اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

انتشار فلسفات الطاقة والوعي: الجذور الخفية وأثرها على مجتمعاتنا

في السنوات الأخيرة، أصبحنا نلاحظ انتشاراً واسعاً لما يسمى بفلسفات الوعي، تدريبات الطاقة، والبرامج الروحانية في كل مكان: على وسائل التواصل الاجتماعي، ف

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
5 دقائق

في السنوات الأخيرة، أصبحنا نلاحظ انتشاراً واسعاً لما يسمى بفلسفات الوعي، تدريبات الطاقة، والبرامج الروحانية في كل مكان: على وسائل التواصل الاجتماعي، في الدورات التدريبية، وحتى على شاشات التلفزيون. كثيرون يمارسون هذه التدريبات ويشجعون الآخرين عليها دون معرفة حقيقية بخلفياتها الفكرية والعقدية. فما هي حقيقة هذه الفلسفات؟ وهل هي فعلاً علوم نفسية وروحانية محايدة، أم أنها تحمل جذوراً أعمق قد تتعارض مع عقائدنا الدينية؟

جذور فلسفات الطاقة: من أين بدأت؟

ظهرت هذه الفلسفات أولاً في الغرب، ثم انتقلت إلى العالم العربي في التسعينات تحت مسمى “التنمية البشرية”. لكن الحقيقة أن هذه الممارسات ليست جديدة، بل تعود جذورها إلى عقائد قديمة جداً، وتحديداً إلى ما يعرف بـ"التلمود" و"القبّالة" في التراث اليهودي، بالإضافة إلى الديانات الوثنية الشرقية مثل الهندوسية والبوذية.

التلمود هو كتاب تشريعي يعتنقه معظم اليهود، بينما القبّالة تمثل الجانب السري والسحري منه، وكانت مخصصة للجمعيات السرية فقط. في القرن الثامن عشر، أعيد إحياء هذه الفلسفات تحت مسمى “المتنورون”، وانتشرت أجندتها تدريجياً في المجتمعات الغربية، ثم العربية، عبر قنوات التنمية البشرية والبرامج الروحانية.

كيف تسللت هذه الفلسفات إلى حياتنا؟

تمت برمجة هذه المعتقدات وتقديمها بشكل "علمي" أو "روحاني" محايد، لتصل إلى كل بيت عربي وإسلامي. للأسف، كثير من الناس يمارسونها اليوم دون وعي بأصولها العقدية، ودون إدراك أنها ليست مجرد تمارين أو تقنيات نفسية، بل تحمل في طياتها مفاهيم دينية محرفة تتعارض مع عقيدة التوحيد.

من أبرز هذه الممارسات:

  • مفهوم الطاقة الكونية: فكرة وجود طاقة كونية أو حيوية يمكن التحكم بها أو توجيهها، وهي فكرة مأخوذة من الديانات الوثنية والقبّالة.
  • اليوغا والتأمل: تمارين ذات جذور هندوسية وبوذية، لكنها قُدمت على أنها تمارين للاسترخاء أو التأمل الذهني.
  • ممارسات الريكي، الثيتا هيلينغ، والبرانا هيلينغ: تقنيات علاجية روحية مأخوذة من عقائد شرقية، وتُعرض اليوم تحت مسمى “العلاج بالطاقة”.
  • التحفيز والتوكيدات والعقل الباطن: تمارين تُسوق على أنها تنمية للذات، لكنها في جوهرها تسعى لإحياء فكرة “الشرارة الإلهية” و"إيقاظ المارد الداخلي"، وهي مفاهيم غنوصية باطنية.
  • ممارسات التحرر من الصدمات (TFT, EFT, Meta Health, Psych-K): تقنيات تُنسب إلى علم النفس، لكنها في الواقع تعتمد على التواصل مع "العقل الكوني" أو "الوعي الأعلى".

