتاج إلى عبادات، وأن صفات الله التي وردت في القرآن والسنة غير صحيحة أو تم تحريفها. بل ويذهب بعضهم إلى القول بأن التفسير الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم لصفات الله خطأ، ويجب استبداله بعقيدة جديدة!
هذا الطرح يهدم أصول التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية (إثبات أن الله هو الخالق المدبر)، وتوحيد الألوهية (إفراد الله بالعبادة)، وتوحيد الأسماء والصفات (إثبات ما أثبته الله لنفسه من صفات وأسماء). فالله سبحانه وتعالى وصف نفسه بأنه المنتقم، وأنه يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، وأنه يحب ويكره ويرضى ويغضب، وكل ذلك حق ثابت في الكتاب والسنة.
العبادة: بين الحب والخوف والرجاء
من الأفكار المنتشرة أيضًا أن العبادة يجب أن تكون "حبًا فقط"، دون خوف من عذاب الله أو رجاء في جنته. ويستشهد بعضهم بأقوال المتصوفة الذين قالوا: "نعبد الله لا رغبة في جنته ولا خوفًا من ناره، وإنما حبًا له". ولكن السلف الصالح حذروا من هذا المسلك، واعتبروه زندقة، لأن الأنبياء أنفسهم كانوا يعبدون الله حبًا وخوفًا ورجاءً. قال تعالى عنهم: "يَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" [الأنبياء: 90].
وحدة الوجود والحلول: جذور الفكرة
هذه المفاهيم ليست جديدة، بل هي امتداد لأفكار فلسفية وصوفية قديمة مثل وحدة الوجود والحلول، والتي تقول بأن الله والإنسان شيء واحد، وأن وعي الإنسان جزء من وعي الإله. وهذا مخالف لما جاء به الإسلام من تفرّد الله سبحانه وتعالى، وأنه ليس كمثله شيء، وأن الإنسان عبد لله وليس جزءًا منه.
نصيحة للمسلمين
على كل مسلم ومسلمة أن يكون على وعي بهذه الأفكار الدخيلة، وألا ينجرف وراء الشعارات البراقة التي تخفي وراءها شركًا بالله وتحريفًا للدين. إن السلام الداخلي الحقيقي لا يتحقق إلا باتباع هدي الله ورسوله، والاتصال بالخالق يكون عبر العبادات والطاعات، وليس عبر أفكار فلسفية أو طقوس وثنية.
وختامًا، من وجد في نفسه ميلًا لمثل هذه الأفكار أو وقع في بعض ممارساتها، فعليه أن يعود إلى الله ويتوب إليه، ويطلب العلم الشرعي الصحيح من مصادره الموثوقة، حتى لا يقع في الشرك أو يحيد عن الصراط المستقيم.
اللهم ثبتنا على التوحيد، واحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
https://www.youtube.com/watch?v=j9NnO9NAieQ