لماذا هذا الانتشار الواسع؟

تكمن خطورة هذه الفلسفات في أنها تقدم نفسها كحلول لمشاكل الحياة اليومية: التوتر، الأمراض، العلاقات، النجاح المالي، وغيرها. فتجذب الناس الباحثين عن الراحة النفسية أو التطوير الذاتي، وتمنحهم شعوراً زائفاً بالقوة والسيطرة على الواقع، بل وتوهمهم بأنهم أصبحوا “أسياد مصيرهم” أو حتى “آلهة على الأرض”.

لكن الواقع أن هذه الممارسات تهدف إلى:

  • تفريغ الأديان من محتواها الحقيقي، وتحويل العبادات إلى طقوس وثنية.
  • إشاعة فكرة وحدة الوجود (أن الإنسان جزء من الإله أو يمكنه الاتحاد مع “المصدر”).
  • تغيير الفطرة الإنسانية، وزرع أفكار الإلحاد الروحاني أو عبادة “إله النور” بدلاً من عبادة الله الخالق.
  • إضعاف الروابط الأسرية والمجتمعية، عبر تشجيع الفردية والتمرد على القيم والتقاليد.

أثر هذه الفلسفات على المجتمع والأسرة

لوحظ أن كثيراً من ممارسي هذه التدريبات، خاصة النساء، يتغير سلوكهم تدريجياً: فقد تتخلى المرأة عن حجابها، أو تزداد النزاعات الأسرية، أو ينتشر الفكر النسوي المتطرف، وكل ذلك تحت شعار “تحقيق الذات” أو “التحرر الروحي”. كما أن نتائج هذه الممارسات غالباً ما تكون مؤقتة أو وهمية، وقد تؤدي إلى مشاكل نفسية أو اجتماعية أكبر على المدى الطويل.

كيف نواجه هذه الموجة؟

أول خطوة هي الوعي: علينا أن ندرك أن هذه الفلسفات ليست مجرد تمارين أو علوم نفسية، بل تحمل في طياتها عقائد باطنية تتعارض مع ديننا. يجب على كل فرد أن يسأل نفسه: هل هذه الممارسة موجودة في ديننا؟ هل أصولها معروفة وواضحة؟ هل تتعارض مع عقيدة التوحيد؟

ثانياً، يجب العودة إلى المصادر الصحيحة للمعرفة: القرآن الكريم والسنة النبوية هما المصدران الأساسيان للهداية، وقد حفظهما الله من التحريف. فلا حاجة لنا باستيراد عقائد أو طقوس من ديانات أخرى بحثاً عن السعادة أو الراحة النفسية.

ثالثاً، نشر الوعي والتحذير: من واجبنا أن ننبه الآخرين، خاصة الشباب والنساء، إلى خطورة هذه الممارسات، ونوضح لهم جذورها وأهدافها الحقيقية، ليس فقط من الجانب الديني، بل أيضاً من الجانب النفسي والاجتماعي.

خلاصة

انتشار فلسفات الطاقة والوعي ليس ظاهرة عابرة، بل هو جزء من أجندة أعمق تهدف إلى تغيير العقائد والهوية والثقافة في مجتمعاتنا. علينا أن نكون واعين، وأن نحصن أنفسنا وأبناءنا بالعلم الصحيح، وألا ننخدع بالمظاهر البراقة أو الشعارات الجذابة. فالدين الإسلامي دين واضح، بسيط، لا يحتاج إلى طقوس باطنية أو تعقيدات فلسفية. قال تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" (المائدة: 3).

فلنتمسك بديننا، ولنحذر من كل ما يخالفه، ولنجعل من الوعي الصحيح سلاحنا في مواجهة هذه الموجات الفكرية الوافدة.

ملاحظة للقراء:

إذا كنت تمارس أو تفكر في ممارسة أي من تقنيات الطاقة أو الوعي، ابحث عن أصلها، قارنها مع دينك، واستشر أهل العلم الموثوقين. فالعقيدة لا تحارب إلا بالعقيدة، والوعي الحقيقي يبدأ من معرفة الحق والتمسك به.

https://www.youtube.com/watch?v=pdw-_Yj5mzc

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك